خبر

المشاورات: مسلسل.. برِّي: الى المجلس.. الحريري: يومان.. باسيل: قلب الصفحة

صحيفة الجمهورية

 

إنتهت مهلة «أسبوع الولادة»، والجنين الحكومي أعطِي مهلة إضافية ليوم أو يومين لعلّ نموّه يكتمل منتصف الاسبوع الجاري، كما يرغب الرئيس المكلف سعد الحريري. الذي يبدو انه عاش تجربة مشاورات مرّة خلال الايام القليلة الماضية لم يتمكن خلالها من تحقيق الاختراق النوعي الذي وعد به.
بحسب الاجواء التي خلصت اليها مشاورات الحريري التي بدأها الاسبوع الماضي في بيروت واستكملها في باريس، انّ «أسبوع الولادة» الذي تحدث عنه الرئيس المكلف، يندرج في سياق «لعبة المواعيد» التي أكدت على مدى الاشهر الثمانية الممتدة منذ ايار الماضي وحتى اليوم، انّ الثابت الوحيد على خط التأليف هو سوء التقدير والدوران المتعمّد حول التعقيدات المانعة للولادة من دون الدخول الجدي في عملية نزع الالغام المزروعة فيها.

ضبابية وسلبية
عاد الرئيس المكلف من سفرته الباريسية، والمناخات المحيطة به تُحاذر الحديث صراحة عن فشل مشاورات الحريري، الّا انها تعكس ذلك في الاشارة الى انّ السائد في «بيت الوسط» حالياً هو شعور بعدم الارتياح لعدم تمكّنه من بلوغ الغاية المُرتجاة، وكذلك في إسدال ستار من الضبابية على المشاورات التي أجراها في باريس، وخصوصاً مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، وإن كان ما يرشح عن هذه المشاورات يَشي بمراوحة في السلبية.
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ الخلاصة التي أمكَن الوصول اليها في باريس، هي ان لا اتفاق على أيّ شيء، فعقدة «الثلث المعطّل» وإصرار فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عليه ما زالت مستعصية، وعقدة تمثيل «اللقاء التشاوري» بوزير يمثلّه حصراً أكثر استعصاء من ذي قبل، خصوصاً انّ المواقف حيال هذا الموضوع ما زالت في المربع الاول، وامّا محاولة إعادة خلط الحقائب الوزارية فتراوح في دائرة الفشل ورفض غالبية الاطراف الدخول في بازار المبادرة والمقايضة من جديد.

هذه الصورة، تصفها مصادر معنية بملف التأليف بـ«الفاقعة في سلبيتها، وتثبت بشكل واضح انّ الاسبوع الباريسي كان اسبوعاً ميتاً، وضاع أسوة بما سبقه، وقدم دليلاً اضافياً على انّ ملف التأليف مقبوض عليه من قبل لاعبين على حبل مصالحهم، محترفين فقط في تضييع الوقت وإعدام فرص انتشال الحكومة من عمق أزمتها».

خالي الوفاض
واذا كانت المؤشرات كلها تؤكد انّ الحريري عاد من باريس خالي الوفاض، فإنه أبلغ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في اتصال هاتفي بينهما أمس، أنه يحتاج الى فترة يوم او يومين لكي تتبلور الصورة النهائية بشكل كامل لديه على ان يبنى على الشيء مقتضاه في ضوء هذه الصورة. فيما اوساط الرئيس المكلف تحاول ان توحي بأنّ وميض أمل ما زال موجوداً في النفق الحكومي، عبر اشارتها الى انّ الرئيس المكلف ما زال يأمل ان يكون الحسم من الناحية الايجابية، وانّ الاسبوع الجاري سيكون حاسماً تحدد وجهته السلبية او الايجابية جولة اخيرة من المشاورات ينوي الرئيس المكلف إطلاقها.

التيار: مفاجأة
في هذا الوقت، علمت «الجمهورية» انّ الرئيس عون ما زال يترقّب ما ستُسفر عنه مشاورات الحريري، ويأمل ان يحمل إليه الرئيس المكلف نتائج ايجابية في القريب العاجل، بينما ما زالت اجواء «التيار الوطني الحر» تتحدث بجدية عن إمكانية الوصول الى خرق ايجابي في الجدار الحكومي. مشيرة بكثير من الثقة، الى احتمال حصول ما سمّتها «مفاجأة حكومية» قد تظهر في اي لحظة»، والايام القليلة المقبلة ستظهر هذا الأمر.

واللافت في هذا السياق ما أبلغه الوزير باسيل لـ«الجمهورية» بقوله انه «اذا جرى تعطيل محاولات الحل مجدداً، فإنّ البلد كله سيكون على حافة الهاوية»، لكنه رجّح «ان يتبيّن هذا الاسبوع احتمال حدوث تطور إيجابي من عدمه».

وعندما سُئل باسيل عن خياره إن لم تتشكّل الحكومة قريباً، ردّ قائلاً: «لا بد من قلب الصفحة إذا استمر التعثّر في الولادة الحكومية»، من دون ان يفصح عن المزيد. ويأتي كلام باسيل هذا تتمة لِما أكدت عليه أوساط التيار في الايام القليلة الماضية، من انّ الفشل في الوصول الى حل للملف الحكومي، سيضطرّ التيار لكشف الحقائق وتسمية الاشياء بأسمائها.

وقد زار باسيل امس رئيس الجمهورية، وأطلعه على نتائج لقاءاته في باريس مع الحريري. وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ باسيل أبلغ عون انّ الحريري «جاد» و«حاسم» في تقديم تشكيلة وزارية هذا الأسبوع، وانّ هناك اتصالات تم التوافق بشأنها في باريس سيجريها الرئيس المكلّف مع عدد من المعنيين بالتشكيلة الجديدة، بغية تذليل بعض العقبات التي تحول دون تبادل بعض الحقائب والتفاهم على الوزير السني السادس.

خيارات مفتوحة
وموقف التيار هذا تبعه موقف مماثل من أوساط تيار «المستقبل» التي اكدت على الوعد الذي قطعه الرئيس المكلف قبل سفره الى باريس، بأنّ فشل جهوده الحالية الرامية الى التسريع في تشكيل الحكومة سيدفعه حتماً الى ان يضع النقاط على حروف التعقيد.

على انّ اللافت للانتباه، هو ما أكدت عليه اوساط الحريري بعد عودته، إذ انها أبقت باب الخيارات مفتوحاً أمامه، ولكن من دون ان تحدد ماهيتها، فالقرار في شأنها في يد الرئيس المكلف الذي لا يملك احد سواه الخيارات البديلة عن التشكيل. وهو موقف فسّر كردّ غير مباشر على ما تردّد في الايام الاخيرة عن انّ الحريري بصدد اتخاذ قرار بالاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة، فيما لو بلغت جهوده الاخيرة الحائط المسدود.

وما ينبغي لحظه في هذا السياق، هو ما أوردته قناة المستقبل لناحية اعتبار الاسبوع الجاري «أسبوع الحسم، ومرحلة جديدة، ربما تشهد في خواتيهما ولادة الحكومة. وانّ الخيارات ما بعد عملية الحسم يملكها الرئيس الحريري وحده. وهو يصرّ على إنهاء الجدل المتواصل منذ اشهر حول الصيغة الحكومية، ويرفض أي شكل من أشكال الاستمرار في تجميد عملية التأليف».

وأبلغت مصادر بيت الوسط «الجمهورية» قولها انّ الأسبوع الجاري سيكون فاصلاً بين حدّين، والرئيس الحريري سيواصل في مساعيه ويهدف من تحركه الى الوصول لصيغة حكومية مقبولة من الجميع، وانّ على الأطراف الأخرى ان تتفهّم ذلك وتتجاوب مع مبادرته، فهو لا يتحمّل مسؤولية ما آلت اليه هذه المساعي إذا فشلت.

ما هي الخيارات امام الحريري؟
الجواب الاكيد لدى الرئيس المكلف وحده، وهو ما أكدت عليه اوساطه. الّا انّ مصادر سياسية رفيعة المستوى اكدت لـ«الجمهورية» انّ امام الحريري، في حال فشل التأليف، مجموعة خيارات، اولها الاعتذار، الّا انّ هذا الخيار ضعيف جداً، كونه ينطوي على مفاعيل شديدة السلبية سواء على المستوى السياسي او

في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي. والخيار الثاني هو الاعتكاف، وهو أمر بذات مفاعيل الاعتذار الّا انه سيبدو كإشارة عن ضعف وليس عن قوة. والخيار الثالث ان يتجاوز كل مطبّات التعقيد والتعطيل ويقوم بزيارة رئيس الجمهورية ويقدّم له تشكيلة وزارية، الّا انّ هذا الخيار يبدو ساقطاً سلفاً اذا كانت هذه التشكيلة غير منسجمة مع ما يطالب به فريق رئيس الجمهورية، وكذلك اذا كانت غير منسجمة مع مطالب «الثنائي الشيعي» لناحية تمثيل اللقاء التشاوري بوزير يمثّله حصراً، ثم كيف يمكن ان يقدّم تشكيلة الى رئيس الجمهورية طالما انه لم يتلقّ بعد أسماء الوزراء الشيعة الستة لحركة «أمل» و«حزب الله»؟ ويبقى خيار رابع وهو الاقرب الى الواقع، بأن يقرّر العودة الى ممارسة نشاطه الرسمي والمداومة في السراي الحكومي الى أن يقضي الله امراً كان مفعولا.

وكان الحريري، العائد الى بيروت ليل الاحد الاثنين، قد استأنف نشاطه الرسمي، والتقى عدداً من الشخصيات من بينها سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان كريستينا لاسن، وناقش آخر تطورات الجهود التي يبذلها في مشاوراته لتشكيل الحكومة. وأعلنت انّ «الغياب المستمر للحكومة بدأ يؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي للبنان وعلى حياة الكثير من اللبنانيين». كما ناقش الحريري ولاسن الأوضاع الاقتصادية الراهنة وجهود متابعة مؤتمر سيدر. علماً انّ مصادر ديبلوماسية غربية وجّهت تحذيرات الى لبنان من انّ «سيدر» في خطر، وانّ حظوظ لبنان منه تشهد ضعفاً متزايداً، والاموال التي قد يحققها لبنان منه قد تتحول في اتجاهات أخرى، مثل الاردن وغيرها.

وفي كلمة له، خلال مأدبة عشاء أقامها النائب السابق ميشال فرعون على شرفه، اعتبر الحريري أنّ «لبنان يملك فرصة هي «سيدر» وتحديات ماليّة، ولكنّنا نستطيع النهوض بالبلد متى تشكّلت الحكومة». مشيراً الى أنّ «الإصلاحات هي التحدي الأكبر أمام الحكومة الجديدة، وعلينا محاربة الفساد، وهذه معركة صعبة ولكنّنا نصرّ على هذا الأمر».

بري: الى المجلس
من جهة ثانية، يبدو انّ رئيس مجلس النواب قرّر التغريد خارج سرب مشاورات حكومية تراوح في دائرة الفشل. وتبعاً للأجواء غير المشجعة التي أشاعتها تلك المشاورات، أنهى فترة الانتظار التي حددها الاسبوع الماضي في حضور الرئيس المكلف، إفساحاً في المجال له لكي تبلغ مشاوراته الغاية المرجوة، وقوله صراحة: «إن تمكّنتم من بلوغ حلول وتأليف حكومة في هذه الفترة فذلك خير للبلد وافضل للجميع، والّا فأنا لن انتظركم، لأنني سأبادر فوراً الى عقد جلسات لمجلس النواب».

وأتبع بري كلامه هذا، بدعوة وجّهها أمس لانعقاد هيئة مكتب المجلس النيابي ظهر غد الاربعاء، في عين التينة، لتحديد جدول اعمال جلسة تشريعية قد يدعو اليها الاسبوع المقبل، وفي مقدمة جدول اعمالها بنود تتعلق بالفيول، واليوروبوند، اضافة الى البند الاساس الذي يتعلق بإجازة الصرف على القاعدة الاثني عشرية، الذي يحصره الدستور بشهر كانون الثاني، ومعنى ذلك انّ هذا الصرف سيتعذر بعد 31 كانون الثاني، ووزارة المالية لن تستطيع ان تصرف قرشاً واحداً في غياب نص قانوني يُجيز لها ذلك.

إنعقاد استثنائي
الى ذلك، وفيما باتَ محسوماً انّ خيار تفعيل حكومة تصريف الاعمال قد اصبح خارج التداول الجدي، خصوصاً انّ هذا الخيار يتعارض مع النص الدستوري، الذي يحصر وظيفة هذه الحكومة في النطاق الضيق لتصريف الاعمال، وليس الاجتماع واتخاذ القرارات، فإنّ هناك همساً متزايداً لدى بعض الاوساط المحيطة ببعض المراجع الرسمية والسياسية حول عدم تمَكّن مجلس النواب من الاجتماع كهيئة تشريعية عامة في ظل حكومة تصريف أعمال، وفي غياب حكومة كاملة المواصفات والصلاحيات، اضافة الى انّ هناك مانعاً اساسياً امام انعقاد المجلس وهو وجوده خارج دور الانعقاد العادية، وعدم وجود مرسوم بفتح دورة استثنائية يجيز له الانعقاد.

وأبلغت مصادر مجلسية «الجمهورية» قولها انّ القول بعدم تَمكّن المجلس من الانعقاد في هذه الفترة ليس في محله على الاطلاق، إذ انّ انعقاده ليس مقيّداً بأيّ مانع. فالمجلس سيّد نفسه، ويمكنه الانعقاد والتشريع حتى في غياب الحكومة، فضلاً عن انه سبق له وعقد جلسات تشريع في أوقات سابقة في ظل حكومة تصريف الاعمال.

والأهم في ما تقوله المصادر المجلسية هو: صحيح انّ المجلس النيابي خارج دور الانعقاد العادية التي يحددها الدستور في المادة 32، الّا انه في هذه الفترة محكوم بنص المادة 69 من الدستور – البند 3، الذي ينصّ حرفياً على الآتي: «عند استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة، يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونَيلها الثقة». هذا النص واضح ولا يجوز إخضاعه لتأويلات او تفسيرات او لمزايدات سياسية.