فاتن الحاج – الأخبار
مجدداً، أطل توحيد الصناديق الضامنة في القطاع العام برأسه في البيان الوزاري للحكومة الجديدة، كحل لخفض كلفة الفاتورة الاستشفائية على الدولة. ليس واضحاً بعد ما إذا كان الهدف هو دمج الصناديق وإلغاء تقديماتها المستقلة والمتفاوتة بين مكوّن وآخر داخل هذا القطاع، أم توحيد تسعيرة المستشفيات. إلا أن الخشية كبيرة من أن اعتماد توجّه كهذا سيعني القضاء على مكتسبات استلزمت نضالاً طويلاً لتحصيلها
عاد توحيد الصناديق والمؤسسات الضامنة في القطاع العام إلى واجهة التداول من نافذة البيان الوزاري للحكومة الذي نصّت مسودته على «تبنّي توصية المجلس الاقتصادي الاجتماعي بتوحيد الصناديق والمؤسسات الضامنة في القطاع العام بكل إداراته ومؤسساته ومجالسه وأسلاكه خلال ثلاث سنوات».
المشروع المطروح منذ مؤتمر «باريس – 3» عام 2016، والذي ورد في ما سمي «مواد إصلاحية» في قانون سلسلة الرتب والرواتب، لا يزال ملتبساً بالنسبة إلى معظم الفئات المنتسبة إلى هذه المؤسسات (الضمان الاجتماعي وصندوق تعاضد القضاة وصندوق تعاضد أساتذة الجامعة اللبنانية وتعاونية موظفي الدولة). التقديمات بين هذه الصناديق متفاوتة، لذلك ليس مفهوماً حتى الآن ما إذا كان المقصود هو توحيد هذه التقديمات، ووفق سقف أي منها. إذ أن بعضها يقدم تغطية صحية شاملة ومنحا تعليمية كاملة، فيما تقل تقديمات البعض الآخر عن ذلك بكثير.
رئيس المجلس الاقتصادي، شارل عربيد، تردد في التعليق على نص «لم أطلع عليه ولا أعرف عنه شيئاً»، وإن لم ينف أن التوجه ورد ضمن النقاط الـ22 للورقة المنبثقة عن «حوار الأحزاب الذي استضفناه، لكنه لم يكن رأي المجلس أو توصيته». واستدرك بأنّ «اللجنة الاقتصادية في المجلس التي يرأسها وزير الاقتصاد الجديد، منصور بطيش، صاغت ورقة هي الأخرى، وربما استوحى الوزير من روحيتها، لكونه عضواً في لجنة صياغة البيان الوزاري، لا أعرف».
القضاة لا يخشون المسّ بصندوقهم وباستقلالية القضاء كما في المرات السابقة. يركنون، بحسب رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد، إلى ما قاله رئيس الحكومة سعد الحريري في لقاء مع المجلس أخيراً بأنّ الهدف ليس النيل من قيمة التقديمات أو نوعيتها، إنما توحيد العلاقة مع الفريق الذي يقدم الخدمة الاستشفائية، سواء كان المستشفى أو الصيدلية، للحصول على أسعار مخفضة، ما يسهم في خفض الفاتورة الاستشفائية.
وتختلف تقديمات صندوق تعاضد القضاة عن بقية الصناديق الضامنة لباقي مكونات القطاع العام. إذ يحظون بتغطية طبية واستشفائية كاملة، ومنح تعليمية تصل إلى 100%، وقروض سكنية مدعومة بفائدة 1,68% من الصندوق المموّل من اشتراكات المنتسبين، ومن رسوم أخرى، أبرزها نصف الرسم المفروض قانوناً على كل تسجيل او تعديل او شطب في قيود السجلين التجاريين العام والخاص، و30% من غرامات الأحكام القضائية المحصلة ومن غرامات ضبط السير.
أساتذة الجامعة اللبنانية المتفرغون والداخلون في الملاك لديهم أيضاً صندوق تعاضد خاص بهم يمنحهم تقديمات أقل من تلك التي ينالها القضاة، وهو، كما يقولون، «من أهم المكتسبات» التي حقّقوها في المرحلة السابقة، و«ممنوع الرجوع إلى الوراء. إذا كان لا بد من توحيد الصناديق، فليكن على السقف الأعلى»، وإن كانوا يعتقدون أن التوحيد يجب أن يكون في تعريفات المستشفيات وفي الدفع المقطوع للعمليات الجراحية وليس في إدارة الصناديق.
رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة، يوسف ضاهر، شدّد على أنّ «الصندوق خط أحمر لكون أساتذة الجامعة ناضلوا سنوات طويلة لإقراره». ولوّح ضاهر بالاعتصام والإضراب في كانت هناك نية للمس بهذه المكتسبات، لافتاً إلى أنّ «أكثر من نصف الأساتذة المتفرغين خارج الملاك، أي أنّه لا يحق لهم الاستفادة من خدمات تعاونية موظفي القطاع العام أو أي صندوق موحد، وبالتالي سيصبحون خارج أي تغطية صحية. وهذا ما لا يقبله أي منطق». ويتمسّك الأساتذة بتنفيذ المادة 53 من قانون موازنة 2018 التي نصت على إلغاء بعض الأحكام المتعلقة بالقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية من قانون سلسلة الرتب والرواتب، لا سيما المادة 31 المتعلقة بتوحيد الصناديق الضامنة. مصادر الأساتذة تسأل ما إذا كان الهدف من هذا التوجّه تحميل الموظفين أعباء الثلث المتبقي من الفاتورة الاستشفائية، باعتبار أن الموظف يدفع حالياً ثلثين والدولة ثلثاً.
المستفيدون من خدمات تعاونية موظفي الدولة (أساتذة ومعلمون في التعليم الرسمي وموظفو الإدارة العامة) يحصلون على تقديمات أقل من الأساتذة والقضاة. النقابي المتقاعد من التعليم الأساسي الرسمي إبراهيم الراسي وصف التوجه الذي عبّر عنه البيان الوزاري بـ«الخطير ويسير في الاتجاه المعاكس لكل الدول التي تبنت خيار الإنسان المواطن، واعتبار الفرد قيمة أولى». ولفت الى أن الموظفين «لا يحصلون فعلياً على التقديمات التي تنص عليها القوانين (90% استشفاء و75% طبابة) بسبب تلاعب المستشفيات بالتسعيرة، ولأن تعرفة الأطباء تختلف عن تلك التي تحددها التعاونية وتعود إلى 25 عاماً، ما يُضطر الموظف الى دفع مبالغ تتجاوز راتبه في كثير من الأحيان».
الأمر نفسه يواجه المنتسبين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين يحصلون على تقديمات أقل من تلك التي يحصل عليها المستفيدون من بقية الصناديق الضامنة. فرغم نيل المستفيدين 90% من نفقات الاستشفاء و80% من نفقات الطبابة، إلاّ أن الصندوق لا يغطي مثلاً كلفة طبابة الأسنان ولا يقدم منحاً مدرسية.
النقابي محمد قاسم أكد أن «كل الهيئات متمسكة بالسقف العالي وستدافع عن مواقعها ومصالحها، ولن يقبل أحد الرجوع إلى الوراء والانقضاض على حقوق مكتسبة».