صباح أيوب – الأخبار
في حزيران 2013 ذكر زياد الرحباني Kollektiv «كوليكتيف» للمرّة الأولى في مقال في «الأخبار» بعنوان «خارج شدّ الأحزمة» من سلسلة مقالات «مانيفستو»، وفيه دعانا الرحباني إلى ترقّب صدور بيان عن تلك المجموعة خاتماً بعبارة «وسينصرنا الله جميعاً على الاستغلال وعلى المال… وعلى رأس المال». هوية Kollektiv وهدف وجودها وعملها واضحة إذاً منذ ذلك الحين، حتى وإن تأخّر صدور بيانها الأول سنوات
يصعب في هذا البلد بلورة فكرة وتطويرها بشكل سريع أو وفق جدول زمني دقيق فكيف إذا كانت تلك الفكرة هي مشروع سياسي اجتماعي يسعى إلى توحيد الناس بمواجهة مستغلّيهم. المشروع الأساسي الذي بنى عليه الرحباني معظم نتاجه السياسي – الفنّي منذ البدايات.
عام 2014، استمرّت الإشارات بشأن Kollektiv مرّة في مقال وأخرى على ملصقات بعض حفلاته الموسيقية. المشروع لم يغب عن اهتمامات زياد على رغم انشغالاته الكثيرة في تلك الفترة وعلى رغم الوعكات الصحّية، فكان يعمل باستمرار على بناء نواته منذ ذلك الحين وعلى جسّ نبض الناس ممّن حوله ومن جمهور حفلاته.
إطلاق Kollektiv
في 28 كانون الأول الماضي دعا زياد مجموعة من الشخصيات العامة من مختلف الانتماءات السياسية ومختلف المسؤوليات وأعلن عن إطلاق حركة Kollektiv من على مسرح المركز الثقافي الروسي (في فردان). من بين الموجودين والذين لم يستطيعوا الحضور مؤيدون ومشجعون لإطلاق الحركة ومن بينهم: حسين الحسيني، نجاح واكيم، شربل نحاس، كمال حمدان، الأب مارون عطالله، الفنانون مجدي مشموشي وحسان مراد وغيرهم…
واليوم، في بداية 2019، باتت بين يدَي زياد مسودة البيان الأول لـ Kollektiv، بخطّ يده، وفيها تعريف أوّلي عن الحركة ومبادئها، وحوله مجموعة أشخاص داعمين للمشروع. اطّلعت «الأخبار» على المسودة وكانت فرصة لمناقشة أبرز بنودها مع كاتبها. مقابلة زياد الرحباني هذه المرة مسبوقة بالتشاؤم العام المعتاد الذي يستفيق معنا يومياً وباستسلام لفشل أي مشاريع ومبادرات جديدة في البلد، فوجدناه يحدّثنا عن «أمل بجيل متحمّس وتفكيره ممتاز»، ويشرح أهمية التظاهر وصولاً إلى العصيان المدني ويكشف عن سعيه لأن يتّحد الجميع على أهداف مشتركة طالما الأزمة الاقتصادية الحالية تطاولنا جميعاً. من أين لهذا الرجل المنهَك من العمل ومن الخيبات والنكسات كلّ هذا الأمل والجَلَد بعد؟
– «بتكوني قرفانة حياتك، بس بتشوفي مجموعة من الناس وبتنتبهي أدّيه محمّسين فبيشغلولك راسك بفكرة إنو بعد فيه بالبلد ناس نضاف، ميشان هيك تجميع هول الناس بركي بيعمل شي»، شي متل شو؟ أسأله بالتشاؤم إيّاه «متل إذا عملوا تظاهرة أو اعتصام… لمّا تشوفي مظاهرة فيها آلاف الأشخاص وجامعة كلّ الناس على اختلاف انتماءاتهم مجموعين ومش كلّ واحد جاي لوحدو، هيدا بيخلّي الدولة تفكّر فيها.
لا شيء ينفع مع هذه الدولة زياد، ننزل إلى الشارع يوم الأحد ونستفيق الاثنين وكأن شيئاً لم يكن، لا شيء يهزّ السلطة القائمة، أتابع الكلام بالنفَس السلبي ذاته فيقول ما عم يصير شي لأن ما فيه نقابات. النقابات قبل الأحزاب، لذا يجب أن نشرح للناس ما هي النقابة وما هو دورها وأهميتها ونعيد إحياءها»، هنا، يروي زياد مستذكراً أنه في الـ 1998 وخلال عدد من الحفلات الموسيقية التي قدّمها في بيروت، علّق ورقة على شبّاك التذاكر، كتب عليها «انتسِب إلى نقابة، أي نقابة» وكان يخصص بطاقات بأسعار مخفّضة للنقابيين، «يجب تفعيل النقابات اليوم قبل الأحزاب. وهذا أحد أهمّ بنود Kollektiv الحركة التي نعمل على إطلاقها.
ما هي هذه الحركة؟
هي حركة مؤيّدة للحزب الشيوعي اللبناني تؤمن بأن الشغل الجماعي هو الحلّ، يعني بكل بساطة ترفع شعار «في الاتحاد قوة»، لأن حلّ الوضع اللبناني المأزوم هو باتحاد الأحزاب المفرفطين». الاتحاد مع حزب الكتائب مثلاً أو حركة أمل؟ «ولمَ لا؟ إذا وجدنا أموراً مشتركة معها.
يعني الحركة هي الحزب الشيوعي اللبناني باسم جديد؟
لا ليست الحزب الشيوعي، بل حركة تؤيّد مبادئه وسبب إنشائها أصلاً هو التحرّر من الاسم المربوط ببروباغندا تاريخية ضد الحزب الشيوعي وضد كلمة شيوعية. هناك حركات شيوعية عديدة في أوروبا مثلاً بدأت منذ أيام ميخائيل غورباتوشف بتغيير اسمها مع الحفاظ على مبادئها الاشتراكية.
وأين أصبحتم في مسار التأسيس؟
نعمل الآن على: تشكيل هيئة تأسيسية، تقديم علم وخبر للاستحصال على رخصة، تحديد طريقة للانتساب إما مباشرة أو من خلال ويبسايت، تشكيل قيادة مشتركة من 3 أو 5 أشخاص.
ماذا يعني الاسم Kollektiv؟
(مع الإصرار على حرف الـ K)
هو أكثر اسم معبّر عن العمل الجماعي وميزته أنه يُلفظ بكل اللغات بالطريقة نفسها». أذكّره بمقطع من مقالة له نشرت في «الأخبار» في تشرين الثاني 2014 وهي الجزء الثالث من سلسلة مقالات بعنوان Berlin charlie checkpoint كتب فيها: «… يعني بس وِعي الإنسان إنو غيرو كمان عندو «الأنا»، وإذا صرنا ألف، منصير ألف x أنا، فشو منعمل ساعتها؟ متل ما عملنا من آلاف السنين؟ مناكل بعضنا؟ أو منقتل بعضنا؟ ما هاي مراحل اختبرها الإنسان، وفضّل بسبب غريزة تانية مشتقّة من «الأنا» وهي غريزة البقاء، فضّل السلم على الحرب، والتفاهم على النزاع. ونظّم هالكذا مليار x أنا بإطار صاروا فيه: أنا واحدة كبيرة، وهي الـ «نحنا»،
تماماً يجيب زياد، ويؤكد أن اسم الحركة وهويتها فيها الكثير مما هو مكتوب في سلسلة مقالات Berlin charlie checkpoint.
لكنك تسعى إلى الـ «نحن» الجامعة الآن في زمن صعود «الأنا» الفردية وعدم اقتناع الأفراد بضرورة الانضمام إلى حركات أو بجدوى الانتماء لأحزاب منظّمة، هم يبنون مكانهم الخاص ومساحات لأفكارهم خارج الإطار الكلاسيكي المعهود، ألم تبطل موضة الحركات والأحزاب؟
لسنا حزباً ويمكن للناس أن ينتموا إلينا ويتبنّوا أهدافنا من دون أن يعتبروا أنفسهم في تنظيم.
لم تعد الطائفية هي التي تحرّك الناس، بل الاقتصاد والمعيشة
ماذا عن الجيل الشاب؟ «جيل لغة الكومبيوتر» كما تسمّيه وتخصص له حيّزاً في مسودة بيان الحركة؟ أنت القائل في إحدى مقابلاتك التلفزيونية الأخيرة بأن شباب اليوم معظمهم يمسكون الهاتف الخلوي بيد والأركيلة باليد الثانية فلا يبقى هناك مجال لتأدية أي عمل منتج.
يمكن لهذا الجيل أن ينضمّ لاحقاً بعد إطلاق الحركة. لكن التعويل الأساسي هو على جيل أوعى برز في بعض الحوارات الجامعية التي قمنا بها (اللقاء مع طلاب «الجامعة اللبنانية الأميركية» مثلاً) كما أبدى بعض طلّاب الجامعة اللبنانية حماستهم واستعدادهم للانضمام لـ Kollektiv ونحن بصدد التحضير لعقد لقاء معهم قريباً». وبخصوص «جيل الكومبيوتر» نعي تماماً أن «الحزب الشيوعي اليوم لا يعرف كيف يخاطب الجيل الجديد. طريقة طرح قيادة الحزب الأفكار والتعبير عنها لن تجذب شاباً في الـ 17 من عمره مثلاً. «جيل الكومبيوتر» لن يستمع إلى كلام يذكّره بأيام الحرب أو يشعره بأنه سمعه نفسه مكرَّراً في مكان ما.
كيف ستخاطبون هذا الشباب الجامعي المفروز أصلاً سياسياً وطائفياً أو لديه انشغالات أخرى تجذبه أكثر؟
سنبدأ من ألفباء التعريف بكلّ المبادئ. نشرح أسس العمل النقابي، نصدر كتيّبات، «لينين للأطفال» مثلاً، ننظم جلسات حوار أو كما كنّا نفعل في الحفلات الموسيقية الأخيرة حيث كان هناك جزء مهم من البرنامج مخصص لقراءات في السياسة والاقتصاد والمجتمع، يمكن استضافة شخصيات وفتح جلسات نقاش…
هل ستكون للحركة أدوات تواصل مع الناس وإعلام؟
سيكون هناك موقع إلكتروني هو في طور التجهيز كما طلبنا من إذاعة «صوت الشعب» أن تؤجّرنا مساحة من هوائها لتقديم برامج إذاعية وبثّ مباشر خاص بـ Kollektiv. كما للحركة أعضاء في المناطق يتواصلون بشكل مباشر مع الناس في مختلف محافظات لبنان.
وهل سيكون لها مقرّ وعنوان؟
عندي مكتب في أنطلياس ومن المرجّح أن يكون المقرّ الرسمي هناك.
الحزب الشيوعي اليوم لا يعرف كيف يخاطب الجيل الجديد
من سيموّل الحركة؟
«أبدى شخص أعرفه جيداً ومنذ زمن استعداده لتمويل الحركة وهو الشخص ذاته الذي كان يموّل مسرحياتي وهو الذي موّل إنتاج ألبوم «مونودوز». ولا يحبّ ذكر اسمه».
ما الذي سيميّز تحرّكاً على الأرض لـ Kollektiv عن التظاهرات التي أقيمت بعد أزمة النفايات قبل سنوات؟ ولماذا لم تكن مقتنعاً بتلك التظاهرات مع أنها رفعت شعارات محقّة وتطاول جميع الناس؟
أولاً، الناس الذين نزلوا إلى الشارع حينها لم يكونوا مجموعين بل نزلت كل مجموعة وحدها أو كل فرد وحده. ثانياً، استسهال الحديث عن ثورة… هل قامت ثورة في العالم بسبب أزمة نفايات؟ ثالثاً، رفع شعارات بالإنكليزية وبلغة الكومبيوتر، رابعاً والأهمّ، يعزّ علي أن أرى أن الحزب الشيوعي هو الذي لحق بتحرّك المجتمع «المدني» وقتها. وما سرعة انفراط الذين نفّذوا ذلك الحراك إلّا دليل على أنهم اجتمعوا أصلاً بسرعة.
وهل سينزل الناس إلى الشارع مرّة جديدة بأعداد كبيرة كما تتمنّى وموّحدين؟ على أي أساس؟
بعد أن تفننوا بجميع أشكال الطائفية، لم تعد الطائفية هي التي تحرّك الناس بل الاقتصاد والمعيشة. كل الناس معنية ومتأثرة بالأزمة المالية والاقتصادية الحالية. الجماهير المتحزّبة حتى من حزب الله أو من حركة أمل يمكن أن يجدوا أموراً مشتركة مع ما تطرحه الحركة ويهمّني أن لا يعادي حزب الله Kollektiv وأن لا ينظّم تظاهراته وحده بل أن ينضمّ إلى التحركات الجماعية.
كيف لك أن تتعاون مع بعض أحزاب السلطة وهم سبب ما وصلنا إليه وما تناضل لتغييره؟
إذا كانت هذه الأحزاب مستعدة للاتحاد من أجل إنقاذ البلد فلِمَ لا؟ فينا نجرّب نصدّقهن.
لفتني في مسودة مبادئ الحركة بندان، الأول إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى…
أهمّ بند في بيان الحركة إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى التي تدنّت قدراتها المادية كثيراً، ويجب شرح الأسباب الاقتصادية التي أوصلتها إلى هذه الحالة وتوعيتها على الأزمة التي حلّت بها والأزمة الكبيرة التي نحن داخلون عليها. فالطبقة الوسطى فُقِدَت في لبنان، وكنّا تعلّمنا في علم الاقتصاد أن تاريخ وجغرافية لبنان ونظامه مبني على الطبقة الوسطى. والدراسات الاقتصادية تؤكد ذلك. هناك دراسة قام بها مكتب الباحث في علم الاقتصاد كمال حمدان تقول إن أهمّ مصلحة في لبنان هي فرن المناقيش الذي يمكن أن يعيل عائلة بكاملها. فرن المناقيش هو «المانيفكتورة» تبع لبنان. هيدي الطبقة الوسطى، الملّاكون الصغار. والدكاكين التي اختفت لمصلحة السوبرماركت والمولات… والمول طحش عالجنوب!.
ملوك الخيبة نحنا.. منعمل ديليفيري إذا بدّك!
البند الثاني اللافت هو المتعلّق بالحدائق العامة والمسبح الشعبي…
الأماكن الوحيدة اللي بتقدر تتنفّس العالم فيها ببلاش. بيكفّي الناس مصاريف. لذا يجب تأمين هذه الأماكن وتجهيزها لأنه من حق الناس أن تذهب إلى البحر وأن يكون على شواطئها maître nageur وأن تسبح من دون أن تموت غرقاً.
ما تطرحه مثالي جداً…
إيه. كلّ المبادئ أساسها مثالي، الدين مثالي والاشتراكية مثالية، ليش؟ ليكون عندك حافز لتتقدّمي. إذا طرحتِ أهدافاً قد تتحقق بعد يومين، فلن يسمح لك ذلك بالتقدّم كثيراً.
ماذا عن المعسكر الجاهز لينقضّ على أي طرح يحيي الاشتراكية؟ وعن الجوقة التي قد تسخر من طروحاتك وتقللّ من أهمية مشروع الحركة. ماذا ستفعل حيالهم؟
سأعتمد على علاقة الناس وثقتهم بي لمواجهتهم. الناس يعرفون بأننا لا نكذب عليهم ولا نسرق ولسنا تجّاراً. حبّ الناس لنا سيحمي المشروع ويقوّيه.
ألا تخاف أن يخيب أملك بما تطمح له من هذه الحركة؟
طبعاً، ملوك الخيبة نحنا… منعمل ديليفيري إذا بدّك!
من أين لك هذا الجلَد؟ تحاول مجدداً مع احتمال كبير لخيبة أخرى؟
طالما عايشة بالبلد لازم تضلّك تجرّبي. لأن هوي (البلد) هيك ما بينطاق. فلازم الواحد يضلّ يجرّب يغيّر».
توضيح ونفي من الرحباني
يهمّني أن أنفي ما قاله الزميل والصديق طارق تميم حول حركة Kollektiv خلال مقابلة على قناة «أن بي أن» في برنامج «رأيك» بتاريخ 28 كانون الأول 2018، لأن الحركة لم تعلن رسمياً مبادئها بعد ولا يمكن لتميم التحدّث عنها كأنه الناطق الرسمي باسمها. فوجب التوضيح.
■ ■ ■
ترددّت في الفترة الأخيرة أخبار عن أنني حضّرت مسرحية للسيد حسن نصرالله والأمر ليس صحيحاً مطلقاً.
«الشي الوحيد اللي بيجمع اللبنانيين»
«كنت أشاهد أخيراً مسرحية «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» (1993)، فظيعة! وفظيع الضابط. الشي الوحيد اللي بيجمع اللبنانيي هوي مخالفة الأخلاق والقوانين. هنا يجتمع اللبنانيون من كل طوائفهم ويصبحون شخصاً واحداً… بلا أخلاق. كيف بدّها تركب بلد هيك؟ لا يمين ولا يسار، الضابط هوي الحلّ بالمسرحية».