خبر

السعودية: أهل بيروت أدرى بشعابها

أسعد بشارة – الجمهورية

بإيفاد المملكة العربية السعودية المستشار الملكي نزار العلولا، الى بيروت، تكون المملكة قد أرست نمطاً جديداً من العلاقة مع لبنان، عنوانه: «أهل بيروت أدرى بشعابها».
فالمستشار العلولا الذي وصل الى لبنان خلال مناقشة إقرار البيان الوزاري، إنما تقصّد أن يأتي على وقع تشكيل الحكومة، ليبارك بالولادة القسرية التي رافقتها آلام الانتظار لتسعة أشهر، كانت كافية لرسم صورة واضحة عن لبنان، في مرحلة ما بعد تبدّل الاكثرية النيابية والموازين.

تشير مصادر مطلعة على الزيارة ونتائجها الى جملة ثوابت حرص العلولا على نقلها بما يتعلق بالعلاقة السعودية ـ اللبنانية، وبنظرة السعودية إلى علاقتها بالاطراف اللبنانيين خصوماً وحلفاء، أبرزها:

أولاً: تتعاطى السعودية مع الملف السني في لبنان من خلال علاقة شبه حصرية مع الرئيس سعد الحريري، الذي تحرص على دعمه بالمقدار الذي تراه مناسباً، لكي يقوم بمهمته من دون أيِّ تشويش قد ينتج عن العلاقة مع شخصيات سنية أخرى، وهذه سياسة معتمَدة منذ ما بعد الاستقالة والعودة عنها، وهي تراعي كل ما يطلبه الحريري، الذي يبدي حساسية على أيّ انفتاح سعودي آخر، وقد بدا في اللقاء الذي نظمته السفارة السعودية في الفينيسيا أنّ المدعوّين تمّ اختيارهم بعناية، تحقيقاً لهذا الهدف.

ثانياً: تتعاطى السعودية مع حلفائها المشاركين في الحكومة، على قاعدة لمّ الشمل، ففي العلاقة بين «القوات اللبنانية» والرئيس سعد الحريري، يحضر المسعى السعودي عند الضرورة لترميم أيِّ خلاف ولو كان بسيطاً، كما تحضر السعودية على خطّ إعادة الحرارة الى علاقة الحريري وجنبلاط، ولهذا استُقبل الوزير وائل ابو فاعور من قبل أعلى مستوى امني في الرياض، بعد اشتباك جنبلاط الحريري، كما أنّ العلولا، حرص بنفسه بعد عشاء الفينيسيا، على زيارة جنبلاط، بعد أن كان العشاء شهد خلافاً بينه وبين الحريري في موضوع الخصخصة غادر على أثره جنبلاط ممتعضاً.

ثالثاً: تتعاطى السعودية مع المعارضين للتسوية بمنطق الودّ لكنها ترسم حدوداً منعاً لاستدراجها الى التورط في دعم أيِّ توجّه معارض للتسوية، وتقول أهل بيروت أدرى بشعابها، وذلك يعود لأسباب عدة اولها انها تضع الطابة عند حلفائها المشاركين في الحكم ولا تريد أن تتحمّل مسؤولية عرقلتهم، لكي لا يكون هناك عذر في حقيبة أحد يخرجه عند الضرورة ليقول: أنتم أفشلتموني. وثانيها أنها لا ترى في هذه المرحلة إمكانية لخلق هذه المعارضة، فيما جزء من حلفائها مشارك في التسوية والجزء الآخر معارض لها. وقد كان استقبال العلولا لشخصيات معارضة للتسوية كالدكتور فارس سعيد وغيره من شخصيات لم تعلن عن اجتماعها به، تعبيراً عن كسر حصار تعرّضت له هذه الشخصيات، التي تشكو ايضاً من أنّ ضغوطاً تمارَس لاحتكار العلاقة مع المملكة.

رابعاً: إختصاراً لكل هذه المعطيات تعتمد المملكة مع لبنان سياسة التحفّظ البنّاء، وانتظار ما سيفعله اللبنانيون، الذين إن رضوا بواقعهم رضيت به، وإن عارضوا نظرت في دعمهم، فالكلام الذي قاله العلولا في المطار عن أنّ اللبنانيين مهيَّؤون لقيادة المنطقة، فُسِّر على أنه نصف كلام، يقصد من النصف الآخر منه الذي لم يقل، إنّ السعودية تريد أن ترى اللبنانيين يقودون ولا يقادون، والمقصود هنا النفوذ الايراني الذي بات أكبر من قدرة لبنان على التحمّل وأكبر من طاقة الدول العربية على التعامل مع أمر واقع لا يقاومه مَن يعانون منه، ولم يكتم العلولا ابتسامة عندما صارحه أحد زوّاره بمعنى ما قصد قوله في المطار، كل ذلك فيما العلولا وغيره من الديبلوماسيين العرب كانوا يشاهدون كلام نائب «حزب الله» يقول في المجلس النيابي إنّ بندقية الحزب هي التي أتت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. كان هذا الكلام دليلاً على أنّ شاهداً من أهله أكّد المؤكد.