نور حوراني
إشتكى أهالي منطقة المتن الشمالي وخصوصا برج حمود والجوار منذ مدة، من روائح وإنبعاثات كريهة في الأجواء. وأعربوا عن إستيائهم وتخوفهم من أن تكون لهذه الإنبعاثات تأثيرات سلبية أو حتى خطيرة على صحتهم، فضلاً عن انزعجهم من الرائح الكريهة التي كثيراً ما تزداد خلال ساعات الليل.
هذه الصرخة المدوية، دفعت بوزير البيئية فادي جريصاتي، على وجه السرعة، إلى تفقد سير الأعمال الجارية في مطمر برج، فما كان عليه إلاّ وأن طمأن اللبنانيين وأهالي المتن والجوار، بأن الرائحة المزعجة التي تنبعث “هي جزء من الحل” الذي يتم، وستنتهي العملية قبل نهاية شهر.
النفايات مكدسة في الـ “الباركينغ” منذ 3 سنوات
من جهته برر رئيس بلدية برج حمود مارديك بوغوصيان، أن سبب الإنبعاثات والروائح الكريهة، هي نتيجة أعمال إزالة الموقف أو”الباركينغ” المؤقت للنفايات”.
وأوضح أن “المتعهد بدأ إزالة تلك الكميات من “الباركينغ” في شهر تشرين الأول 2018،غير أن أعمال النقل وصلت إلى الجزء السفلي، حيث عصارة النفايات، بالإضافة إلى العواصف التي تلاها طقس حار مما زاد الإنبعاثات في الأسبوع الأخير. والآن يجري العمل بكافة الوسائل العلمية، حيث يتم رش أكثر من خمسة آلاف ليتر من المواد الخاصة يوميا لمنع الجراثيم والغازات المضرة، وتخفيف إنبعاثات الروائح الكريهة إلى أقصى حد ممكن”.
بحسب بوغوصيان، تم إنشاء الـ “باركينغ” المؤقت للنفايات منذ العام 2016 نتيجة توقف العمل في مطمر برج حمود بسبب إضرابات واعتصامات أغلقت مدخله. أيضاً بسبب رفض وضع النفايات في مطمر الناعمة، ومنعا لتراكم النفايات على الطرقات، تم وضعها في “باركينغ” مؤقت.
وأضاف “كان يفترض وضعها في الخلايا الصحية المخصصة لها. في هذه الفترة، تكدست كمية 350 ألف طن من النفايات اليومية والردم من مختلف المناطق في ذلك المكان المؤقت. وبعد تكدسها لقرابة الخمسة أسابيع، كان يجب إزالتها، غير أنه لم يكن بالإمكان التعامل مع النفايات اليومية وتلك المكدسة في نفس الوقت”.
وأشار الى أنه “بعد توقف العمل في المطمر، لم يعد من المقبول ترك تلك النفايات في العراء والمكان المكشوف، وتعريض المنطقة وأهلها إلى أضرارها البيئية والصحية، كما أن قرب انتهاء العقود، واقتراب مواعيد تنفيذ مشاريع في المنطقة لمعالجة الصرف الصحي وإنشاء مساحات خضراء، يستوجب إزالة تلك الكميات ونقلها الى الخلايا الصحية”.
قديح: رائحة النفايات تهدِّد سلامة المواطنين
فمقابل من يطمئن اللبنانيين، يبرز من هم أكثر حرصاً على صحتهم. فأهل العلم والإختصاص لا يشعرون الطمأنينة إذاء هذه الروائح فحسب بل يؤكدون على أنها تحمل تأثيرات سلبية على صحة المواطنين.
في هذا المجال أوضح الخبير البيئي والمتخصص بسموم الكيمياء ناجي قديح، لموقع “ملحق” أنه “ليس صحيحا أن الروائح الكريهة لا تؤذي، وأن ليس لها ضررا على صحة المواطنين”.
وأضاف إن “هذا كلام يتقنه المسؤولون عن الترويج للخيارات والتقنيات الفاشلة والمترافقة بمخاطر بيئية وصحية، لتضليل الناس وحرف اهتمامها، من أجل تمرير تلك الخيارات، التي تحقق مصالح فئوية على حساب بيئة لبنان وصحة ورفاه شعبه”.
فشرح قديح أن “مكبات ومطامر ومراكز تخزين النفايات، المحتوية على مكونات قابلة للتحلل والتعفن والتفكك والتفاعل، هي مصدر هام لانبعاث الروائح الكريهة، التي تحتويها الغازات المتكونة بنتيجة التفكك اللَّاهوائي لتلك المكونات العضوية، وتفاعلها مع غيرها”، مشيراً إلى أن “الرائحة الكريهة، التي تتحسسها خلايا الشم في أنوفنا، ما هي إلا جزيئات ومركبات كيميائية من غازات وأبخرة وجسيمات صغيرة وصغيرة جدا ومتناهية الصغر، ينقلها الهواء لتدخل أنوفنا وتلامس خلايا حاسة الشم، وتكمل طريقها عبر جهازنا التنفسي إلى عمق الرئتين، وبعضها يتابع انتقاله إلى الدورة الدموية وعموم أعضاء وأجهزة الجسم”.
ولفت قديح إلى أن “انتشار الروائح الكريهة، والتي تزايدت قوتها مع تقدم العمل في هذه مواقع تخزين النفايات، لاسيما في منطقة برج حمود، وصلت لمستويات لم يعد للسكان قدرة على تحملها، فهذا يدل على أن المواد والغازات والأبخرة والجزيئات الحاملة لهذه الروائح قد ارتفعت تراكيزها في الهواء الجوي إلى مستويات عالية جدا، بحيث أن آثارها الصحية لا تقتصر على إزعاج حسِّي عبر حاسة الشم عندهم، بل تتجاوز ذلك بكثير لتهدِّد سلامة الجهاز التنفسي الأعلى والأعمق، وصولا إلى تهديد السلامة الصحية العامة لعموم السكان، وبالدرجة الأولى منهم الفئات الأكثر هشاشة وتحسسا، مثل الأمهات الحوامل والرضع والأطفال وكبار السن والمرضى، ولا سيما مرضى الجهاز التنفسي والقلب والشرايين وغيرها من الأمراض المزمنة”، موضحاً أن “ما ابتدعته “عبقرية” المسؤولين عن ملف النفايات في مرحلة أزمة 2015 وما تلاها من اختراع مصطلح “باركينغ” للنفايات، أي موقع للتخزين المؤقت لمئات آلاف الأطنان، وربما ملايين الأطنان من النفايات النشيطة والمتفاعلة والمتحللة والمتعفنة، ما هو إلَّا جهل وتجهيل وعدم اكتراث لما يُنتظر أن يحصل بعد فترة من الزمن. ولقد حذرنا، وبصوت عال جدا، أن لهذه الممارسات تبعات وآثارا سوف تظهر بعد حين. عندما تنشط عمليات التفكك الهوائي واللَّاهوائي، والتفاعلات بين مكونات النفايات المتنوعة، التي تشكل مخاطر صحية متفاوتة على المواطنين المعرضين لتأثيراتها”.
وتوجه قديح لجريصاتي بالقول “مهلا يا وزير البيئة، نحن نتمنى لك النجاح في مهمتك الثقيلة، وليس عندنا أي موقف مسبق اتجاهك، ولكن بكل مودة ننصحك بالتروِّي، ودرس تصريحاتك بدقة أكبر، ولا تتبنى مقولات غيرك من الجهات، التي تتحمل المسؤولية كاملة عن ما أوصلت البلد إليه من كوارث بيئية وتلويثية، عبر خياراتها الفاشلة لإدارة النفايات، ليس فقط في موقع برج حمود والجديدة، بل أيضا في الكوستابرافا وطرابلس وكل لبنان”.