ملاك عقيل – الجمهورية
يشبه خروجُ نهاد المشنوق من وزارة الداخلية خروجَ أيِّ وزير آخر في «زمن» التسليم والتسلُّم. «النزاعُ» على صاحب «الأمرة» في نزع بلوكات الباطون يخفي جزءاً من حالة كباش بين الوزير «الشرس» وتيار «المستقبل»، يبدو أنها لن تنتهي مع إحالة الرئيس سعد الحريري المشنوق الى نادي الوزراء السابقين، ولا حين قال أمس «إني نفّذت أوامر الستّ ريا». وهي الأوامر التي أبلغتها الى الأمنيّين الكبار ومفادها: «لا أريد دخولَ الوزارة للمرة الأولى إلّا بعد «تنظيف» مدخلها»! ومع ذلك، لم يقطع «أبو صالح» شعرة معاوية بينه وبين الحريري.
مَن يعلم بخفايا إعداد المشنوق لخطاب التسليم والتسلّم في وزارة الداخلية يعلم بأنه لم يقل كل شيء. والدليل، أنه في الخطاب نفسه أرجأ الحديث عن كثير من الملفات «الى وقت لاحق» منها رأيه المفصّل في «إدارة» مرحلة ما بعد إنتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.
بالتأكيد كان «خطابُ التسليم» الأطول في أرشيف الوزارات السيادية وغير السيادية. حتى الحضور كان «طافحاً» لكنه لم يحجُب «الوداع العاطفي» وكلمات التأثر الموجّهة الى «معاليه».
جَنَح الوزير السابق بقوة نحو السياسة موجِّهاً رسائل علنية وضمنية، وهذا ما لم تألفه «طقوس» إنتقال الحقائب من وزير الى آخر. ولم يتوانَ عن تحديد جزء من «برنامج عمل» الوافدة الجديدة الى الوزارة من ضمن سلّة «الأمانات».
ومقابل خطاب «الوداع» السياسي-الأمني بإمتياز للمشنوق، كشفت الحسن عن جزءٍ من مشروعها في إدارة «أُمّ الوزارات»: مَسحة «مَدنية» طاغية توّجتها بنيّتها تكثيف العلاقة مع المجتمع المدني!
فإضافة الى خطة ستحضّرها وتطرحها «لضمان استمرارية التنسيق بين القوى العسكرية والأمنية»، ركّزت على ملفّ السير، وإستكمال إزالة العوائق الإسمنتية، التعاون مع البلديات، تحسين علاقة المواطن مع وزارة الداخلية، ملفّ السجون، دعم عناصر الدفاع المدني، والتشدّد في مكافحة العنف الأسري والسلاح المتفلّت، معالجة التلوّث البيئي… ورفض التجاوب مع «طلبات تدخل ضمن نظام الزبائنية». مع العلم أنّ الخلوة بين المشنوق والحسن أمس شهدت مداولاتٍ حول وضع الوزارة وسبقتها جلسةٌ أطول حول ملفات «الداخلية».
وأمس صدرت أوّل دفعة من فريق عملها بتعيين العقيد محمود قبرصلي مديراً لمكتبها، مع العلم أنّ الأخير كان من ضمن فريق الحماية التابع للرئيس فؤاد السنيورة.
وفق المعلومات، لم يخرج المشنوق أمس من وزارة الداخلية ليدشّن إجازةً سياسية طويلة وَعَد نفسَه بها. لن يتأخر الرجل ليحجزَ مكاناً له على المسرح السياسي، بعدما استغنى كلياً عن حضور إجتماعات كتلة «المستقبل» النيابية.
القريبون منه يجزمون أنه «لن يترك بيروت»، لكن بالتأكيد لا خبزَ له بعد الآن مع تيار «المستقبل». سبق للرجل أصلاً أن أكّد «أنه سيفتح منزله لأهالي العاصمة والبحث في مشكلاتهم وحلّها».
العارفون يشيرون الى أنه سيعيد درسَ تحالفاته الانتخابية، فيما لم تكن تفصيلاً مسارعتُه الى التصفيق حين ذكرت الحسن «أننا سنعمل على تقييم التجرية الأخيرة في قانون الإنتخاب وتحسينه».
هو القانون الذي وسّع فجوة الخلاف مع الحريري ودفع المشنوق الى لوم رئيس الحكومة على «الإذعان لقانون قايين وهابيل»، معلناً أمس أنه «لم يكن راضياً عن نتيجته الشخصية في الانتخابات».
لكنّ أولى المفاجآت قد تبرز في جلسة الثقة في مجلس النواب حيث تطرح تساؤلات جدّية عمّا إذا كان المشنوق سيلتحق بمعسكر رافضي منح الثقة لحكومة سعد الحريري!
وكان لافتاً أمس إشارة المشنوق الى أنّ «الحريري اختارني لأكون وزيراً للداخلية في حكومتين، ولا يسعني إلّا التعبير له عن امتناني لثقته التي يقول لي البعض إنها أصبحت ماضياً مضى وأنا لا أريد أن أُصدّق»! بدا كمَن يحفظ «شعرة معاوية» مع الحريري. رسائلُ حادّة لكن بلا حسم.
وعلى ما يبدو لم تُفضِ «الجلسة الليلية» بين المشنوق والحريري التي أعقبت صدور مراسيم الحكومة الخميس الماضي، وحصلت بناءً على طلب الأخير، الى توضيح هذا الالتباس بين الرجلين.
تكملةُ «الحديث» جاءت في «المقطع» السياسي في خطاب التسليم والتسلّم الذي أراده «بدايةً وليس ختاماً». للمرة الأولى أدخل المشنوق مصطلح «الحريرية الوطنية» الى القاموس السياسي، مشيراً الى «خروجه من الحكومة على وقع أخطار مُحدِقة بهذه الحريرية، بما هي الدولة و«الطائف» والسلم الأهلي».
وكما وجّه أكثرَ من رسالة الى الحريري لم يوفّر عون وجبران باسيل، معتبراً أنّ «المغالاة في استعراض السلطة والاجتهاد في الصلاحيات لا يؤدّيان إلّا إلى تشجيع الانهيار»…
المشنوق الذي كان واحداً، كما قال، «ممّن حملوا مع الرئيس الحريري أثقالَ التسوية (الرئاسية)»، أكد أنّ «ما حصل من فوضى دستورية وسياسية خلال السنتين الماضيتين، أحدثتها جهاتٌ لن أدخلَ في تسميتها الآن، أفقدتِ التسوية كثيراً من زخمها ومن مضامينها ومن قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوّة منها ولها». وقد يكون هنا الدليل الأكبر على اتجاه المشنوق الى حجب الثقة عن حكومة هي نتاج هذه التسوية.
وفي كل ما فعله المشنوق في وزارة الداخلية على مدى خمس سنوات والذي إختصره بـ «خمس محاولات نجاح» في «خطاب الوداع»، لم يتوانَ عن القول إنه «خيارٌ سيترتّب عليه كثير من الأثمان عند الحلفاء، وكثير من النكران عند الخصوم، وما خاب ظنّي فعلاً»!