خبر

الحكومة الى ثقة مشروطة وفترة سماح والأنظار الى مؤتمر وارسو اليوم

صحيفة الجمهورية

 

على رغم من انّ مختلف الكتل النيابية ممثلة في الحكومة، فإنّ الملاحظة الاولى التي تسجّل في جلسة الثقة التي بدأت أمس، انها تحوّلت جلسة التبرؤ منها، وكأنها ثقة تمنح بالاكراه، الكتل النيابية الممثلة فيها، جَلدتها في المطارح التي تؤلمها… وكلام شديد القساوة، على ما فعلته قلة من النواب لعلّ أبرزهم النائب حسن فضل الله الذي قدم مداخلة أشبه بمضبطة اتهامية لمجموعة وزراء لم يسمّهم، إنما اشار الى ارتكابات قاموا بها، و»صفقات مشبوهة ملأت جيوبهم بمئات الملايين من الدولارات». والملاحظة الأساس هي انّ ما أضاءت عليه مداخلات النواب، يدفع الى الخجل حتماً، لا بل الى دفن الرؤوس في الرمال، من واقع لبناني فاسد على كل المستويات، والأمثلة كثيرة في كل القطاعات، حتى بَدت الصورة اللبنانية منخورة بكاملها، والامل في علاجها مفقود، ولا رجاء من أي محاولة ترقيع او إصلاح.

كان واضحاً انزعاج رئيس الحكومة سعد الحريري من مضمون كلمة فضل الله، وعبّر عن ذلك بـ»إيماءة اعتراضية» أرسلها في اتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، قبل ان ينسحب من الجلسة، لبعض الوقت، ليعود اليها، ولم يكن فضل الله قد أنهى كلمته بعد.

ومن الملاحظات ايضاً انّ مجموعة النواب الجدد، كانت مأخوذة بجلسة تشكل فرصة الاطلالة الاولى لهم على جمهورهم. وقد برزت صعوبة في المحاولات التي جرت لإقناع بعضهم بسحب طلبه للكلام، الامر الذي جعل الجلسة مرشّحة لأن تستمر لأكثر من يومين.

أمّا البيان الوزاري، بصفحاته الـ14، فقد مرّ مروراً عابراً، في الهيئة العامة، وتلاه الحريري، بنبرة حاول من خلالها إضفاء شيء من الجدية على مضمونه، على رغم من انّ هذا المضمون، بمعظمه وارد في البيان الوزاري للحكومة السابقة، ولكن هذا البيان لم ينجُ من «القصف» النيابي عليه، والتشكيك بالنية الحكومية في تطبيقه، بناء على التجربة مع الحكومة السابقة، التي تبنّته، ولم تقاربه من حيث التنفيذ.

الحكومة الى الثقة
فقد ضمنت «حكومة الى العمل» ثقة نيابية «مريحة»، ما يفرض عليها الانطلاق الى ترجمة بيانها الوزاري بشفافية لكي تضمن ثقة اللبنانيين.
وقد رفع بري مساء امس المناقشة الى قبل ظهر اليوم، متعهّداً امام النواب أن تكون هناك كل شهر جلسة استجواب للحكومة أو محاسبة أو مناقشة عامة.
وقد تصدّرت عناوين عدة اليوم الاول من مناقشة البيان الوزاري لعل ابرزها عنوان «مكافحة الفساد».

الحريري: حكومة أفعال
وأعلن الحريري «ان الحكومة تضع في اولوياتها الاستقرار السياسي والامني والامان الاجتماعي لكل المواطنين، وترسم سياسة اقتصادية وأمنية تواكب التحديات، وجدول الاعمال الذي في متناولها يناقش مكافحة الفساد وتحفيز النمو وتخفيض العجز». واعتبر في البيان الوزاري للحكومة الذي تلاه امام النواب انّ تنفيذ المقررات تتطلب التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وقال: «نحن جميعاً في مركب واحد والثقوب التي تهدده معروفة، والمطلوب تشريعات صريحة ومحددة قد تكون صعبة ومؤلمة». وأضاف: «أمامنا فرصة لن تتكرر للانقاذ والاصلاح، وعدم تفويت الفرصة تقع على كل الفرقاء». وأكد «اننا نريدها حكومة افعال لا أقوال تتصدى للفساد والتهرّب الضريبي».

وقال: «حكومتنا تلتزم التنفيذ السريع للبرنامج الاقتصادي الذي يرتكز الى رؤية الحكومة اللبنانية في مؤتمر «سيدر»، ويعتمد على رؤية المجلس الاقتصادي الاجتماعي».

فضل الله: خصمنا الفاسد
وتميّز اليوم الاول بمداخلة لنائب «حزب الله» والمكلف ملف مكافحة الفساد، حسن فضل الله، اكد فيها أنّ «هناك ملفات لو تم الكشف عنها لأودَت برؤوس كبيرة إلى السجن»، وطالبَ وزير المال بأن «يضع هذا الملف بكامله في عهدة المجلس النيابي لكي يرى اللبنانيون كيف تم التلاعب بأموال الناس»، متسائلاً: «أين الـ11 ملياراً؟».

وناشد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «يستخدم صلاحياته الدستورية في إعادة التفاوض حول بنود قرض البنك الدولي، وأن لا يكتفي بالتحفظ». وقال: «لم نعد نستطيع الاقتراض بهذه الطريقة». ودعا الحكومة الى «حوارٍ جاد مع المصارف بهدف تخفيض كلفة الدين». وطالب المدعي العام المالي بوضع يده على ملف الاتصالات. وسأل: «لماذا لا تريدون الكهرباء من إيران التي تقدّم جودة أعلى وأسعاراً أقل؟».

ولفت فضل الله إلى أنّ «5000 موظف تم توظيفهم منذ الانتخابات النيابية الأخيرة». كذلك دعا إلى «كشف السرية المصرفية عن الوزراء في هذه الحكومة، لأنّ البعض يعتبر دخوله إلى السلطة جنّة»، وقال: «هناك وزراء يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن أموال وصفقات وصلت قيمتها إلى 400 مليون دولار». وقال إنّ «الأجهزة الأمنية تتنَصّت على الجميع»، وأضاف: «فلتتنَصّت على حديث الوزراء حين يتكلمون عن الصفقات مع السماسرة». واكد أنّ «مسؤولية القضاء قبل الدفاع عن الحقوق توجيه الاتهام نحو الفاسدين وزجّهم في السجون». وقال: «لا تحسبوا أنكم آتون لأخذ الأموال، البلد مش فلتان، هناك حكومة ومجلس نواب وشعب وإعلام».

وتابع فضل الله: «في موضوع مكافحة الفساد، المسألة ليست شخصية بل تتعلق بكيفية احترام أموال هذه الدولة»، معتبراً «أننا ذاهبون إلى المعركة الصعبة لأنّ مال الشعب مثل دماء الشعب، وخصمنا هو الفاسد ومستعدون للتعاون مع كل من يريد محاربة الفساد». وقال: «بناء على الالتزام الذي قطعه الأمين العام لـ»حزب الله» تبدأ خطواتنا من اليوم الأول لنيل هذه الحكومة الثقة».

14 شباط
من جهة ثانية يحيي تيار «المستقبل» غداً عند الرابعة بعد الظهر الذكرى الـ14 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري في Seaside Arena ـ واجهة بيروت البحرية. ومن المنتظر ان تحمل المناسبة هذه السنة كثيراً من الرسائل السياسية، سواء على مستوى الحضور والمشاركة او على مستوى الخطاب الذي سيلقيه الرئيس سعد الحريري، والذي سيضيء فيه على مرحلة ما قبل اغتيال والده ومرحلة ما بعد الاغتيال فإنجازاته كانت اساس مقوّمات صمود البلد طيلة 14 سنة، خصوصاً انّ ذكرى 14 شباط تقام هذه السنة تحت شعار: «البلد مكفّي بشغلك».

كذلك سيكرر الحريري تأكيد «ثوابته الوطنية» في ملفات عدة ابرزها: «المحكمة الدولية، الحكومة، الطائف والدستور والعلاقات المميزة مع الاشقاء العرب واحترام الشرعية العربية والدولية».

العلولا في بيروت
وعشيّة الذكرى بدأ المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا زيارة للبنان مساء أمس، هي الأولى لموفد سعودي بعد تأليف الحكومة الجديدة. وقد انتقل العلولا من المطار الى «بيت الوسط» للقاء رئيس الحكومة سعد الحريري، وسيزور أيضاً رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب.

ولدى وصوله قال العلولا: «انّ الزيارة اليوم هي لتهنئة لبنان بتشكيل الحكومة، وإن شاء الله تكون فأل خير على اللبنانيين وعلى العرب جميعاً، لأنّ لبنان إذا نهض ينهض العرب جميعاً». وأضاف: «الآن بدأنا الحديث مع الحكومة، ولا مفاجآت، ومجرد ان أصبحت في لبنان حكومة نستطيع تفعيل كل الامور».
واعتبر أنّ «المسار الإيراني مختلف تماماً عن المسار السعودي ولا تنافس أو تعارض». وأكد «انّ الزيارة مرتبطة بتشكيل الحكومة»، مشيراً الى انّ هناك «أكثر من 20 اتفاقاً بين السعودية ولبنان، وإن شاء الله كلها ستفعّل». وأضاف: «كما اللبنانيون كانوا ينتظرون تشكيل الحكومة، كذلك نحن».

وقال العلولا: «غداً سيكون لنا حديث طيّب مع دولة الرئيس الحريري، ونحن دائماً نراهن على ذكاء اللبناني ونجاحه، هو الناجح في العالم كله، ولا ينقص اللبنانيون الّا المزيد من التفاهمات». وأضاف «انّ اللبناني يتمتع بقدرات يستطيع من خلالها قيادة منطقة الشرق الأوسط، فكل شيء عنده: التراث والثقافة والذكاء».

وارسو
وفي هذه الاجواء، تتجه الانظار الى العاصمة البولندية وارسو حيث ينعقد مؤتمر حول «الأمن في الشرق الأوسط» اليوم وغداً بدعوة من الولايات المتحدة الأميركية، لبحث في قضايا الشرق الأوسط و»التهديد الإيراني».

وينعقد المؤتمر في ظل نزاع المحاور في المنطقة وسط ترقّب لِما سيرسمه من سياسات جديدة فيها، وذلك بمشاركة وزراء الخارجية من عشرات الدول حول العالم، بما في ذلك السعودية وفي ظل مقاطعة فلسطينية، علماً انّ لبنان سيتغيّب عن المؤتمر كما اعلن وزير الخارجية جبران باسيل بسبب حضور إسرائيل، ولأنه يتبع سياسة «النأي بالنفس».

كذلك ينعقد مؤتمر وارسو على وقع استمرار الكباش الاميركي ـ الاسرائيلي مع ايران. وفي حين دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى مواجهة نفوذ ايران وأعلن انّ المؤتمر سيبحث في تقليص المخاطر في الشرق الأوسط وملف الإرهاب في المنطقة بمشاركة 60 دولة، أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو انّ «صواريخنا تستطيع أن تصل إلى مسافات بعيدة جداً، وإلى كل عدو، بما في ذلك وكلاء إيران في منطقتنا». وعلّق على التقارير التي أفادت عن شَن إسرائيل هجمات على سوريا الأحد، بالقول «نعمل في استمرار بحسب فهمنا ووفق الحاجة، لمنع إيران وأتباعها من التموضع عسكرياً على حدودنا الشمالية، وفي المنطقة عموماً. نفعل كل ما يلزم».

من جهتها، شددت ايران، بلسان رئيس أركان القوات المسلحة فيها اللواء محمد باقري، على انّ مؤتمر وارسو لن يترك تأثيراً على مهمات بلاده وقوتها. وأوضح لوكالة «إرنا» انّ بولندا وعدت بعدم إطلاق اي تصريحات ضد ايران خلال المؤتمر، وقال: «ننتظر لنرى مدى التزام البولنديين بوعدهم هذا».