خبر

رياض سلامة… “الله يساعدك”

 

دافيد عيسى

إذا كان من مسؤول في الدولة اللبنانية يتحمّل ضغوط المرحلة والتبعات المالية والاقتصادية للأزمة الحكومية والسياسية… وما زال يشكّل مصدر ثقة واطمئنان فهو حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة.
الأزمة التي يمرّ بها لبنان منذ ما بعد الانتخابات النيابية الأخيرة أنتجت مضاعفات وتداعيات على الصعيد المالي والاقتصادي لم تشهد لها مثيلاً في تاريخ الأزمات التي عرفها لبنان على مرّ السنوات الماضية والاخيرة.
ورغم هذه الضغوط الهائلة نجح رياض سلامة في ضبط الأوضاع المالية وإبقائها تحت السيطرة لما يختزنه من خبرة متراكمة وما يمتلكه من مهارات وتجارب وما أثبته دوماً من نجاح وصوابية في سياساته وهندساته المالية التي مكّنت لبنان من اجتياز أدق الأزمات وأخطرها في السنوات الـ 14 الماضية والتي كانت حافلة بأحداث جسام بدءاً من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحرب تموز مروراً بتداعيات الأزمة المالية العالمية عام 2008 وحروب وعواصف الربيع العربي وحرب سوريا وصولاً إلى أزمة الفراغات اللبنانية الرئاسية والحكومية مترافقاً مع أوضاع داخلية وأوضاع إقليمية خطرة.
في كل مرة كان يحدث خطب أو تأزم، وفي كل مرة يواجه لبنان أزمة داخلية أو ضغوطاً خارجية من الطبيعي أن يكون القلق الأول والأكبر على الوضع النقدي والمالي لأنه في أساس صمود لبنان ومناعته، وفي كل مرة تتجه الأنظار إلى رياض سلامة وتعلق عليه الآمال والثقة بقدراته ومواهبه، وينظر إليه كصمام أمان، الثقة بهذا الرجل كبيرة والعلاقة بينه وبين الشعب اللبناني بكل طبقاته وقطاعاته وميوله علاقة خاصة ومتينة قائمة منذ سنوات على الثقة والتجارب.
عندما أعلنت العقوبات الأميركية على “حزب الله” وشرع في تطبيقها، لم يكن للمسألة أي انعكاس أو تأثير سلبي لا على القطاع المصرفي ولا على النظام المالي ولا على الاستقرار النقدي، لا بل تحولت هذه التجربة إلى مناسبة لإثبات متانة وسلامة المصارف اللبنانية والتزامها بالمعايير والموجبات الدولية وهذا بفضل حكمة ودراية رياض سلامة، وعندما اشتدت الضغوط والضائقة الاقتصادية والمالية بسبب عدم تشكيل حكومة جديدة وتراجع حاد في الدورة الاقتصادية وعدم ترجمة نتائج سيدر، ارتفعت المخاوف والهواجس بشأن الاستقرار النقدي والقدرة على الاستمرار في حماية الليرة وسعر صرفها، ولكنها اصطدمت بجدار الأمان والثقة الذي رفعه عالياً رياض سلامة.
وسط كل أجواء البلبلة ظل رياض سلامة محافظاً على هدوئه وتماسكه لأنه يعرف ما لديه وأي أوراق وضمانات في يده، وكان كافياً أن يطل من قصر بعبدا بعد زيارات منتظمة زادت وتيرتها في الفترة الأخيرة ليبدّد بكلمات قليلة مخاوف كثيرة.
وعندما حصل قبل أيام لغط وكلام ملتبس عن إعادة هيكلة أو جدولة للدين العام وانعكس الأمر سلباً على الثقة الدولية بمصداقية الدولة وقدرتها على الإيفاء بكامل التزاماتها، لم يتأخر رياض سلامة في وضع حد لهذا الاضطراب وزرع البلبلة والنيل من صدقية الدولة وهيبتها المالية، فكان الاجتماع في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبإيحاء من حاكم مصرف لبنان الذي قطع زيارته الى الخارج وعاد الى بيروت ليلملم الوضع، وكانت الرسالة المتماسكة التي صدرت عن الدولة اللبنانية وكان لها أبلغ الأثر في الأوساط والأسواق المالية التي تفاعلت إيجاباً وبسرعة وترجم ذلك في استعادة سندات اليوروبوند في ساعات ما خسرته في أيام وفي عودة الأسواق المالية وعودة المؤشرات والأرقام اللبنانية في هذه الأسواق إلى وضعها الطبيعي…
صحيح أن رياض سلامة يتمتع بوضوح في الرؤية وسياسة حكيمة وصلابة موقف ويثبت أنه رجل قرار ومصدر ثقة وعلى حق وصواب في خياراته وهندساته المالية وفي الأولوية المطلقة التي يعطيها للاستقرار النقدي… ولكن الصحيح أيضاً أن رياض سلامة يعمل في ظل أوضاع صعبة وضاغطة وفي بيئة سياسية وإعلامية غير مساعدة تحاصره في أحيان كثيرة بالشائعات المغرضة والأخبار المفبركة الصفراء والمدسوسة، وهذه الشائعات يمكن أن تحدث بلبلة ولكنها لا تغيّر شيئاً في الواقع النقدي والمالي ولا في الإرادة الصلبة لرياض سلامة وفي خياراته، وما تلبث أن تنكفئ وتظهر على حقيقتها وترتد على أصحابها…
وثمة وجه آخر للضغوط التي يواجهها رياض سلامة عندما يراد منه أن يتصدى لمجمل الأزمة المالية والاقتصادية ويضع الحلول لها، وعندما يجري تحميله أكثر من طاقته وهو الذي تحمّل الكثير، لا بل أكثر من دوره ومهامه ومسؤوليته، رياض سلامة لا يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الدولة التي نخرها “الفساد السياسي والإداري”، ولا يتحمل مسؤولية السياسات والممارسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة وللمسؤولين على كافة مستوياتهم.
رياض سلامة يقوم بأكثر مما هو مطلوب منه وبما يتجاوز دوره متجاوزاً كل محاولات العرقلة والإساءة وغير عابئ بحملات أو إشاعات أو استهدافات لشخصه أحياناً و”لهندساته” وخططه أحياناً كثيرة من قبل محللين غوغائيين يفتشون عن أدوار، أو إعلاميين معروفي الأهداف وأين يصبون ومن أين يقبضون.
رياض سلامة يقوم بدور إنقاذي حقيقي، يقاتل على جبهات عديدة، بفضله يتجاوز لبنان قطوعاً نادراً ويحافظ على استقراره النقدي وقطاعه المصرفي، ولولاه لسلكت الازمة الطريق السريع إلى الانهيار الشامل… ومع هذا فهو في وضع لا يحسد عليه، فهو محاصر حصاراً سلبياً بالإشاعات والحملات من بعض الموتورين والحاقدين والمرتشين وحصاراً إيجابياً بالآمال العريضة المعلقة عليه من أغلبية اللبنانيين الاوادم الخائفون على مدخراتهم وتعويضاتهم وجنى حياتهم ومستقبلهم وتطالبه بالمزيد وبالتوسع وتجاوز صلاحياته وأدواره…
رياض سلامة بعد كل ذلك لا يسعني القول لك إلا… الله يساعدك.