ملاك عقيل – الجمهورية
آخر نسخة من وليد جنبلاط: هدنة على كل الجبهات، نقاش هادئ مع رئيس الحكومة سعد الحريري خصوصاً في ملف الكهرباء، وتجاهل مقصود لـ«زوبعة» زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب واضعاً إيّاها ضمن إطار «المزايدات». عشاء «بيت الوسط» بين «الشيخ» و«البيك» فَعَل فعله، لكن يقف خلف هذا التقارب تشجيع مصري ونصيحة سعودية بـ«جَمَل» حماية للحكومة التي تنتظر مبادرة من الرياض للدفع في اتجاه إنجاحها»، كشف عنها رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لـ«الجمهورية».
لعل صورة «المومياء» المصرية التي نشرها الزعيم الدرزي أمس في حسابه على «تويتر» تعبر بمقدار كبير عن جنبلاط الجديد.. فـ«نوبة الغضب» الجنبلاطي التي أعقبت ولادة الحكومة، بعد نقاشات متوترة مع أولياء التأليف ومواقف تصعيدية على مدى أشهر، خفّت حدتها الى درجة الذوبان!
يذهب جنبلاط الى حدّ القول في حديثه لـ«الجمهورية»: «هذه المقابلة هي الخط البياني الذي يعكس موقفي للمستقبل. كل ما يمكن أن يُعاد التذكير به من مواقف سابقة لي أو مواقف سبق أن أدليتُ بها للاعلام قبل عشاء بيت الوسط لا تمثّلني!».
في مرحلة الصدام مع الحريري والوزير جبران باسيل، وفي غمرة حَبك بنود البيان الوزاري، لم يمنع «البيك» نفسه من التصويب على من «أعمَاهم المال والحكم». تحدث عمّن «لم يعد هناك الحد الادنى من الحياء لجشعهم»، وعن «هوة نحن سائرون اليها، وخلاصتها استدانة 17 مليار دولار»، عن «الخصخصة المتوحشة» و«التفريط باتفاق الطائف» و«الدرس المرير» الذي تلقّاه لعدم علمه بـ«خفايا باريس 2» (اتفاق الحريري – باسيل) و«الطوق السياسي الذي سيشتد» عليه.
أمّا «استنفاره» في موضوع الكهرباء فذهب في تصعيده الى حد الإعلان عن نية الحزب «التقدمي الاشتراكي» الطعن في التلزيمات بالتراضي التي جرت في مصفاة طرابلس ودير عمار «حيث أصبحت البلاد وثرواتها في يد الخواجات الجدد وشركائهم من رحم الجيش الاميركي أو فضلاته»…
هكذا كان وليد جنبلاط قبل «العشاء اللطيف»، كما وصفه، مع الحريري وقبل أن يتنبّه الى انّ «الحالة الاقتصادية لم تعد تحتمل». يقول جنبلاط: «هذه ثالث مرة أختلف مع الحريري، وقد اتخذت قراراً بأنّ التصعيد الاعلامي لم يعد ينفع شيئاً. اللقاء الشخصي والمصارحة أفضل بكثير».
ويضيف: «هناك نقاط توافق بيننا ونقاط اختلاف بعضها مرّ عليه الزمن كقانون الانتخاب والانتخابات… اليوم نقطة الخلاف الاساسية هي الكهرباء المدخل الأول والاساسي للاصلاح، ووجهات نظرنا متضاربة»، كاشفاً أنه «قريباً سيلتقي النائبان هادي ابو الحسن وبلال عبدالله إضافة الى الاختصاصيّين منير يحيي ورياض شديد الرئيس الحريري، وسيتناقشون معه لنرى الى أين سنصل، فأنا لست خبيراً في الموضوع التقني».
وزيرة الطاقة متوترة
• إذاً لماذا أعلنت ما يشبه الحرب على التلزيمات في موضوع النفط والكهرباء؟
يجيب جنبلاط: «كانت ملاحظاتي عامة في طريقة تلزيم دير عمار. الحريري يملك وجهة نظر تختلف عن وجهة نظرنا. هذه المرة السجال لن يكون علنياً بل من خلال النقاش. لكن هذا لا يمنع من ضرورة الشروع في تنفيذ المتفق عليه في تشكيل «الهيئة الناظمة» لقطاع الكهرباء حسب القانون وتشكيل مجلس إدارة جديد لمؤسسة الكهرباء»، مشيراً الى أنه «حتى الآن هناك سياسة تفرّد من جانب الوزراء المتعاقبين على الطاقة. حتى أنّ هادي ابو الحسن قابل الوزيرة ندى البستاني ووجد انها كانت متوترة».
• وماذا عن اتهامك المتكرّر للحريري بالتفريط بـ«الطائف»؟
يردّ جنبلاط: «لست اختصاصياً في القانون الدستوري. كان سجالاً والآن لم يعد ينفع، لأنّ الحالة الاقتصادية لم تعد تسمح. «خَلّي غيري يفتح النقاش حول «اتفاق الطائف»، مش عليّي القصة». مضيفاً: «ليس هناك من سياسي لا يغيّر وجهة نظره حسب الظروف. الاولوية اليوم الاقتصاد، والاقتصاد مدخله الكهرباء التي قد تؤدي لاحقاً الى ترجمة إيجابية لمشاريع «سيدر».
مبادرة سعودية
ولا يخفي جنبلاط واقع أنّ السعودية ومصر دخلتا على خط التهدئة، مشيراً الى أنّ «السعوديين تمنّوا، وكما فهمت يريدون علاقات طبيعية وهادئة في لبنان، لأنّ لديهم مبادرة، الى جانب القرار بعودة السيّاح، تتعلق على ما يبدو بمساعدة لبنان وإنجاح الحكومة»، مؤكداً أنّ «كلامي اليوم هو الخط البياني لجنبلاط الجديد، للمستقبل».
ويملك «البيك» الواقعية الكافية للتنصّل من الإجابة عن رأيه في شأن التنسيق الذي يحكم التفاهمات القائمة بين الحريري وباسيل في الكهرباء وملفات عدة أخرى، والتي سبق ان اختصرها بـ«باريس 2»، قائلاً: «هذا الامر يعالج في وقته. لا خشية عندي منه. في نهاية المطاف الملفات الاساسية تُطرَح للنقاش ولاحقاً في مجلس الوزراء. نحن نختلف طبعاً مع جبران باسيل، وخلافنا الاول معه موضوع اللاجئين السوريين».
هل سيوضع اللاجئون في الصحراء؟
ويوضح قائلاً: «نحن نرفض التوطين بالتأكيد. لكن من سيؤمّن لهؤلاء العودة الآمنة والطوعية. يتحدثون عن مبادرة روسية وأنا معها، لكن أنا اسأل الروس هل لديهم ضمانات لعودة آمنة وسالمة للاجئين. ولكي يعودوا ألا نحتاج الى إعادة إعمار؟ من سيُعمّر؟ أم سيوضعون في الصحراء؟ لقد نُمي الينا أنه جرت محاولة لعودة البعض، وعاد قسم منهم، لكن حصل فرز بين الرجال والنساء والاطفال واعتُقِل الرجال واختفوا على الحدود»، لافتاً الى أنّ «اللجنة الخاصة بالمبادرة شكّلت لجنة، ولم نعد نسمع عنها شيئاً ولم تحصل متابعة».
• لكن الجميع يتحدث عن عودة آمنة وعلى رأسهم وزير الخارجية؟
يجيب جنبلاط: «لا أوافق باسيل على طرحه. لقد بدأ بالتصعيد ضد الفلسطيني الذي لم يأت الى لبنان برغبته بل لأنه طُرِد. هناك مجزرة يتناسونها، وهي التهجير من اللِّد أكبر مدن فلسطين. عندما نقول اللِّد أو كفرقاسم أو دير ياسين فهذا مصغّر لحمص وحلب وغيرها من المدن السورية. كذلك السوري لم يأت «بطَيّبه»، مع العلم أنّ هناك سوريين ساهم قدومهم الى لبنان إيجاباً حيث عملوا في الزراعة والصناعة والاعمار».
ويضيف: «نحن فشلنا في إقامة مخيمات كان يسهل السيطرة عليها أمنياً. في البداية تحدث باسيل عن مخيمات على الحدود، لكن مع الحذر اللبناني والتقليد العنصري ساهم ذلك في توزّعهم في الداخل. كان يمكن استخدام قاعدة رياق العسكرية أو مطار رينه معوض مخيمات. أنا أحمّل اليمين اللبناني العنصري، بكل أطيافه، مسؤولية ما وصلنا اليه».
• ألا ترى انّ المجتمع الدولي يدفع في اتجاه بقاء هؤلاء اللاجئين من خلال المليارات التي توفّر لهم؟
يردّ جنبلاط: «على الاقل القسم الاكبر من هذا المال يذهب الى الصحة والتعليم، وأنصح المنظمات الدولية أن ترعى المدرسة الرسمية لتعلّم هؤلاء لكي لا تأتي منظمات ذات طابع ديني او رجعي وتقوم بالمهمة، مع العلم أنّ سيرة السوريين في المدارس ممتازة».
أمام هذا الواقع يجد جنبلاط أنّ زيارة وزير النازحين صالح الغريب لدمشق «مجرد تفصيل ويدخل في إطار المزايدات»، مضيفاً «في المناسبة فليتفضّل غريب ويسأل بشّار عما اذا كان لديه الضمانات المطلوبة لعودة السوريين. ليعطنا جواباً آخذين في الاعتبار قدرة بشّار الهائلة على المراوغة».
يضيف جنبلاط: «يا لطيف، بشّار في خطابه الاخير، لم يغيّر حرفاً عن خطابه الاول في مجلس الشعب. اليوم، وبعد أن هجّر ثلث الشعب السوري لا يزال يقول أنا أحارب الارهاب. «شو هالنكران للذات يَلّي عندو؟».
لا أُمانع زيارة عون لسوريا
مع ذلك، لا تستفزّ جنبلاط تسريبات تتحدث عن إمكانية إعادة وصل ما انقطع مع سوريا من خلال الحكومة، وصولاً الى احتمال زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون دمشق بعدما دشّن عهده بزيارة السعودية. ويقول: «يقعد عون معو (الأسد) ما عندي مانع. ما عندي مانع حتى ولو غالبية الحكومة زارت سوريا. أسجّل اعتراضي كحزب سياسي. في مطلق الحالات، هم ينتظرون عودة سوريا الى الجامعة العربية. عظيم. عندما تعود لن يكون لديّ مانع. «أنا مش طالع على الحالتين. لنَشوف شو رح يطلع منّو ومن الوزراء. يقولون «إلحق الكذاب على باب الدار».
وماذا عن تيمور هل ممكن أن يقصد سوريا يوماً ما؟ يُجيب جنبلاط سريعاً: «ليس وأنا على قيد الحياة».
هكذا، التصعيد الجنبلاطي الثابت في وجه الرئيس بشار الاسد تقابله استدارة «انقلابية» في الداخل اللبناني. بهذا المعنى يقارب جنبلاط بهدوء الحكومة المقبلة على مزيد من الاستدانة، ويوضح: «جميع الحكومات «عاشت» على الاستدانة. العقلية البورجوازية اللبنانية تتّكِل دوماً على الخدمات والمصارف والسياحة ولا تولي الصناعة والزراعة أهمية. جلّ ما أقوله «يكفي استدانة». عندما أكون أقلية في حكومة أكثرية لا أستطيع أن أفعل شيئاً. أعترض من خلال صوتين».
«باسيل هو العرّاب»
• هل ستمنح الحكومة مهلة كما فعل باسيل وآخرون؟ يجيب: «أشكر جبران، «كَتّر خَيرو» عَطف علينا. هو العرّاب، انا لا أريد أن أعطي شيئاً». ويوضح: «لا نستطيع إلّا أن نعمل بالموجود آخذين في الاعتبار ضرورة ترك الملفات الشائكة جانباً. في الآونة الأخيرة دخل «حزب الله» على الخط في ما يتعلق بالفساد. ممتاز. في النهاية، هذا الحزب له جمهوره، وهو لا يمكن إلّا أن يتأثر بالفساد والاقتصاد، وانتخابات بعلبك لم تكن مرضية».
ويُثني جنبلاط على خطوة وزير «حزب الله» جميل جبق بزيارة الشمال، قائلاً: «لذلك أصرّوا على وزارة الصحة. كل ثورة مثل السمكة في المياه، إذا فَقدت المياه تموت».
عون ونصرالله صادقان
• هل تعتقد أنّ «حزب الله» جدي فعلاً في معركته ضد الفساد حتى لو اصطدم مع الجميع؟
يجيب جنبلاط: «نعم، وهذا ما أوضحه السيد حسن نصرالله. وكان لافتاً حتى أنهم اعتذروا عن كلام النائب نواف الموسوي. هذا يعني أنهم لمسوا العواقب في إمكانية خسارة شارع كبير هو الشارع المسيحي»، معلّقاً: «تظاهرة الاشرفية كانت مخيفة».
ويضيف: «المهم النتيجة»، مشيراً الى أنّ «عون صادق في محاربة الفساد، لكن استغرب لماذا تمّ الاستغناء عن وزارة مكافحة الفساد»، معتبراً أنّ «تشكيل لجنة برلمانية للفساد غير كاف. أهم نقطة هو القضاء، ومنع التدخل في القضاء».
«لديّ مصالحي»
وعن الاتهامات الصريحة التي وجّهت اليه بمحاربة الاتفاق الذي وقعه وزير الطاقة سيزار ابي خليل مع الشركة الروسية «روسنفت»، في شأن استئجار خزانات النفط التابعة لمصفاة طرابلس وذلك من زاوية مصالحه المالية الشخصية، ردّ جنبلاط قائلاً: «نعم لديّ مصالح ومصالحي شفافة. علينا أن نقبل المنافسة، هذا هو السوق».
وبعدما وَعَد جنبلاط بالمحاسبة في ما يتعلق بتلزيمات خزانات مصفاة طرابلس ودير عمار، فضّل ترك موضوع الكهرباء للنقاش الهادئ، فاتحاً ملفاً كان قد أثاره في الآونة الأخيرة «لقد أخّرت محاربة الفساد في قوى الأمن. أما وقد فتح التحقيق أنا انتظر نتيجة القضاء، وسأسلّم بها».
«لا أستطيع الهرب»
• ما الذي دفعك الى تغيير رأيك، خصوصاً أنّ رفعك الغطاء عن أحد الضباط المحسوبين عليك تزامن مع ولادة الحكومة كما أنه كانت هناك «تشيكلة طائفية» من الضباط المتهمين بالفساد؟
يجيب جنبلاط: «لم أكن أعرف أن آخرين سيتمّ التحقيق معهم. في مطلق الحالات، لقد رأيت أنني حتى ولو اعترضتُ على وجود سياسة كيدية ضدي، لكن في النهاية لا استطيع أن أهرب من القضاء. «لازم يكون الانسان منطقي مع نفسه». مضيفاً: «لو كنتُ مكان المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان ووزيرة الداخلية ريا الحسن، التي تبشّر بالخير، كنت طلبت رفع السرية المصرفية عن كل ضباط قوى الامن بلا استثناء. هذه إحدى وسائل محاربة الفساد».
هدوء جنبلاط ينسحب على أحد أهم الملفات العالقة بينه وبين «التيار الوطني الحر» وهي وزارة المهجرين، مؤكداً أنه «سيستقبل الوزير غسان عطالله، وأقول له أهم شيء أن لا ندخل في ما يسمّى الترميم المنجز وترميم الواجهات، وان لا تدخل الوزارة، كما في مرحلة معينة حتى على إيامي، في البنى التحتية «لأن مش شغلتها». مُسلّماً بـ«حصول هدر كبير منذ إنشاء هذه الوزارة، وكلنا مسؤولون».
درزياً، أُطفئت أيضاً محرّكات التعبئة والتحذير من التطويق. حتى إعلان الوزير السابق وئام وهاب أنّ «الاستفراد بالتعيينات الدرزية انتهى الى الأبد» يُقابل بردّ بارد لزعيم المختارة «لم أعتمد في حياتي الاستفراد في التعيينات، وكان المعيار الوحيد هو الكفاية».
أما بالنسبة الى رأيه في مضمون التحقيق الأولي الذي أنجزه مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي في أحداث بلدة «الجاهلية»، والذي أكد من خلاله عدم مسؤولية القوى الامنية عن مقتل محمد بو ذياب مرافق وهّاب، فيكتفي جنبلاط بالتذكير بـ«الريبورتاج الذي عَرَضَته إحدى الوسائل الاعلامية وأبرَزَ في وضوح التناقضات والتخبّط في أقوال صاحب الاتهام، الذي وجّه الى القوى الامنية أصابع الاتهام بالمسؤولية عن الحادث».