علي حيدر – الأخبار
تعمَّد كيان العدو تظهير مناورات لواء المدرعات الإسرائيلية (401) في وسائل الإعلام، وكان لافتاً التسويق لها عبر الحديث عن أوسع تدريب عسكري لسلاح المدرعات على مدار السنوات الأخيرة، في منطقة الأغوار (شرق فلسطين المحتلة، قرب الحدود مع الأردن) في محاكاة لسيناريو حرب ضد حزب الله. التعامل الإعلامي والمواقف التي أطلقها قائد اللواء، انطوت على أكثر من رسالة باتجاه الداخل والخارج، إضافة إلى الأبعاد المهنية العملانية.
مع أن المناورات، وتحديداً في جيش العدو، هي جزء من نشاطات الجيش التي تتم وفق برامج محددة، إلا أن هذه المناورات تحديداً تختلف عما سبقها لارتباطها بأكثر من سياق. فهي تأتي بعد انكشاف حقيقة عدم ثقة القيادة الإسرائيلية بفعالية سلاح البر في مواجهة قوى المقاومة في لبنان وغزة. وبعد اتجاه سوريا نحو الاستقرار، وهو ما يمنح حزب الله هامشاً أوسع في المبادرة والرد على أي اعتداءات إسرائيلية. وتأتي أيضاً بعد ارتفاع منسوب القلق في المؤسسة العسكرية من تطور قدرات وخبرات حزب الله في أعقاب مشاركته في الحرب على الإرهاب التكفيري في سوريا.
على المستوى العملاني، كانت التقارير الإعلامية صريحة في نقل ما أرادت القيادة العسكرية التركيز عليه وتقديمه للرأي العام، فاعتبرت أن التدريبات جاءت لتطوير كفاءة الجنود في سلاح المدرعات على القتال في ظروف طوبوغرافية مماثلة لتلك الموجودة في لبنان، وفحص القدرة على التعاون مع الأسلحة الأخرى في الجيش الإسرائيلي، وتحديداً ما يتعلق بتلقي المعلومات الاستخبارية في زمن الحقيقة، أي التي سيتلقاها بشكل فوري، وهجوم متشابك بين سلاحي المدرعات والجو.
إلى جانب الأبعاد العسكرية، باتت استعادة الثقة مطلباً ملحاً بالنسبة للقيادتين السياسية والعسكرية، أمام الجمهور الإسرائيلي، وتجاه الخارج بهدف تعزيز صورة الردع الإسرائيلية. وتنبع خطورة هذه القضية بعدما ثبت بالتجربة العملية أن الحسم مع أعداء إسرائيل لا يتحقق عبر الاستناد إلى سلاح الجو، وهو ما ظهر جلياً في حرب العام 2006، وفي مواجهة قطاع غزة المحاصر. يأتي ذلك أيضاً في ظل كشف الوثائق الرسمية عن عدم الثقة بقدرات سلاح البر على الحسم («الأخبار»، 9 شباط 2019 ).
في المقابل، كان من الطبيعي أن تحاول القيادة العسكرية العمل على تعزيز صورة قواتها البرية، وتحديداً سلاح المدرعات الذي يشكل الأداة الهجومية الثانية إلى جانب سلاح الجو. وهكذا تعكس هذه المناورات أبعاداً مهنية عملانية، وأخرى استعراضية تجاه الداخل الإسرائيلي والخارج المعادي، كجزء من خطة مضادة تهدف إلى استعادة الثقة وتعزيز صورة إسرائيل القوية. إلا أن مشكلة إسرائيل أن ما تحاول تعديله بالاستعراض تبدِّده تجارب سنوات من الصراع مع المقاومة التي ارتكزت بشكل أساسي على مواجهة قوات المشاة والمدرعات، واستطاعت من خلال ذلك، التأسيس لتغير معادلات الصراع مع إسرائيل.
إلى ذلك، ما يجعل هذه المناورات أكثر إلحاحاً في إسرائيل، في هذه المرحلة، يعود أيضاً إلى مسار التطورات في الساحة السورية وتعاظم قدرات حزب الله في لبنان. وعلى هذه الخلفية، أتى كلام قائد اللواء 401، العقيد دودو سونغو – بحسب موقع القناة (13) في التلفزيون الإسرائيلي – الذي أوضح بأن «إعداد القوات لمواجهة محتملة مع حزب الله، هي حاجة فورية»، مشيراً إلى أنه «كلما استقر الوضع أكثر في سوريا، فإن حزب الله يزيد من إعادة قواته إلى لبنان».
ولفت موقع القناة الإسرائيلية إلى أن الدبابات التي يمتلكها اللواء 401، هي من طراز «ميركافا 4» المزوّدة بمنظومات «معطف الريح» لاعتراض الصواريخ المضادة للمدرعات، واصفاً إياها بأنها من الدبابات الأكثر تطوراً في العالم. مع ذلك، لم يخفِ قائد اللواء أيضاً، قلقه من تطور مستوى خبرة مقاتلي حزب الله بفعل تجربة القتال في مواجهة الإرهاب في سوريا، والخشية من أن ينعكس ذلك على مواجهة جيش العدو، فاعتبر أنه «على رغم الضربات التي تلقاها حزب الله في سوريا، إلا أنه يعود إلى لبنان مع خبرة قتالية كبيرة جداً»، مؤكداً أن «حزب الله لم يعد تنظيماً يعتمد على حرب العصابات، بل أصبح جيشاً حقيقياً؛ هم قاتلوا في سوريا ضمن كتائب وسرايا، مثل الكثير من الجيوش النظامية».
وفي توصيف يعكس الرؤية المتجذرة في وعي منظومة القيادة العسكرية، إزاء كفاءات مقاتلي حزب الله، أضاف قائد اللواء أيضاً أنهم «اكتسبوا خبرة واسعة في القتال في المناطق الجبلية خلال السنوات الأخيرة، بالمقابل عمّقوا من تواجدهم في القرى اللبنانية، فوق الأرض وتحتها». ويلاحظ من هذه العبارات التي أوردها قائد اللواء مدى القلق والجدية التي يتعامل العدو من خلالها مع تطور قدرات حزب الله، الدفاعية والهجومية. وفي هذا السياق أيضاً، لفت إلى أن «لديهم (حزب الله) القدرة على إطلاق كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للمدرعات».