نقولا ناصيف – الأخبار
قد تكون الحكومة الجديدة، بإضعاف أحجام كبيرة، والثلث +1، وتداعيات الخلافات التي نجمت عنها، ونبرة المواجهة التي يظهر فيها رئيسها، افضل تعبير متأخر عما رامه رئيس الجمهورية على اثر اعلان مراسيم حكومته الاولى في كانون الاول 2016
على اثر تأليف حكومة 2016، قال رئيس الجمهورية ميشال عون – وهو يضع لها مهمة محددة – انها حكومة الانتخابات النيابية فحسب، الا انها استمرت سنتين و12 يوماً. لم يعدّها يوماً حكومته الاولى، رغم انصرام اكثر من ثلث الولاية معها. على صورة التسوية الرئاسية عامذاك، بغية اختبار تعاون رئيسي الجمهورية والحكومة والتحقق من جدية الرهان على تعهّدات احدهما للآخر، بدا افرقاء الحكومة الاولى غداة تأليفها فريقاً واحداً: الذين انتخبوا عون، والذين ارغموا ذواتهم على الاقتراع له، والذين عارضوه. بيد انهم ليسوا شركاء في التسوية تلك، ولا على قدم المساواة بازائها.
تدريجاً، منذ صدور مراسيمها، ترسل الحكومة الثانية قبل ان ينقضي اسبوع على تأليفها، اشارات صريحة الى انها الحكومة الاولى.
بعض تلك الاشارات:
1 – تأكيدها ان التسوية الرئاسية المبرمة عام 2016 ليست مستمرة النفاذ فحسب، بل انتقلت الى مرحلتها الثانية بعدما تخلّصت – او تكاد – من بعض اثقال المرحلة الاولى. مفارقة انزال الاثقال تلك عن الاكتاف ان الفريقين المؤسسين لتسوية 2016، الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، تخلّص كل منهما من حليف كان يتكىء عليه، ويعوّل – وإن في الظاهر – على تحالفه معه: اضعف رئيس الجمهورية حليفه سمير جعجع كي ينزع عنه فكرة الشراكة المتكافئة في السلطة، فأضحى تمثيل حزب جعجع في الحكومة اربع حقائب نصفها حقائب دولة، واحدى هاتين نيابة رئاسة الحكومة التي لا تغني ولا تسمن ما لم تكن في ظل رئيس الجمهورية، في مقابل حصة الفريق المسيحي الآخر 11 وزيراً.
ليس اجراءً معتاداً ومألوفاً، وربما ليس طبيعياً، ان يضم الثلث+1 – في ظل حرارة التحالف بين الحريري وباسيل – وزيراً سنّياً مناوئاً لرئيس الحكومة، زائداً وزيراً درزياً مناوئاً للنائب السابق وليد جنبلاط. الاول اصر عليه حزب الله، والثاني تمسك به رئيس الجمهورية. كلاهما حليفان للحزب وصوتان اضافيان له، وخصمان للحريري الذي يعرف ايضاً ان التوصل الى تفاهم على توزيرهما كلّفه ستة من الاشهر الثمانية للتكليف.
بدوره رئيس الحكومة اضعف حليفه جنبلاط الذي كان تخلى لرئيس الجمهورية عن المقعد الدرزي الثالث. لم يشأ الحريري الانخراط في المواجهة مع جنبلاط سوى في الساعات القليلة التي سبقت صدور مراسيم الحكومة. الا ان ردود فعله المتصلبة اللاحقة بدءاً بدعوة مَن يناوئه – كجنبلاط – الى التنحي، دليل اضافي على ان لا حاجة للحريري بعد اليوم الى حلفاء الامس، وان في وسعه قيادة قطار لا يصعد فيه الزعيم الدرزي. ليست المرة الاولى يختلفان، الا انها المرة الاولى يتحدثان بمفردات لا تخفي فكرة الطلاق وسهولة استغناء احدهما عن الآخر.
2 – لم تبصر النور سوى الحكومة التي يريدها رئيس الجمهورية بالمواصفات والاحجام التي حددها لها منذ اليوم الاول للتكليف، ثم مع اصداره في ايلول الفائت بيان معاييره تأليفها، رافضاً اولى مسودات الرئيس المكلف آنذاك. ما دام الوزير جبران باسيل هو المفاوض الرئيسي لرئيس الجمهورية، فإن كل ما اشترطه تحقق كالثلث +1 وحصة رئيس الجمهورية وتقليص حصة القوات اللبنانية وانتزاع الحقائب منها بالتقسيط وكذلك منع جنبلاط من الحصول على المقعد الدرزي الثالث. شروط سمعها كثيرون من زوار الرئيس قبل ان يتولى باسيل فرضها في مرسوم التأليف بتفاهم صريح مع الحريري.
عون والحريري ينتقلان بتسوية 2016 إلى مرحلتها الثانية
مغزى ذلك ان ما اشترطه جنبلاط وجعجع للمشاركة في الحكومة لم يتحقق تماماً. لم يغامرا كثيراً بالتهويل بعدم الانضمام اليها، وليسا في وارد تركها في اي وقت. الاكثر ايلاماً انهما لم يعثرا في الشهرين الاخيرين للتكليف وصولاً الى الساعات الاخيرة على حليفهما التقليدي الحريري الى جانبهما.
3 – تدريجاً يتحوّل جنبلاط، وبدرجة اقل بكثير جعجع، من لاعب لا غنى عنه وقادر على قلب التوازنات الداخلية والتأثير فيها، على غرار الدور الذي اضطلع به ابان ولاية الرئيس ميشال سليمان، الى احد المكونات العادية في السلطة، شأن افرقاء آخرين غير مقررين. ليس في قلب دائرة القرار، ولا يسأل رأيه، ويُدعى فقط الى تلقف الصدمات.
4 – استكمالاً لمقتضيات التسوية الرئاسية ونتائجها الحتمية، اذ حملت باسيل داخل حزبه على ابعاد معظم مناوئيه واقصائهم، لم يكتفِ الحريري باعادة النظر في تحالفات متينة كان قد ارساها منذ عام 2005، وخصوصاً مع جنبلاط رأس حربة المرحلة تلك، بل انقلب على الذات ايضاً واخرج من حوله، في الانتخابات النيابية ثم الآن في الحكومة الحالية، طاقم والده الرئيس رفيق الحريري الذي احاط به لسنوات، كالرئيس فؤاد السنيورة والوزير السابق نهاد المشنوق، بعدما كان ابعد بنفسه فريقاً من مستشاريه هو بالذات بعد محنة الرياض في تشرين الثاني 2017.
يتصرّف رئيس الحكومة كأن زمن رجالات والده ولى، وكذلك سياساتهم وحججهم، وهو يحتاج في مرحلة تحالفه مع رئيس الجمهورية الى آخرين يشجعونه على المضي في خطته، ويبرّرون تحالفه مع باسيل، الجسر المأمون الذي يصله بحزب الله من دون ان يعبر عليه بالضرورة. ليس غريباً ايضاً ان الحريري الذي حمل منذ التكليف سلة فيتوات، راح تدريجاً يفرغها واحداً بعد آخر الى ان انتهى به المطاف الى آخر مناوراته المتعثرة، عندما رفض توزير النواب السنّة الستة قبل ان يسلّم بتخليه عن هذا الشرط وتوقيعه توزير ابن احد ألد خصومه في البقاع الغربي.