خبر

لبنان يَصدُم ماكرون

جوني منيّر – الجمهورية

 

أضرارٌ كثيرة وبالغة أصابت لبنان جراء التأخير في تأليف الحكومة. كانت العواصمُ الغربية مصدومةً لهذه الخفّة التي طبعت أسلوبَ تعاطي الأطراف اللبنانية في إنتاج حكومةٍ للبنان وسط ظروف خطرة ومعقّدة جداً.
لم يصدق الديبلوماسيون المكلّفون متابعة الملف اللبناني أن تكون الحسابات الشخصية والمصالح والجشع بلا حدود هي السبب الحقيقي لهذا الاستهتار في ملء الفراغ الحكومي.

فتّشت العواصم الغربية طويلاً في التعقيدات الإقليمية وهي قد تكون وجدت بعضاً من هذه التعقيدات، ولكن خلال الاشهر الثلاثة الأول من بدء الازمة، وتحديداً الى حين لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره اللبناني ميشال عون ومعه وزير الخارجية جبران باسيل في يريفان على هامش القمة الفرنكوفونية.

ولكن فيما بعد، بدت العُقد داخلية ومحورها حسابات خاصة لا عامة، لذلك نصح الموفد الاميركي ديفيد هيل بتفعيل الحكومة المستقيلة إذا كانت الولادة الحكومية غير متوافرة. وفي حين أخطأ هيل في تعبيره الذي حمل غمزاً ولمزاً إلّا أنه كان يقصد وجوبَ إيجاد سلطة تنفيذية بدلاً من إبراز صورة الدولة الفاشلة في خضم المخاطر الإقليمية.

ماكرون كان اكثرَ «المصدومين» ربما. هو لم يصدّق هذه «الأنانية» اللبنانية الطاغية والتي تكاد تقضي على الاقتصاد المنهار وعلى استمرار سير عجلة الدولة التي ينخرها الفساد ويغلب عليها الاهتراء. ولذلك أبلغ ماكرون الى الدولة اللبنانية تأجيلَ زيارته للبنان للمرة الثالثة ولكن من دون تحديد موعد جديد هذه المرة، وهنا مكمن الاستياء الذي أراد إظهارَه.

في التفسير الفرنسي الرسمي للبنان إنّ الزيارة التي يودّ القيام بها الى لبنان هي «زيارة دولة» وليست زيارة رسمية، إنسجاماً مع مبدأ ردّ لزيارة الرئيس اللبناني لباريس بعد انتخابه والتي كانت «زيارة دولة».

وزيارة الدولة لها اصولها وترتيباتها وهي تتضمّن توقيعَ اتفاقات بين حكومتي البلدين، وهذا مستحيل في ظلّ الفراغ الحكومي اللبناني.

لذلك، وفي سابقة لم تحصل في تاريخ العلاقات اللبنانية – الفرنسية، أرجأ الرئيس الفرنسي للمرة الثالثة زيارته للبنان لفترة لن تقلّ عن بداية الصيف المقبل على أقلّ تقدير، وفق ما تقوله اوساط ديبلوماسية فرنسية معنيّة بالزيارة، خصوصاً وأنّ «زيارة الدولة» تحتاج شهرين من التحضيرات، على أقل تقدير.

والاسوأ أنّ إستهلاك هذا الوقت من دون مسؤولية جعل لبنان أسيرَ التطورات الفرنسية الداخلية الصعبة ما دفع بالرئيس الفرنسي الى إعادة جدولة زياراته الخارجية وإلغاء بعضها مثل الزيارتين اللتين كانتا مقرّرتين الى العراق والأردن.

أما بالنسبة الى مؤتمر «سيدر» فلا شك أنه تلقّى ضربةً موجعة ولو أنّ القرار الفرنسي هو عدم إلغاء الاتفاق.

ذلك انّ الدول التي شاركت في المؤتمر نظّمت الديون التي وضعتها واستثماراتها وفق موازنة العام 2018. وهذه الدول، وبخلاف «الفوضى» في لبنان، تعمل على انجاز موازنتها لسنة 2019 نهاية كانون الثاني، او ربما منتصف شباط، حدّاً اقصى. ما يعني انها ملزَمة بصرف الاموال المرصودة. وبالتالي فإنّ هذه الدول إختارت أن تحوّل هذه المبالغ والاستثمارات الى دول في المغرب العربي وافريقيا في حاجة اليها.

أما بالنسبة الى لبنان فإنّ باريس ستضغط على الدول نفسها من أجل تجديد التزاماتها المالية من ضمن موازنة 2019، ولو انّ ذلك سيحتاج وقتاً اضافياً وكثيراً من الجهود.

والصعوبة الاضافية تكمن هنا في الواقع العسكري الضاغط الذي تحاول إسرائيل أن تفرضه على لبنان. فصحيح أنّ العواصم الغربية تدرك أنّ الحرب الشاملة التي تلوّح بها إسرائيل إنما تأتي في إطار الحرب النفسية لا الفعلية، إلّا أنّ المعروف في عالم الاموال والاستثمارات أنّ أوّلَ مبدأ في هذا الإطار هو أنّ رأس المال «أكبر جبان».

وخلال زيارة الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين برفقة قائد سلاح الجوّ لباريس أخيراً سمع الرئيس الفرنسي تهديدات إسرائيلية واضحة وتلويحاً حربياً سيطاول هذه المرة، ليس فقط «حزب الله» وبيئته، بل ايضاً الجيش اللبناني والدولة اللبنانية بكل مقوّماتها.

الجواب الفرنسي كان واضحاً في رفضه ومعارضته أيَّ عمل عسكري اسرائيلي، ولو أنّ ماكرون كان يدرك فحوى الرسالة بأنه تهويل اكثر منه انذاراً جدّياً، وذلك وسط مشكلة ترسيم الحدود البرّية وقبل الذهاب الى مؤتمر وارسو الذي يسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الى حضوره وأن يكون أحد خطبائه.

وبعد عودته الى إسرائيل قال ريفلين خلال مشاركته في المؤتمر السنوي لمعهد الدراسات للأمن القومي الإسرائيلي «إنّ هناك نيّة اوروبية لوضع خطوط حمر صارمة لإيران في الشرق الاوسط».

واعتبر «أنّ إيران تتغذّى من الفراغ السلطوي في سوريا والضعف البنيوي للدولة اللبنانية»، متوقّعاً أن تصعّد إيران من مستوى ردّها على إسرائيل، وواصفاً الوضع بـ«التصعيد والتعقيد».

لكن ما لم يقله ريفلين خلال المؤتمر قاله قائد سلاح الجوّ الاسرائيلي السابق أمير إيشيل الذي شارك في المحاضرات، فأكد «انّ التقديرات الإسرائيلية تستبعد الحربَ الشاملة»، وانّه مقتنع بأنّ «الضربات الجوّية الاسرائيلية لا تكفي لإخراج إيران من سوريا».

وقال: «لا توجد قدرة عسكرية لإخراج إيران من سوريا»، مستدرِكاً القول «إنّ روسيا وحدها هي التي تستطيع ذلك».

واضاف إيشيل أنه لا يعتقد «أنّ إسرائيل في طريقها الى الحرب»، ولكنه اضاف انه «يجب أن لا نوهم انفسَنا، فمن الممكن أن يتطوّر ذلك كما كاد يحصل مع اطلاق الصاروخ على جبل الشيخ والرد عليه». واعتبر «أنّ روسيا لن تسمح بالذهاب الى مواجهة شاملة».

وجاء هذا الكلام بعد ساعات على زيارة وفد روسي لإسرائيل ضمّ المبعوث الروسي الخاص الى سوريا الكسندر لافرينتييف ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، حيث التقى نتنياهو في أول زيارة رسمية روسية الى إسرائيل بعد ازمة إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا، ما شكّل مؤشراً الى زوال الأزمة بين روسيا وإسرائيل.

لكنّ الوفد الروسي الذي أبلغ الى رئيس الحكومة الاسرائيلية التزام موسكو أمنَإاسرائيل، فإنه ابلغ ايضاً الالتزامَ الروسي الثابت حماية نظام الرئيس السوري بشار الاسد.

وتحدث الوفد عن «تفهّم المصالح الامنية الاسرائيلية من المنطقة الممتدة من جنوب دمشق وحتى الجولان، ولكن وفق قواعد مضبوطة ومدروسة بعناية ولا تؤدّي الى الانزلاق في اتّجاه الحرب المفتوحة وهو ما ترفضه موسكو في المطلق».

في اختصار فإنّ هدرَ الوقت ورمي الفرص وإحراق الظروف تميّز به المسؤولون في لبنان، فيما الضغوط تتصاعد بسرعة وسط منطقة تعيش ظروفاً خطرة. فوسط هذا العرض السريع نلمس مدى الضرر الذي أُلحق بالبلد، وضرب المنفعة العامة لمصلحة المنفعة الخاصة.