خبر

فوتيل في لبنان: ما يحوط بالزيارة وظروفها

جورج شاهين – الجمهورية

 

بدأ قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل زيارة لبيروت تكتسب أهمية بالغة، فهو عائد منذ ايام من واشنطن بعدما شارك في اجتماعات رؤساء الأركان عقب «عملية منبج» التي استهدفت قواته، وبعد ايام على جولة وزير الخارجية مايك بومبيو في المنطقة وزيارة نائبه للشؤون السياسية ديفيد هيل للبنان. فما هو المنتظر من زيارة فوتيل وظروفها؟
ليست المرة الأولى التي يزور فوتيل بيروت، فهو يزورها ثلاث او اربع كل عام منذ تسلّمه مهماته الجديدة خلفاً لوزير الدفاع المستقيل جيمس ماتيس. لكن للزيارة هذه المرة عدة معان، فهي بالدرجة الأولى زيارة مؤجلة منذ شهرين تقريباً حيث ألغاها عندما فوجىء في 2 كانون الأول الماضي بنبأ انتحار قائد الأسطول الخامس الأميركي في أحد فنادق البحرين.

ولذلك، فإنّ الزيارة تكتسب اهمية بالغة نظراً الى الظروف التي سبقتها وتزامنت معها، والتي يمكن الإشارة اليها بالآتي من الأحداث:

– إنها الزيارة الأولى للبنان بعد تفجير منبج الذي استهدف قوة اميركية وقتل 4 من عناصرها وجرح أكثر من 15 آخرين. وبعد شهر من قرار الرئيس الأميركي بسحب القوات الأميركية من سوريا ونقلها الى القواعد الأميركية في العراق، للبقاء على مقربة من سوريا وضمان استمرار العمليات الجوية التي يشنّها الحلف الدولي ضد الإرهاب على الأراضي السورية.

– إنها الزيارة التي تتزامن مع المفاوضات الأميركية مع تركيا والأكراد لترتيب مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من منبج والشمال السوري، والاتفاق على ما سيكون عليه الوضع في المدينة ومنع القيام بأيّ عمل عسكري بين الطرفين، وضمان عدم إفادة النظام السوري او «داعش» من هذا الإنسحاب. وهو المحظور الأميركي الوحيد الذي أظهرته المفاوضات الأميركية مع مختلف الأطراف حتى موسكو، التي تطالب بأن تشغل القوات السورية النظامية المناطق التي سيُخليها الاميركيون.

– تأتي الزيارة عشية القمة التركية – الروسية المقررة غداً، والمخصصة للوضع في الشمال السوري، وعقب الإتصال الهاتفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتركي اردوغان الذي تناول خلفيات العملية التي استهدفت «المارينز» في منبج ومصير التفاهمات الثنائية حول المدينة وما تبقى من الأراضي الواقعة غرب مجرى الفرات، والتي تطالب بها تركيا منذ أن أوقفت عملية «درع الفرات» عند أبواب منبج.

– لا يمكن تجاهل انّ الزيارة تأتي على وقع الغارات التي استأنفها الطيران الإسرائيلي في سوريا عقب التفاهمات الجديدة بين تل ابيب وموسكو، بعد إسقاط الطائرة الروسية في 17 ايلول الماضي قبالة الشاطىء السوري وهي في طريقها الى «قاعدة حميميم».

كل هذا يجري على وقع الغارات المكثفة في الأيام المنصرمة التي توزّعت ليلاً ونهاراً على ريفي دمشق الجنوبي والغربي ومطاراتها المدنية والعسكرية، التي تعتبرها اسرائيل قواعد للقوات الإيرانية وحلفائها «حزب الله» والفصائل الأخرى.

كذلك تأتي الزيارة بعد ايام على جولة بومبيو في المنطقة، وزيارة نائبه هيل لبيروت حيث أجرى محادثات مع رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة والقادة العسكريين، تناولت الملفات التي تقلق لبنان سواء على مستوى ترددات التحضيرات الجارية لمؤتمر بولندا الخاص بالحرب على ايران وحلفائها في المنطقة والعالم، كذلك بالنسبة الى الانسحاب الأميركي من سوريا والعقوبات المفروضة على ايران و»حزب الله» والحلفاء.

ولا يتجاهل المراقبون الإشارة الى العقوبات المالية المفروضة على «حزب الله» وتلك التي ستطاول قريباً تصدير النفط الإيراني لهدف تجفيف مصادر تمويل الارهاب، عدا عن موضوع تأليف الحكومة والشروط الأميركية لاستبعاد «الحزب» عن الحقائب التي تتعاطى مع المؤسسات الدولية ومنها وزارة الصحة، والغَمز من قناة مصير حقيبة وزارة المال التي لم يتجرأ الأميركيون على البوح بها مباشرة حيث التزم هيل بنصيحة ترجمت بزيارة مغلقة لوزير المال بدلاً من الكلام علناً عن «فيتو» جديد في الملف المالي، مخافة أن تلحق إشارة من هذا النوع ضرراً بالغاً بالمالية اللبنانية العامة.

ومن هذه المنطلقات، ينتظر لبنان زيارة فوتيل بالتحضير لسلة من الملفات التي يهتم بها كونه أكثر المعنيين بما يجري في المنطقة من العراق والكويت ودول الخليج العربي الى سوريا ولبنان، حيث تمتد سيطرته في المنطقة الوسطى للجيش الأميركي وبات على علاقة مميزة مع القادة اللبنانيين ولاسيما العسكريين منهم، وهو من سيترجم القرارات الأميركية مباشرة في سوريا والمنطقة.

ويراهن البعض على موقف فوتيل المناصر للمؤسسات العسكرية والأمنية في لبنان، فهو أول القادة الأميركيين الذي شهد ميدانياً من تلال عرسال والقاع على انتصارات المؤسسة العسكرية ضد الإرهاب، قبل ان يُدلي بشهادته أمام رئاسة الأركان في واشنطن وامام الكونغرس بفاعلية الجيش، وأوصى بالاستثمار في سلاحه ودعمه. وهو ما أدى الى استثناء لبنان من أن تطاوله القرارات الخاصة بتقليص المساعدات العسكرية الخارجية للدول الصديقة وجيوشها.

وفي أي حال، فإنّ السفارة الأميركية في بيروت نظّمت لفوتيل جولة سياسية وعسكرية يلتقي خلالها رئيس الجمهورية والمسؤولين الكبار وقيادة الجيش، بغية تأكيد توجهات واشنطن التي تفصل بين دعم المؤسسات العسكرية والأمنية وبين الإصرار على المحاسبة والمساءلة السياسية والحكومية والمالية، في إطار المواجهة المفتوحة بين واشنطن من جهة وطهران وحلفائها من جهة أخرى في المنطقة.