خبر

هل يسحب عون مبادرته الحكومية؟

إيلي الفرزلي – الأخبار

 

تأليف الحكومة كأنه ترف. أخباره تراجعت إلى المرتبة الأخيرة. العواصف أهم. والقمة الاقتصادية العربية أهم. لكن ماذا بعد أن تنتهي القمة وتنتصف الشمس السماء. لن يكون هنالك سوى الحكومة العالقة خلف ثلث ضامن من هنا ولا مبالاة من هناك. فهل يبقي رئيس الجمهورية على مبادرة لم يصرفها الوزير جبران باسيل ولم يتلقفها الرئيس سعد الحريري؟

أن يجاهر اللواء عباس إبراهيم بموقف ينفض فيه يده من وساطة يقودها، فهذا ليس معتاداً. وأن يصل إلى حد الإعلان أنه لم يعد معنياً لا من قريب ولا من بعيد بعملية التفاوض الحكومية، فهذا يعني أن لا حلول في الأفق لعقد تشكيل الحكومة.

وإذا كان لم يعد سراً أن إحدى المعضلات التي تعيق التشكيل هي سعي الوزير جبران باسيل إلى الحصول على الثلث الضامن أو المعطل، فإن الحريري، في المقابل، لا يتعامل مع مهمته الأولى على أنها أولوية. استرخاؤه يثير التساؤلات عند كثر، وإن يذهب بعضهم إلى الاقتناع بأنه يسعى إلى بيع موقف إلى من يهمه الأمر بأنه لن يقبل بإعطاء «الممانعة» ما تريده.
يؤدي التأخير إلى استهلاك رصيد العهد وتضييع وقت ثمين كان يمكن أن يُستغل للبدء بورشة الإصلاح والإنقاذ التي شكلت صلب أدبيات التيار لأكثر من عقد من الزمن. لكن يبدو أن باسيل لا يرى الأمور من هذا المنظار. أولويته الثلث المعطل، سلاحه الأبرز في سباقه نحو رئاسة الجمهورية. وهو تحديداً ما أشار إليه النائب السابق سليمان فرنجية من بكركي، الذي رأى أن باسيل إنما يريد الثلث المعطل ليقف في وجه خصومه المسيحيين لا أحد آخر.
هنا ربما تتركز المشكلة. يعتقد باسيل أن حزب الله ملتزم مع فرنجية، على اعتبار أنه كاد يصل إلى الرئاسة، وحرمه إياها حزب الله بدعمه العماد ميشال عون.
لذلك، ولمواجهة رجحان كفة فرنجية، ولأنه ليس مستبعداً أن تشغر سدة الرئاسة بعد انتهاء ولاية عون، في حال لم يتمكن المجلس النيابي من الاتفاق على خلفه، فإن الحكومة هي التي ستحكم. عندها سيكون جبران باسيل قد خسر الضمانة التي تؤمنها له رئاسة الجمهورية، وسيكون بحاجة إلى قاعدة صلبة يتكئ عليها داخل الحكومة تمكّنه من التفاوض من موقع قوة على رئاسة الجمهورية: الثلث المعطل.
في الطريق إلى تحقيق هذا الهدف، يسعى باسيل إلى تثبيت أمرين: سليمان فرنجية زعيم طرفي وليس من المركز والتيار الوطني الحر هو الفريق المسيحي الأكبر، الذي يفترض بحزب الله أن يتمسك بشراكته. لكن هذه المعادلة تصبح مقلقة عند استحضار تجربة الحلف الثلاثي صاحب الأكثرية المسيحية حينها، الذي فضّل ترشيح سليمان فرنجية الجد، لأنه كان يعرف أن معركته مع المكتب الثاني والإرث الشهابي تحتاج إلى شخصية قاسية وإن كان تمثليها متواضعاً مقارنة بالآخرين.
إذا كانت هذه هي الأهداف التي يُنسب إلى باسيل أنه يريد تحقيقها بالحصول على الثلث الضامن وإذا كان حزب الله قد أكد مراراً، وبخاصة عبر السيد حسن نصر الله، عدم ممانعته حصول التيار على الثلث الضامن، فأين الخلاف إذاًَ؟
في 8 آذار، من يعتبر أن جوهر المشكلة يتمثل في ربط تشكيل الحكومة بالاستحقاق الرئاسي المقبل، فمن قال إن الحكومة ستبقى حتى نهاية العهد؟ فإذا كانت مهمتها الأساسية هي إنقاذ البلد اقتصادياً، فيُفترض أن عدم قدرتها على تحقيق هذا الهدف سيعني أنها لن تستمر. وإذا كانت مهمتها مواكبة التطورات في المنطقة، فهذا يعني أنها لن تستمر إذا لم تنجح في تأمين المصلحة اللبنانية من خلال علاقة صحية مع سوريا.

خلاصة القول، بالنسبة لمصادر 8 آذار: أتركوا موضوع الرئاسة إلى حينه فلا أحد يعرف كيف ستتغير الظروف وكيف سيكون شكل الحكومة عند موعد الاستحقاق الرئاسي المقبل.
وإذا كان باسيل يريد أن يسمع من حزب الله موقفاً مطمئناً في مسألة الرئاسة، فيبدو واضحاً أن الأخير يرفض التداول في الأمر حتى يحين وقته. وعليه، فإن الأولوية الحالية للحزب تبقى في تمثيل النواب المستقلين، بصرف النظر من حصة من سيُمثّلون. لذلك، فإذا كان رئيس الجمهورية قد تدخّل لحل المشكلة عبر تمثيلهم من حصته، فهو بذلك إنما أراد أن يساعد الحريري لحل المشكلة. ولو أن هؤلاء تمثلوا من حصة الحريري لكان حصل التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية على الثلث المعطل من دون اعتراض أحد.
يقود ذلك إلى دعوة الحريري إلى تحمّل المسؤولية، بدلاً من الاستمرار بالإيحاء أنه غير مستعجل، إلا إذا كان هو من يرفض حصول العونيين على الثلث زائداً واحداً ويتلطى خلف تمثيل اللقاء التشاوري. لكن في مطلق الأحوال، ثمة من يدعو رئيس الجمهورية، إذا ما استمرت المراوحة، إلى سحب مبادرته، وإعادة الكرة إلى ملعب رئيس الحكومة المكلف، الذي لن يكون بإمكانه الاستمرار بالمراوحة مع ازدياد الضغوط الدولية لتشكيل الحكومة.
هنا يخرج من يسأل: لماذا في الأساس يرفض الحريري التخلي عن مقعد من ستة مقاعد، متناسياً أن حجمه الوزاري يفوق حجمه النيابي، ومتناسياً أنه رئيس الحكومة الذي يملك من الصلاحيات ما لا يملكه أحد. وهذا يعني أن وزيراً من هنا أو من هناك لن يؤثر في موقعه ودوره في السلطة، هو الذي يتبع له مباشرة أكثر من 60 هيئة ومجلساً وصندوقاً، أبرزها «أم الوزارات»، أي مجلس الإنماء والإعمار، المسؤول عن 87 في المئة من أشغال الدولة!