خبر

الثقة الليلية: 111 مع.. و6 ضد.. و«حزب اللــه» يطفىء «فتيل الموسوي» ويعتذر

صحيفة الجمهورية

وفي الحلقة الخامسة، إنتهى المسلسل الخطابي المعروض منذ الثلثاء الماضي على شاشة مجلس النواب، الى منح «ثقة ليلية» لـ»حكومة الى العمل»، فصَوّت معها 111 نائباً، وحجبها 6. ومعنى ذلك انّ الحكومة دخلت عملياً في ما يفترض انه الامتحان بتطبيق بيانها الوزاري وحبل الوعود الطويل الذي قطعته. على انّ حدث الثقة، لم يحجب حدثاً لا يقل أهمية، تجاوز فيه البلد قطوعاً شديد الحساسية أعاد الى الأذهان صوَراً من الماضي الخلافي، وفرض حالاً من التوتر الشديد والاحتقان في بعض المناطق، على خلفية الاشتباك الكلامي بين عضو كتلة «حزب الله» النائب نواف الموسوي وبين النائبين سامي الجميّل ونديم الجميّل.
ما قاله الموسوي، والذي طال فيه الرئيس الشهيد بشير الجميل وكذلك رئيس الجمهورية ميشال عون، تفاعل في الساعات الماضية، وتحوّل الى فتيل مشتعل كاد يتطور الى ما هو اكبر ويتوسع بشكل خطير، لولا اتصالات سريعة جرت على اكثر من خط لتطويق تداعياته، إن مع وبين الاحزاب المسيحية: «التيار الوطني الحر»، «حزب الكتائب» ، وحزب «القوات اللبنانية»، التي رفضت المس بالرئيس الشهيد، وكذلك التعرّض لرئيس الجمهورية ميشال عون بطريقة استفزازية، خصوصاً بعد تصويره رئيساً وصل بسلاح «حزب الله»، وهو كلامٌ كان له وقعه السلبي في اوساط الرئاسة الاولى وكذلك في اوساط «التيار الوطني الحر». وكذلك في اتصالات جرت بين «التيار الوطني الحر» مع الثنائي الشيعي. وايضاً اتصالات ما بين هذا الثنائي، الذي التقى على رفض كلام الموسوي واتخاذ اجراءات لاحتواء الموقف، والذي خلص الى اعلان «حزب الله» التبرؤ مما قاله الموسوي، وصولاً الى اعلان الاعتذار.

«حزب الله» يعتذر
واللافت للانتباه، قبل انعقاد الجولة الخامسة لجلسة مجلس النواب امس، عقد اجتماع بين نواب من الاحزاب المسيحية الثلاثة، وكان بعضهم حاضراً على خط التواصل مع نواب «حزب الله»، وتوّج ذلك مع بداية الجلسة بأن طلب رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الكلام، وتلا من مقعده في القاعة بياناً مكتوباً جاء فيه: «في جلسة أول من أمس، حصل للأسف سجال غير مرغوب به بين بعض الزملاء، وانطوى على كلام مرفوض صدر عن انفعال شخصي من أحد إخواننا في الكتلة، وتجاوز الحدود المرسومة للغتنا المعهودة في التخاطب والتعبير عن الموقف، أستمحيكم عذراً في بداية هذه الجلسة، وأطلب باسم كتلة الوفاء للمقاومة شطب هذا الكلام وشكراً».

تصفيق وترحيب
بعد تلاوة رعد لبيانه، علا التصفيق في القاعة، فعقّب رئيس مجلس النواب قائلا: «ان الرئاسة شطبت كلام النائب الموسوي»، وتوجّه بالشكر الى النائب رعد على هذه المبادرة. فيما اطلق نواب من تلك الاحزاب تغريدات رحّبوا فيها بما قاله رعد واكّدوا على تعزيز ما هو مشترك بين اللبنانيين. ولفت التصفيق ترحيباً ايضاً، باعتذار رعد خلال انعقاد المؤتمر العام الكتائبي الذي عُقد امس.

نيران صديقة!
بعد استراحة يوم الخميس، التي فرضها إحياء ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي اعلن رئيس الحكومة سعد الحريري في كلمة له في الاحتفال الذي اقيم في الواجهة البحرية لبيروت، الاصرار على الاصلاح، مؤكّداً وجود قرار رئاسي بالعمل للخروج من التخبّط الحاصل، وقال: «نريد ورشة عمل، إذا كان غيرنا يريد ورشة مزايدات، ليتحمّل هو المسؤولية»، استؤنف عرض «المسلسل الخطابي» في المجلس، بصوره الكاريكاتورية، ومبالغاته الاستعراضية، ومطوّلاته التي تأثرت بالمناخ الشباطي العاصف، ونبّعت سيلاناً كلاميّاً وَردَ على ألسنة 54 نائباً إنصَبّ على الحكومة واستمر حتى ساعة متقدمة من ليل أمس، وأطلق السهام الجارحة عليها وعلى كلّ اخواتها السابقة لها، الى حد انّ هذه الحكومة التي ما زالت في مرحلة الحبو، لم تعرف من أين تأتيها السهام وكيف تحتمي منها.

وقائع غير مفهومة
خلاصة المسلسل، انّ بعض وقائعه غير مفهومة. الموالون زايدوا على المعارضين، بمداخلات رجمت الحكومة بالحجارة السياسية والاتهامية في كل مفصل. مداخلات محيّرة، افقدت الناس قدرة التمييز بين من هو الموالي للحكومة وبين من هو المعارض لها.
تلك المداخلات استفزّت الرئيس الحريري ونفّره مضمونها الى حدّ انه جال في عينيه اكثر من مرّة داخل القاعة العامة للمجلس، باحثاً في وجوه «نواب الحكومة» الممثلين بوزراء فيها، عمّن يقدّم له تفسيراً أو تبريراً أو توضيحاً لسبب او لهدف اطلاق «النيران الصديقة» في اتجاه حكومته التي أصابتها بوجع وإحراج. وواضح انّ الحريري اراد ان يقف على سبب محاولة تهشيم حكومته قبل أن تبدأ العمل، لكنه لم يلقَ جواباً واستمر القصف.

ماذا بعد؟
الحلقة الاخيرة من هذا المسلسل ستصل حتماً الى محطة الثقة، فيمنحها النواب لحكومة الثلاثين، ويلبسونها ثوب الصلاحيات الكاملة ويعطونها الإذن بإدارة الدولة، وبالتالي ما بعد الثقة يدخل البلد في زمن آخر، فماذا بعد؟
بالتأكيد، انّ المواطن اللبناني لن ينام ملء جفونه كما يتمنى، مطمئناً الى حكومة ستحمل اليه مفتاح الفرج وتُخرجه من أزماته المستعصية. فالقلق هو عنوان كل مواطن لبناني، وتجربته مع شقيقات هذه الحكومة، التي تألّفت من المكونات ذاتها الماثلة في الحكومة الحالية، لا تشجعه على الركون الى الوعود والعهود التي يقطعها الزمن الحكومي الجديد. فهو اعتاد على خيبة الامل، فلطالما نُكث بالوعود وثبُت انّها لم تكن اكثر من حبر على ورق. فعلى مدى كل تلك السنوات انتظر المواطن الصعود الحكومي والإنجاز، لكنه لم يلمس سوى المزيد من الاعوجاج والسرعة في الانحدار.
عملياً، تدخل الحكومة الى حقل العمل الرسمي الفعلي اعتباراً من اول يوم عمل رسمي، الاثنين المقبل، وجدول اعمال رئيس الحكومة يتضمن عقد اجتماع تشاوري موسّع، يشارك فيه ممثلون عن الصناديق العربية والأوروبية والدولية والمؤسسات المالية التي التزمت بمساعدة لبنان في مؤتمر «سيدر» ويُخصّص للبحث في الخطوات المستقبلية.
ولكن بالتوازي مع ذلك، ثمة مهمة اساسية فرضتها على الحكومة وقائع جلسة الثقة، بما تضمنتها من انتقادات وحديث عن ارتكابات، ولاسيما لناحية إحصاء الاضرار واحتوائها وكيفية مقاربة ما ادلى به النواب. وكان لافتاً للانتباه في هذا السياق، ما قاله النائب حسن فضل الله قبل الجلسة: «اننا أمام وضع كارثي وخطير، ومشكورة وزارة المالية لأنها أنجزت الحسابات». مشيراً الى انّ هناك «مستندات ووثائق تودي بكثيرين إلى السجن. ونريد أن يتحمّل القضاء مسؤوليته». وقال: «هناك أموال تمّ تحويلها الى وزارة الداخلية مرتين بالتاريخ نفسه وبالمبلغ ذاته».

الموازنة
يأتي ذلك بالتزامن مع تحضيرات لاصدار مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، يمهّد لعقد جلسة تشريعية لإقرار بند الإجازة بالصرف على القاعدة الاثني عشرية، واستعداد مجلس الوزراء لعقد جلسات متتالية مخصصة لموازنة العام 2019 خلال الشهر المقبل، خصوصاً وانّ المشروع المتعلق بها في عهدة مجلس الوزراء الذي رفعته اليه وزارة المالية خلال المهلة القانونية اواخر السنة الماضية، وتحديداً قبل بداية العقد العادي الثاني لمجلس النواب الذي يبدأ في اول ثلثاء بعد 15 تشرين الأول ويستمر حتى آخر السنة.
وتوقّع وزير المالية علي حسن خليل ان «يتطلب اقرار الموازنة في مجلس الوزراء اكثر من خمس جلسات وربما اكثر، كون اكثر الوزراء الحاليين هم وزراء جدد، وبالتأكيد ستكون لهم ملاحظات حول موازنات وزاراتهم. لكن اعتقد ان مشروع الموازنة هو البند الاول في جدول الاعمال الحكومي».

اجراءات مجلسية
الى ذلك، علمت «الجمهورية»، انّه مع تأكيد رئيس المجلس النيابي على اطلاق حيوية نوعية لمجلس النواب عبر عقد جلسات شهرية للمحاسبة او للمناقشة العامة او للاسئلة والاجوبة، تناقش رئاسة المجلس النيابي ادخال بعض التعديلات على النظام الداخلي للمجلس، خصوصاً في ما خصّ جلسات المناقشة العامة، إن للبيان الوزاري او للموازنة وسائر الجلسات، على نحو يحول دون المراوحة في المطولات الخطابية الطويلة. إذ يجري التداول باقتراح يرمي الى تقصير امد خطاب النائب في جلسات المناقشة، من ساعة اذا كان يتحدث ارتجالياً الى نصف ساعة، ومن نصف ساعة اذا كان يتحدث كتابياً الى ربع ساعة. كما يجري التداول في امكانية طرح تعديل دستوري (في وقت لاحق)، يرمي الى جعل المجلس النيابي عاملاً كل السنة مع امكان عطلة ادارية في فترة معينة، بعد الوضع الحالي الذي يجعل المجلس معطلاً بهيئته العامة لسبعة اشهر، فيما يقتصر عمله على خمسة اشهر، مقسمة على عقدين يمتد كل عقد على شهرين ونصف.

بري: تقييم ايجابي
الى ذلك، قيّم الرئيس بري جلسة الثقة ايجاباً، وقال امام زواره، انّها اثبتت حيوية المجلس واستعداده لأن يواكب عمل الحكومة، وكذلك القيام بالدور التشريعي والرقابي المناط به.
ولاحظ بري، انّ الجلسة بيّنت انّ كل النواب، سواء من يُعتبرون موالاة او النواب الذين يُعتبرون معارضة، لديهم همّ واحد، وهدفٌ واحد وعدو واحد هو الفساد، الذي لا بدّ من اقتلاعه، وهذا الامر يُلقي عليهم مسؤولية القيام بالدور المواكب للحكومة والرقابي الكامل على اعمالها، حتى ولو كانت الحكومة مكوّنة من مختلف الكتل النيابية، فهذا لا يعطيها ميزة، بل يضعها اكثر امام الرقابة والمحاسبة إن اخطأت.
ورداً على سؤال عمّا اذا كان المجلس سيدعو وزراء الى المثول امامه لمحاسبتهم إن ثبتت مخالفاتهم، قال بري: «بالتأكيد، هذا أقل ما يجب ان يقوم به المجلس».
وأضاف بري: «آن الأوان لكي ندخل الى العلاج الحقيقي للأزمة، والذي يبدأ، ليس بالاكتفاء بالاعلان عن مكافحة الفساد، بل بالعمل الجدّي والمسؤول من قِبل الجميع على انهاء هذه الآفة بشكل قاطع ونهائي».
وعمّا اذا كانت الكتل التي ينتمي اليها الوزير المخالف، او الموظف المخالف، ستقبل بمحاسبته، قال بري: «بالتأكيد، وانا لديّ تجربة في هذا المجال، قد يكون لديك وزير او موظف فيتبيّن انه مرتكب، فلا طريق امامك سوى ان تحاسبه وتعاقبه وتبعده عنك. فإذا كنا جادّين، علينا ان نسلك هذا الطريق، علماً انّ الحكومة اليوم امام فرصة للعمل، ويجب ان تعمل بلا اي إبطاء لان الوضع الاقتصادي صعب جداً، ولا يجوز ابداً اضاعة الوقت».

وارسو .. فالصو!
على صعيد آخر، بدت المواكبة الداخلية لمؤتمر وارسو، حول الشرق الاوسط ومواجهة أنشطة ايران في المنطقة الذي دعت اليه الولايات المتحدة الاميركية وجمع اكثر من 60 دولة، خجولة. وفي هذا السياق، قالت مصادر «حزب الله» لـ»الجمهورية»، انّ هذا المؤتمر سيحتل جانباً من الكلمة التي سيلقيها الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في ذكرى «الشهداء القادة» بعد ظهر اليوم . فيما كان للرئيس بري توصيف طريف قال فيه: «مؤتمر وارسو «فالصو».
اضاف، «انظروا الى هذا المؤتمر، ومستوى التمثيل، فلا الصين ولا روسيا ولا فرنسا ولا كل اوروبا ممثلة بمستوى يعتد به، من هنا تُقرأ نتائج هذا المؤتمر الذي لا أرى فيه سوى انه محطة لتقريب العرب من الاسرائيليين لا أكثر ولا اقل».