رلى ابراهيم – الأخبار
بين مؤتمر الكتائب اللبنانية الـ 30، الذي أتى بالنائب سامي الجميل رئيساً، ومؤتمر الحزب الـ 31، الذي انتهى يوم أمس بالتخلص من المعارضين لتحويله الى حزب القائد، نوبة غضب خجولة بدأها النائب نديم الجميل قبل نحو 4 سنوات، قبل أن يعلنها اليوم حرباً ضد القيادة من على منبر الكتائب، منتقداً سياسة ابن عمه التي حوّلت حزب الـ 100 ألف بطاقة إلى جمعية بيئية وحزب شخص!
غالباً ما كان يؤخذ على النائب نديم الجميل سقوطه في بداية المعركة، أي معركة، كتائبية كانت أو سياسية؛ لا لشيء سوى لافتقاده «النضوج السياسي»، على ما كان يبرر الأمر المقربون منه. منذ نحو ثلاثة أشهر، خاض نديم معركة حزبية داخلية بدأت بمجموعة أسئلة طرحها على المكتب السياسي والقيادة الحزبية بشأن موازنة الحزب وطريقة صرف الأموال الانتخابية وغيرها، وصولاً الى أسباب تقريب موعد المؤتمر الحزبي. يومها، اختار الأمين العام للحزب نزار نجاريان ورئيس الحزب سامي الجميل تجاهل نائب الأشرفية، على اعتبار أن «انتفاضته» نوبة غضب تمر كما سابقاتها، فيعود نديم المطيع الى البيت الكتائبي (راجع «الأخبار»، 1 شباط 2019). غير أن المفاجأة هذه المرة، كانت بخوض نديم معركته حتى النهاية ومن داخل المؤتمر العام لحزب الكتائب اللبنانية، إذ نجح للمرة الأولى في خلق رأي عام حزبي يثني على ما يقوله ويعيد تلاوته بعده. حصل ذلك يوم الجمعة الماضي، في اليوم الأول للمؤتمر 31 لحزب الكتائب اللبنانية الذي امتد على مدى ثلاثة أيام.
منذ اللحظة الأولى، بدّد ابن بشير الجميل فرحة سامي بفوزه بالتزكية حتى قبيل المؤتمر، إذ لم يترشح أي حزبي أصلاً الى منصب الرئاسة ولا إلى منصب نائب الرئيس. فبقي سامي رئيساً الى جانبه نائباه: سليم الصايغ وجوزيف أبي خليل. كان يفترض بالمؤتمر أن يكون مملاً، على شاكلة كلمة سامي السياسية التي أتت تكراراً لكل مواقفه السابقة وللخطاب الذي ألقاه في جلسة الثقة الحكومية: اللامركزية الإدارية التي لم يقدم بشأنها اقتراحاً واحداً ولا حتى دراسة أو طرحاً للنقاش داخل المكتب السياسي، محاربة الفساد من دون المس بأصدقاء العائلة، والمطالبة بسحب سلاح حزب الله. واللافت أن «الديموقراطية الحزبية» تمثلت باعتماد كلمة رئيس الحزب كـ«الوثيقة السياسية» للسنوات الأربع المقبلة، علماً بأن النظام يقول بضرورة عرض الورقة السياسية على المكتب السياسي قبيل 10 أيام على الأقل لمناقشتها والموافقة عليها، وهو ما لم يحصل. أما التعديلات على النظام الداخلي، فاقتصرت على تغيير بسيط بأسماء المصالح الحزبية، وسقط طرح الأمين العام بتصغير المكتب السياسي الى 12 عضواً بدلاً من 16، والاستعاضة عن نائبي الرئيس بنائب واحد، فيما تم استحداث رئاسة مجالس أقاليم لكل محافظة.
الوقع الأقوى للمؤتمر، جاء خلال إلقاء النائب نديم الجميل كلمته، التي خلافاً لكلمة سامي، جاءت لتركز على الوضع الحزبي الداخلي. انقسمت القاعة بين مصغٍ إلى ما يقوله ابن بشير الجميل حول تحوّل الحزب من حزب سياسي الى مجرد مركز رصد الفساد والكوميسيونات وجمعية بيئية، من خلية تضج بالحياة الحزبية الى أقسام مقفلة في مختلف القرى، وبين من يؤيده بأن الحزب لم يعد حزب بيار وبشير الجميل ولا حزب الـ 100 ألف بطاقة، بل حزب «ناس بلا خبرة حزبية وسياسية دايرين صرح مقدس كان يعبر عن الوجدان المسيحي والقضية اللبنانية». وقد فند نديم التراجع الكتائبي، سائلاً أين الكتائب من المجالس الاختيارية والبلدية، من المجلس النيابي والحكومة، في المعاهد والمدارس والجامعات؟ مشيراً الى أن الحزب «حزب اللبنانيين مش حزب العائلة، حزب العائلات والناس والشهداء وأهاليهم، حزب الفئات الكادحة والطبقة المتوسطة والنخب الفكرية. وينن؟ ويلّي بدو يحوّلو حزب عيلة وحزب ضيعة وحزب إقليم وحزب شخص لازم يتحمل مسؤولية هذا المفهوم الغلط. مش هيدي الكتائب». وتطرق نديم الى وضع الكتائبيين المتروكين من دون رعاية ولا خدمات، لا لشحّ في الأموال، بل لأن أولويات القيادة الحزبية في مكان آخر: «مهتمين بالسلطة داخل الحزب بدل ما نهتم بالسلطة داخل الدولة ويلعب الحزب دوره التاريخي من خلال الدولة مش من خلال التلفزيون». وختم نديم بتحميل القيادة مسؤولية المخالفات النظامية والإدارية في المؤتمر، معلناً أن كل ما سيصدر عنه قابل للطعن أمام المراجع الحزبية والقضائية.
اللافت هنا أن بعض الموجودين في الصالة صفقوا تأييداً لنديم، الذي أصرّ هذه المرة على توجيه انتقاداته من على المنبر الكتائبي، متوجهاً الى الكتائبيين الجالسين في منازلهم، الأمر الذي أثار حفيظة «ملائكة» سامي، فآثروا توتيره مراراً: تحوّل النائب الياس حنكش الى منبّه، يقاطع نديم كل دقيقتين تحت حجة «نفاد الوقت»، فيما ينوح عضو المكتب السياسي والمسؤول عن التنشئة التربوية مجيد العيلة بحسرة بين الحين والآخر: «يا ريتك بعدك هون يا شيخ بشير». وما كاد ينتهي نديم، حتى هبّ بعض المرشحين الى المكتب السياسي لإلقاء مداخلات تدافع عن «ديموقراطية» رئيس الحزب وعن شرعية المؤتمر التي ستأتي بهم الى المكتب. ليدخل حنكش الى اللعبة مجدداً بدور الناظر، سائلاً التلامذة الحاضرين: «مش مظبوط النتايج معلبة، حدا طلب منكن تنتخبوا حدا؟»، فيجيب هؤلاء بنبرة واحدة: «لاااا». ويتابع: «مش مظبوط ما في ديموقراطية، شوفوا رئيس الحزب قاعد وعم يسمع». فعلاً، هي قمة الديموقراطية. وقد تجلت بأبهى حللها يوم أمس عند انتخاب أعضاء المكتب السياسي، بفوز 7 من أصل 16 من المتن الشمالي (جويل أبو عبود، سمير خلف، لينا جلخ، سيرج داغر، بيار جلخ، سيرج بو حلقه، روجيه أبي راشد). وللصدفة أيضاً جاءت الأسماء الباقية مطابقة الى حدّ بعيد باللائحة التي كان يوزعها إقليم المتن الشمالي داخل القاعة (مجيد العيلة، ريتا بولس، جان زيلع، ناجي صفير، فادي الهبر، جورج جمهوري، فادي عردو ، إيلي ماروني، شارل سابا). إشارة هنا الى أن المكتب السياسي المنتخب بات موالياً لرئيس الحزب تماماً، بعدما استبعد كل الذين يناقشون داخل الاجتماعات ولهم آراؤهم الخاصة. واللافت أن الشمال لم يعد ممثلاً في المجلس نتيجة خسارة المرشحين. فيما المفاجأة تمثلت بسقوط الأمين العام السابق ومستشار سامي، ميشال خوري. من جهة أخرى، أعاد رئيس الحزب النائبين السابقين فادي الهبر وإيلي ماروني الى المكتب السياسي بعدما كان قد استعان بهما لتعبئة فراغ الأعضاء المستقيلين في الأسبوعين اللذين سبقا المؤتمر، وكردّ اعتبار عن عدم دعمهما في الانتخابات النيابية… وحتى يعيد الوجاهة الى التمثيل الكتائبي.
تكسير مقاعد… وشتائم قواتية
أشعل النائب نديم الجميل يوم المؤتمر الأول بانتقاداته التي وافقه فيها الكثير من الكتائبيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ليشهد البعض أنها المرة الأولى التي ينطق بها أحدهم بلسانهم. ولم يسلم اليوم الثاني أيضاً من المشادات نتيجة توتر الحاضرين، إذ حصل تلاسن بين الأمين العام للحزب نزار نجاريان، والمرشح السابق للكتائب في زغرتا ميشال دويهي، بعد الأول منح الثاني الإذن بالكلام. وهو ما حدا بحزبي من آل الغول (ابن قيادي كتائبي متني هو خال النائب الياس حنكش) الى التدخل، قبل أن يتعرّض للضرب من مجموعة مؤيدة لسامي على ما يقول بعض الحاضرين. عندها آزرت الغول مجموعة أخرى، لتبدأ عملية تكسير المقاعد وديكور الصالة، قبل أن يتوسط البعض لفض المشكلة.
بموازاة ذلك، رافقت كلمة رئيس الحزب سامي الجميل حملة قواتية ضد الأخير نتيجة تعرضه لحزب القوات. ففي معرض حديثه عن بشير الجميل، قال سامي إن «مشروع بشير كان حلّ الميليشيات، انطلاقاً من الميليشيا التابعة له التي كان اسمها القوات اللبنانية… ولو بقي بشير حياً لما كان هناك قوات». لتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بالشتائم والانتقادات على تسمية القوات بالميليشيا. كذلك، شن بعض الكتائبيين الموالين لرئيس الحزب حرباً افتراضية على النائب نديم الجميل، متهمينه بتنفيذ أجندة قواتية.