خبر

إشتباك سياسي بعد القمة.. وخلاف على بند النازحين أحاله الى رؤساء الوفود

صحيفة الجمهورية

 

لاحت في الأُفق أمس مؤشرات على اشتباك سياسي حاد ستشهده البلاد إثر انتهاء أعمال القمّة الاقتصادية العربية غداً الأحد، وسيزيد من حدّته الخلاف المستحكم حول ملف التأليف الحكومي والمتواصل، منذ كان تكليف الرئيس سعد الحريري قبل نحو ثمانية اشهر. وهذا الاشتباك، اسّس له الخلاف بين المسؤولين على جدوى انعقاد القمة، حيث انقسموا بين مؤيّد لها، معولاً عليها اهمية بالنسبة الى مستقبل البلد والثقة العربية به، وبين معارض نادى بتأجيلها، لأنّها تنعقد في وضع عربي ملتبس ولا يعوّل عليها ان تقدّم جميلاً للبنان في هذه الظروف.
وكانت فعاليات القمة العربية قد انطلقت امس، باجتماع مجلس وزراء الخارجية والاقتصاد العرب برئاسة لبنان، الدولة المضيفة. وألقى كلمة الافتتاح وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل، الذي دعا العرب الى «احتضان لبنان وعدم تركه».

الى ذلك، أكّد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بعد لقائه الرئيس سعد الحريري، «أنّ الأزمة السياسية في لبنان مضى عليها بعض الوقت، لكني أعتقد أنّ اللبنانيين أنفسهم قادرون على التوصل إلى تسوية مرضية تحقق المصلحة لهذا البلد، الذي أسميه دائماً البلد المتحضّر والأنيق بالفعل. وأتصوّر أنّ الوصول إلى تشكيل الحكومة وإطلاق لبنان لطاقاته سيؤكّدان الاستقرار، وهو المسعى الذي ينبغي أن نعمل جميعاً من أجله». وقال: «هناك إحساس بأننا نقترب من نهاية هذا الوضع».

عناوين خطاب عون
والى ذلك علمت «الجمهورية» ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بات في مرحلة وضع اللمسات النهائية على نص خطابه امام القمة العربية.
وفي المعلومات ان الجانب الإقليمي يغلب على الشأن الداخلي في الخطاب. وسيركز على الدور المطلوب من الجامعة العربية مكرراً ما تضمنته خطابات سابقة له في قمم عربية سابقة والمواقف الداعية الى تعزيز دورالجامعة في مجالات عدة تقود الى مزيد من التعاون في مختلف المجالات ولا سيما منها التنموية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية.

وعلمت «الجمهورية» ان عون سيطلق مبادرة جديدة تقع تحت عناوين تنموية واجتماعية واقتصادية وتستند الى الإفادة القصوى من القدرات والثروات العربية لتبقى ملكا لشعوبها.

ويخصص عون قسما من الخطاب لازمة النازحين السوريين داعيا العرب والمجتمع الدولي الى موقف من هذه القضية ومساعدة لبنان على تجاوز الكلفة الباهظة التي يتكبدها وتأكيد حق النازحين بالعودة الآمنة الى بلادهم.

وفي الجانب الداخلي سيركز عون على الجهود المبذولة لمواجهة الإرهاب وتعزيز الأمن والإستقرار في لبنان كذلك بالنسبة الى تجاوز الأزمة الحكومية والتفرغ لمواجهة كثير من الإستحقاقات الإقتصادية والإدارية ومواجهة الصعوبات الإقتصادية التي يشهدها البلد

بند النازحين
وومن جهة أخرى علمت «الجمهورية» ان بند النازحين السوريين شهد مناقشات حادة في اجتماع وزراء الخارجية ولم يتم التوصل الى صيغة نهائية له بعدما تعددت التوصيفات حول العودة الى الأراضي السورية. فربط بعض الوزراء هذه العودة بالحل السياسي ولمح بعضهم الى ان الجانب السوري النظامي منع عدد من السوريين من العودة الى مناطق يعتبرونها «حساسة» عدا عن الحاجة الى الغاء بعض القرارات التي تعوق عودة البعض الى مناطقهم لأسباب ديموغرافية وطائفية.

ولم تفلح الجهود التي بذلها لبنان من اجل توحيد الموقف من وضع برنامج عاجل للعودة الى المناطق الآمنة التي توسعت في سوريا الى مرحلة متقدمة بعدما بسط النظام سيطرته على معظم المناطق السكنية في المحافظات والمدن الكبري ومحيطها. واظهرت المناقشات فرزا عربيا واضحا بين دعاة «العودة الطوعية» التي رفضها لبنان من دون ربطها بالحل السياسي الذي قد يطول في سوريا الى امد غير محدد، و«العودة الآمنة»، وشدد الجانب اللبناني على اهمية نقل المساعدات التي يتلقاها النازحون في لبنان الى الداخل السوري تسهيلا لعودتهم الى بلادهم وضمان استقرارهم فيها.

وتقرر رفع بند النازحين الى القمة العربية على مستوى رؤساء الوفود للبت به غداً الأحد، وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الجمهورية» ان باسيل سيجري مشاورات لتسويق «الصيغة اللبنانية التي يراها مناسبة ليس للبنان فحسب بل لدول الجوار السوري والأردن واحدة من هذه الدول التي تتلاقى ولبنان في الموقف من هذا الملف».

هزال التمثيل
وفي آخر مسلسل الإعتذارات عن المشاركة في القمة العربية تبلغ لبنان امس اعتذار رئيس الحكومة العراقية ورئيس الوفد العراقي ممثلا رئيس الجمهورية عن عدم قدرته في الحضور الى بيروت.

وكانت مسألة هزال تمثيل الدول المشاركة في القمة ظلت طاغبة على ما عداها، في اعتبار انّ لبنان الرسمي كان يعرف مسبقاً انّ اهمية هذه القمة لا تكمن في جدول اعمالها الذي أُقِرّ بكامله امس، بل في كونه مؤشراً الى قدرة لبنان في إثبات عودته الى الساحة الاقليمية. وقد أظهرت نوعية التمثيل، انّ لبنان فشل في النجاح في هذا التحدّي الذي ارتضاه عندما قرّر استضافة القمة، على رغم من التحدّيات القائمة.

ومن البديهي، فإنّ تداعيات هزالة التمثيل، وما انتهى اليه المشهد الذي سيرتسم غداً الاحد في مؤتمر القمة المخصّص أساساً للزعماء والرؤساء العرب، سيكون بمثابة خيبة اضافية قد تكون لها تداعيات وارتدادات غير حميدة قد تتظهّر اكثر بعد القمة. وبدلاً من جني المكاسب، قد يحصد لبنان مزيداً من مواد التفجير السياسي الداخلي، على خلفية تبادّل الاتهامات بالوقوف وراء تفويت فرصة عودة لبنان الى الخريطة الاقليمية من بوابة القمة العربية.

تغريدة جنبلاطية
وكان البارز في المواقف من القمة، تغريدة لرئيس الحزب «التقدمي الاشراكي» وليد جنبلاط قال فيها: «بالرغم من تعطيل القمة من القوى الظلامية ستبقى بيروت عاصمة الأمل والثقافة والفرح والتحدّي والتنوّع».

لكن جنبلاط سارع لاحقاً وحذف من هذه التغريدة عبارة: «بالرغم من تعطيل القمة من القوى الظلامية»، مبقياً على ما تبقى من النص وهو: «ستبقى بيروت عاصمة الفرح والموسيقى والتنوع والثقافة».

إنسداد قاتل
من جهة ثانية، اذا كانت القمّة قد حجبت الاهتمام عن ملف تأليف الحكومة، إلاّ انّ الاجواء المحيطة به، بحسب ما عكستها مصادر معنية، توحي بوجود انسداد وصفته بـ»القاتل»، ما يعني انّ الافق الحكومي بات «سميك» التعطيل، الى حد لم تعد تنفع معه اي محاولات لاختراقه، خصوصاً انّ المحاولات الماضية قاربته بالتحايل والهروب الى الامام بأفكار لا تمت الى الحل بصلة.

واستغربت المصادر تغليب الامور الثانوية على الاساسيات اللبنانية. فالقمة الاقتصادية العربية ثبت بالملموس انّها أقل من ثانوية ولا تسمن ولا تغني من جوع عربي أو لبناني، وبالتالي كان الأجدى لو لم يستغرق بعض اللبنانيين في هذه المسألة الثانوية وانصرفوا عوضاً عن ذلك الى محاولة البحث عن مخارج فعلية لتشكيل الحكومة التي تقترب من نهاية الشهر الثامن من التعطيل.

هذه الصورة المعطلة، على ما تقول المصادر، تفتح الباب على تعقيد اكبر، خصوصاً وانّ جهات معنية بالملف الحكومي اخرجت الى العلن همساً بضرورة «بق البحصة» الى حد قلب الطاولة وإعادة طرح الملف الحكومي من جديد. فالوضع أخذه المعطلون الى الحد الذي فُقدت معه كل التعابير في تحديد وضعه المقيت والسوء الذي بلغه، خصوصاً وانّ الازمة المالية بدأت تطل برأسها في اكثر من عنوان، وصراخ الخبراء الاقتصاديين يتعالى في الغرف المُغلقة أمام المسؤولين السياسيين والماليين، لأنّ الامر اقترب من حافة عدم القدرة على تداركه والسقوط في أزمة لا خروج منها.

«على همّة الحريري»
والى ذلك، تفيد معلومات لـ«الجمهورية» أنّه على رغم الجدل السياسي الذي يرافق انعقاد القمة الاقتصادية العربية ووصل صداه الى الشارع، والإنشغال بالتحضير للقاء بكركي الأخير، فإنّ الاتصالات في شأن الملف الحكومي لم تتوقف. وأوضح الوزير جبران باسيل أنّه «بغض النظر عن التحضيرات للقمة الاقتصادية العربية في بيروت والإشكالات التي رافقتها، فإنّ الاتصالات في شأن الحكومة لم تتوقف»، مشيراً الى «إصرارنا على ولادة الحكومة، وهناك مقترحات لدى الحريري، على أن نبقى محافظين على حقنا في التمثيل ونجد حلاً يساهم فيه الجميع». وأكّد أنّ التأليف على «همّة رئيس الحكومة المكلّف وأنا أساعده». وأضاف: «أما بالنسبة الى «حزب الله» فهو يطالب للفريق السنّي المعارض بأن يتمثل، وهمّ أصحاب حق. هناك مشكلة في الشكل كان يُفترض أن يعالجوها ولم يفعلوا». وأكّد أنّه «يتمّ العمل على حلّ، لكن شرط أن يتمثل أحد النواب السنّة الستة لن يتحقق أبداً»، جازماً «نحن نفتش عن جواد عدرا آخر. لقد حصل اتفاق والتزمنا به، وليس نحن من دعا الى مؤتمر صحافي وأعلن سحب إسم جواد عدرا».

وكان لافتاً في هذا السياق، إعادة مصادر في «التيار الوطني الحر» المشكلة الى أساسها «لأنّ «القوات اللبنانية» نالت 4 وزراء فيما حقّها بـ3، والوزير الرابع كان يمكن أن يمنع حدوث مشكلة تمثيل سنّة المعارضة»، مع تأكيد هذه المصادر أنّ «إقتراح الـ 32 وزيراً لا يزال الأكثر تداولاً وقابلية للتحقيق».

الكرة عند الحريري
وقال قطب نيابي لـ«الجمهورية» إنّ «الحكومة يمكن ان تُؤلّف في اي وقت في حال وافق المعنيون على تمثيل «اللقاء التشاوري» واعتمدوا وحدة المعايير في تمثيل جميع الافرقاء السياسيين في الحكومة، من جهة اعداد الوزراء ونوعية الحقائب الوزارية التي ستُنسَب الى هذا الفريق او ذاك».

وجزم هذا القطب في «أنّ ما يعوق تأليف الحكومة هي العوامل الداخلية وليس الخارجية التي يحاول بعض الداخل التذرّع بها للتهرّب من تقديم ما هو مطلوب منه من تنازلات لتسهيل الولادة الحكومية، وهذه التنازلات ليست بتنازلات بمقدار ما هي اعتراف بنتائج الانتخابات النيابية التي جرت على اساس النظام النسبي واسقاطها على عملية تأليف الحكومة، لتعطي كل ذي حجم حجمه، بما يحقق عدالة التمثيل الوزاري للجميع بعد التمثيل النيابي الذي تحقق في الانتخابات».

واكّد القطب النيابي نفسه «انّ الكرة هي في ملعب الرئيس المكلّف دون سواه، اذ عليه ان يبادر الى تمثيل «اللقاء التشاوري» من ضمن حصّة الطائفة السنّية لا ان يلقي الامر عند رئيس الجمهورية، سواء تبادل معه بوزير مسيحي مقابل وزير سنّي أم لا، فهو الجهة المخولة التأليف بالدرجة الاولى ولا شأن لـ«اللقاء التشاوري» لينال تمثيله من حصة رئيس الجمهورية».

وفي رأي القطب، «انّ الحريري لا يريد ان يعترف انّه لم يحقق التمثيل الذي كان يصبو اليه في الانتخابات النيابية، فهذا التمثيل نقص ولكنه لم يصل الى مستوى الهزيمة كما يحاول البعض تصوير واقع الحريري. فما حققه الرجل من تمثيل مقبول وهو ما كان متوقعاً بالنسبة اليه وللآخرين نتيجة اعتماد النظام الانتخابي النسبي الذي يفرض على الجميع ان يقرّوا بواقع انّه لم يعد في امكانهم الاستمرار في القبض على التمثيل الشامل للبيئات التي ينتمون اليها، وبالتالي عليهم القبول بالتنوع الذي اظهرته نتائج الانتخابات في كل البيئات السياسية والطائفية والمذهبية».

وعلمت «الجمهورية» أنّ باسيل حاول في الآونة الاخيرة إقناع الحريري بحل عقدة تمثيل «اللقاء التشاوري» بالتخلّي عن تمثيل كتلة الرئيس نجيب ميقاتي بوزير سنّي وإعطائه لـ«التشاوري»، لكن الحريري رفض هذا الاقتراح، متمسكاً باتفاقه مع ميقاتي على تمثيل كتلة «الوسط المستقل» بوزير سنّي. وتبيّن انّ باسيل اراد من هذا الاقتراح قطع الطريق امام تمثيل «التشاوري» بالوزير السنّي الذي أعطاه الحريري لرئيس الجمهورية مقابل حصوله على وزير مسيحي من حصّة الرئيس.

«اللقاء التشاوري»
وقال احد نواب «اللقاء التشاوري» لـ«الجمهورية» انّ «اللقاء» علم بهذه المحاولة الباسيلية، ولكنه لم يتوقف عندها، متمسكاً بأن يتم تمثيله عبر توزير احد اعضائه أو احد الاسماء الثلاثة المرفوعة الى المراجع المعنية. واكّد انّ «اللقاء» يريد من المعنيين بالتأليف، اي رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، ان يتخذا قراراً واضحاً باعطاء «اللقاء التشاوري» حقّه في التمثيل، وأنّ «اللقاء» لن يتدخل في أي تفاصيل أُخرى تتعلق بتصرّف عون والحريري في هذا الصدد.
وأضاف النائب: «انّ ملف التأليف دخل في سبات عميق ولن يشهد اي تطورات جديدة سلباً او ايجاباً الا بعد انتهاء اعمال القمة، ما يعني أنّ على الجميع الانتظار حتى الاسبوع المقبل حتى تتجدّد الاتصالات والمساعي في هذا الصدد.

الموازنة
اقتصادياً ومالياً، شدّد اقتصاديون بعد لقاءات عقدوها مع مراجع كبرى مسؤولة على ضرورة ان تُقرّ الموازنة العامة للسنة الجارية، وقال هؤلاء لـ«الجمهورية»: «انّ إقرار الموازنة يُعتبر عملاً وقائياً، من شأنه ان يضبط الواقع المالي للدولة، ويُخرج البلاد من حالة الفراغ المالي الحاصل اعتباراً من بداية السنة، حيث دخلنا في الصرف على القاعدة الاثني عشرية، على غرار ما كان سارياً خلال السنوات العشر السابقة لإقرار موازنة العام 2018، والتي عاش البلد فيها في وضع مهتز مالياً، وصرف عشوائي، ومليارات فُقدت وذهبت هباءً منثوراً بلا رقيب او حسيب، وانعدمت المشاريع، التي هي اصلاً تعاني الانعدام والشح».

وقالت مصادر معنية لـ«الجمهورية» انّ «الحريري موافق على اقرار الموازنة، الّا انّ هذا الامر يتطلب أن تُعد الحكومة مشروعها وتقرّه في مجلس الوزراء أولاً، ومن ثم تحيله الى المجلس النيابي. إلا انّ العائق امام هذه الخطوة هو وجود اعتراض رئاسي على إقرار الموازنة عبر جلسة يعقدها مجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال، بحجة انّ الاولوية في هذه المرحلة يجب ان تنصّب في اتجاه تشكيل الحكومة قبل اي شيء آخر».

وإذ شدّدت المصادر على أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري متحمس بشدة لإقرار الموازنة، خصوصاً وانه صاحب هذا الطرح، اشارت في المقابل الى انّ انعقاد مجلس النواب في هذه المرحلة متعذر، حتى ولو انعقد مجلس الوزراء واقرّ الموازنة وأحالها اليه، كون المجلس حالياً خارج عقده التشريعي العادي الاول الذي يبدأ اول ثلثاء بعد 15 آذار المقبل، وايضاً لا توجد دورة تشريعية استثنائية. الا انّ لدى بري اجتهاداً يقول انّ في إمكان مجلس النواب الانعقاد الآن كونه في حال انعقاد استثنائي، فرضه وجود حكومة مستقيلة تُصرّف الاعمال تبعاً لأحكام الدستور.