خبر

حزب الله مقرِّراً أول… وتحذيرات واشنطن كلامية

هيام القصيفي – الأخبار

 

لم يسبق أن شهد وضع حزب الله هذا الكم من «المعاينة» الأميركية والعربية كما هو حاصل اليوم. منذ دخوله الحرب السورية، وتقدمه سريعاً في إدارة ملف الحكم في الداخل بعد التسوية الرئاسية وانتخاب العماد ميشال عون وحتى تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، وصولاً إلى قضية الأنفاق التي اتهمته بها إسرائيل، والعقوبات التي تتوالى ضد شخصيات فيه، وضد إيران، ترتفع وتيرة «معاينة» الحزب عبر الموفدين الدوليين والعرب.

وعلى رغم اختلاف هوية الموفدين الذين عجت بهم بيروت، والرسائل التي حملوها، إلا أن الجامع الوحيد بينهم كان حزب الله. وإذا كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وحده زار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على قدم المساواة مع رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة، فإن الموفدين الغربيين والعرب، يتحدثون عن الحزب كأمر واقع، بوصفه أحد المقررين إن لم يكن الأوحد (على الأقل، الأول) في رسم مصير الوضع الداخلي والإقليمي المجاور ومستقبله. لا يلتقي هؤلاء الحزب ومسؤوليه، لكنهم يعلمون أن رسائلهم التي بدأت قبل سنة من الآن، تصل بالواسطة إليه، وينقلون وفق ذلك جملة رسائل مصحوبة بتمنيات ونصائح، لن تتطور لتصبح خطوات عملية ضد الحزب يمكن أن تتخذها الدول المعنية، والولايات المتحدة تحديداً. لأن أي عمل تصعيدي، يعني اشتعال الوضع الداخلي والدخول في نفق طويل. وهو عادة ما كان يوصل في النهاية إلى اتفاق على حل نهائي وجذري للأزمة اللبنانية الداخلية، بحسب سياسيين مطلعين. لكن ما وصل حتى الآن هو تحذيرات متتالية وشديدة اللهجة، من دون أي خريطة طريق أو خطوات عملية حاسمة، وهذا يزيد التوتر فقط، ويبقي الجمر تحت الرماد، والوضع الداخلي متأزماً من دون أفق.
يشغل حزب الله اهتمام الموفدين الأميركيين، والعرب، على قاعدة تدرجه من مشارك أساسي إلى مقرر، خصوصاً في غياب مكونات أساسية حليفة لأميركا ودول الخليج عن صدارة الحدث السياسي. فلا رئيس الحكومة سعد الحريري ثابت في موقع سياسي واضح، ما خلا تسويته الرئاسية مع رئيس الجمهورية وحزب الله، ولا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي – بفعل أداء الحريري وموازين القوى الداخلية والإقليمية – يضطر للجوء إلى الحزب كلما وقعت أزمة سياسية حادة، فيما القوات اللبنانية تتحول من المعارضة إلى المهادنة.
وإذا كانت الأنظار صبت على وزارة الصحة قبل التأليف فإنها تصب اليوم على رصد الصورة المختلفة لوزير الصحة جميل جبق، والكلام عن بروفيل «سياسي واجتماعي وثقافي»، قد ينطبق على أي وزير ينتمي إلى غير حزب الله. وهذا الأمر يروج له في دوائر السفراء ويبنى عليه في لقاءاتهم، بتقديم الحزب «شخصية غير مستفزة»، ومراعاته جانباً أساسياً من التحذيرات الأميركية مع التمسك التام بالوزارة نفسها. وهي صورة تنتظر مزيداً من التأكيد.
وبعد التأليف أيضاً، تتم معاينة التركيبة الحكومية، بعدما ضمن الحزب موقعاً متقدماً في مجلس الوزراء، لم يكن متوافراً سابقاً. وعلى رغم أنه لا يزال يملك عددياً الحصة نفسها، إلا أنه حصد من حلفاء ومقربين منه، ما يخوله التعايش مع الوضع الحكومي بكل راحة، وضمان حصوله على الأصوات الكافية في أي مفصل أساسي وحساس. ويجري التداول بسؤال عن مسارعة الحزب إلى الإفراج عن الحكومة، حين ارتفعت وتيرة التحذيرات الأميركية في شأن العقوبات المالية والاقتصادية، علماً أن حزب الله لا يمكن أن يحتاج في الوقت الراهن إلى حليف مناسب أكثر من الرئيس سعد الحريري، الذي يغطي أي عثرات داخلية تحت مظلة الحاجة إلى الاستقرار والنهوض الاقتصادي والمؤتمرات الدولية.
في ملف العقوبات المالية، صحيح أن الرسائل الأميركية كانت حادة وقيل فيها كلام تهديدي عالي السقف، بهدف إيصاله إلى الحزب. لكن الأميركيين هم أيضاً الذين يقفون حتى الآن ضد الضغط الإسرائيلي بشمول كل لبنان بهذه العقوبات، وهم عالمون تماماً مدى قدرة لبنان ومصارفه عبر تبليغات مباشرة، على تحييد القطاع المالي والمصرفي عن هذه العقوبات. كما يعرفون أيضاً أن لبنان لن يدخل ملف تسليح الجيش أو النفط أو الأدوية أو أي سلع أخرى من إيران، من دون تحمل عواقب هذا السلوك، وأن إيران نفسها التي تقدم هذه العروض تعرف كما روسيا أنها ستكون مرفوضه، وهي من أدوات الضغوط المعهودة. علماً أن القوى السياسية، بما فيها رئيس الجمهورية والتيار الوطني لا يملكون القدرة على المناورة بهذا الشكل في العلاقة مع إيران، لا زيارة رئاسية ولا سلاحاً، لأسباب تتعلق بحسابات المستقبل وليس بالاصطفاف الإقليمي. وهذا في حد ذاته يرسم علامة استفهام حول موقف حزب الله من هذا التمايز الذي يرسمه العهد عن طهران.
وفي ما خص الوضع الجنوبي وعلى رغم أن الحزب رفض الدخول علانية في أي موضوع يتعلق بالأنفاق، قبل أن يتحدث الأمين العام للحزب، إلا أن ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية المتتالية للبنان، جعلت الاستنفار الدولي عالياً، لجهة الدفع إلى احتواء التوتر. الرسائل الغربية كانت عبارة عن محاولة جس نبض لبنان الرسمي، قبل تأليف الحكومة، عن الاحتمالات التي يمكن أن تؤدي إلى نشوب حرب مع إسرائيل. لكن آلية العمل جنوباً، وفق القرار 1701 وعمل القوات الدولية مع الجيش اللبناني، جعلت من السهل تمرير الرسائل الأميركية والدولية إلى لبنان بوجوب اتخاذ الاحتياطات المناسبة لمنع تدهور الوضع الجنوبي. يعرف الأميركيون أن الأجهزة السياسية كما الأمنية الرسمية معنية باتخاذ أقصى درجات التأهب والاستعداد لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي، لكنهم يعرفون أيضاً أن للحزب قواعده وآلية عمله المختلفة، وأنه لا يمكن أن يقع اعتداء على لبنان ولا يشارك الحزب في مواجهته، ما سيفتح المنطقة على احتمالات كبيرة وغامضة. لذا حرصوا على إشاعة أجواء سحب التوتر من الجنوب وترك الوضع في المنطقة يسلك الطريق الدولية المعتمدة – أي الأمم المتحدة – وتفادي تحويل أي أخطاء ميدانية مهما كانت أهميتها، إلى حرب شاملة.