خبر

خطة الحكومة للعجز غير واضحة: خفض الإنفاق أم رفع الضرائب؟

رنى سعرتي – الجمهورية

 

 

من يقرأ مؤشرات لبنان المالية والاقتصادية، يُرجّح انّ هذا البلد مقبلٌ على كارثة مالية قد تطيح استقرار عملته وتجعله يتخلّف عن سداد ديونه. إلّا انّ القطاع المصرفي اللبناني وتحويلات المغتربين استطاعت خلال السنوات الماضية تفادي حصول هذا السيناريو، الى ان جاء اليوم دور الحكومة الحديثة المُنتظَر، والذي يترقّبه العالم، من أجل وضع خطة إصلاح فورية للمالية العامة.
يتساءل البعض، كيف استطاع بلد صغير مثل لبنان تفادي وقوع كارثة مالية لأعوام، في ظلّ نسب ديون وعجز في ميزان المدفوعات من بين الأسوأ في العالم.

وفيما تبدو أرقام المؤشرات المالية اللبنانية مُرعبة، حيث تبلغ نسبة الدين العام 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويقترب العجز في ميزان المعاملات الجارية من 25 في المئة، إلّا انّ أحد الأسباب وراء تمكّن لبنان من تفادي أزمة إقراض حتى الآن، يكمن في المغتربين اللبنانيين الذين يواصلون تحويل وايداع أموالهم في المصارف اللبنانية، بالاضافة الى الاستثمار في السندات السيادية.

لكن رغم من ذلك، يتأزّم الموقف بحسب وكالة «موديز»، لانّ تغطية العجز المالي لهذا العام، ودفع استحقاق سندات دولية بالعملة الأجنبية بقيمة 2.6 مليار دولار من دون السحب من احتياطيات النقد الأجنبي، سيتطلبان تدفقات ودائع بنحو 6 إلى 7 مليارات دولار، مقارنة مع 4 إلى 5 مليارات في 2018.

ما يعني انّ على لبنان استعادة أكثر من 2 في المئة من اجمالي الودائع التي هربت الى الخارج ، اي ما يزيد عن 3 مليارات دولار، بسبب الاوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية في العامين الماضيين، وذلك من اجل اعادة تكوين احتياطي كبير من العملات الاجنبية، يكفي للحفاظ على الثقة في سعر الصرف وضمان استمرار التدفقات الخارجية.

وفيما تشير تقديرات «موديز»، إلى أنّ خدمة الدين العام وحدها تستنزف نحو نصف إجمالي إيرادات الحكومة وتشكّل حوالى ثلث الإنفاق الحكومي، يقدّر «غولدمان ساكس» انّ لبنان يحتاج الى خفض نفقاته بنسبة 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لتحسين أوضاع المالية العامة للحكومة.
ورغم انّ معظم خبراء الاقتصاد يتوقعون أن يحقق لبنان نمواً يزيد في المتوسط عن 2 في المئة من الآن وحتى 2021، فانّ وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني تتوقع أن يواصل الدين، قياساً إلى الناتج المحلي الإجمالي، صعوده في السنوات الثلاث المقبلة إلى 156 في المئة.

عياش
في هذا الاطار، اعتبر الخبير الاقتصادي د. غسان عياش، انّ المطلوب اليوم من الحكومة الجديدة، تحديد الخطوات التي ستقوم بها من خلال الاعلان عن برنامج اصلاحي للمالية العامة مقنع وقابل للتنفيذ، يتضمن بالارقام والتفاصيل كيفية إدارة العجز وخفضه، كما تعهّد لبنان في مؤتمر «سيدر» العام الماضي، «على رغم اننا لم نرَ اي خفض بل يستمرّ العجز في الارتفاع».
وقال عياش لـ»الجمهورية»: «على الحكومة ان تُعلمنا كيف ستخفّض العجز. هل عبر زيادة الضرائب؟ هل من خلال خفض النفقات؟ وأي ضرائب وأي نفقات؟».
واشار الى انّ مهمّة الحكومة الاولى تتمثل بإعطاء الاولوية للمالية العامة، وثانياً للنمو الاقتصادي، وذلك من خلال وضع سيناريو معززّ بالارقام تُقنع به الرأي العام بأنّها حكومة جدّية تسعى الى الاصلاح، وتكشف فيه عن نيّتها، إن في زيادة الضرائب او في تقليص حجم القطاع العام…
ورأى انّه «في بلد يشهد تهافتاً على الدولار بسبب عدم غياب التدفقات المالية الخارجية، وفي بلد تنعدم فيه الاستثمارات الاجنبية، يتوجب على الزعماء والمسؤولين القيام بخطوات تعكس للرأي العام والمجتمع الدولي، انّ لبنان لم يعد يشهد اضطرابات سياسية واقتصادية. وذلك من اجل جذب الاستثمارات الاجنبية، أي التدفقات المالية الاجنبية، التي من دونها قد تتخلّف الدولة عن سداد ديونها».
ولفت عياش الى ضرورة تغيير الجوّ السياسي، بشكل يوحي للخارج انّ لبنان في صدد حلّ كافة مشاكله،»لاننا بحاجة ماسّة للاستثمارات والدولارات»، مشيراً الى انّ تشكيل الحكومة ليس كافياً لاستعادة الثقة بلبنان. كما قال انّ «موازنة بلا فساد ضرورية في لبنان لكنها لا تقضي على العجز، لانّ كلفة الفساد لا تساوي عجز الموازنة بل تقلّ عنه».
وحول أموال «سيدر» المُنتظرة والمُقدّرة بـ11 مليار دولار، أبدى عياش تخوّفه من ان يكون الهدف الحقيقي منها، في ظل الحاجة الى الدولار والتي يعاني منها مصرف لبنان، ان يكون هدف «سيدر» جذب الدولارات فقط الى لبنان.

سلامة
وفي هذا السياق، عرض رئيس الجمهورية ميشال عون مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة امس، الاوضاع النقدية في البلاد في ضوء التطورات السياسية الاخيرة. واشار سلامة الى انّه بعد تشكيل الحكومة الجديدة، اصبح الدولار معروضاً في السوق المحلية لشراء الليرة اللبنانية، وهذا يعيد تعزيز دور العملة الوطنية في الادخار.

اضاف: «دوليا، شهدت اسعار سندات اليوروبوند ارتفاعاً، ما اعاد الى هذه الاسعار زيادة نسبتها 10% قياساً الى الاسعار التي كانت بلغتها».