خبر

القمة مُهدَّدة بالتأجيل.. وواشنطن لتحالـــف عربي ضد إيران

صحيفة الجمهورية

 

فجأة، وبلا مقدّمات، هبّت على لبنان بعد العاصفة المناخية، عواصف سياسية بالجملة، معلوم كيف بدأت لكن ليس معلوماً حتماً كيف ستنتهي. الأولى تتصل بالقمة الاقتصادية العربية المقررة في بيروت والتي هبّت من عين التينة في اتجاه قصر بعبدا، نتيجة رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري وقوى الثامن من آذار انعقادها في غياب سوريا، والثانية اعتداءات اسرائيل على حدود لبنان وبوضعها بلوكات إسمنتية في منطقةٍ متنازعٍ عليها في العديسة الجنوبية، ما استدعى اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الاعلى، والثالثة فضائح الفساد التي كشفتها العاصفة «نورما» في تلزيمات البنى التحتية التي كلّفت لبنان مليارات من الدولارات، ما استدعى اجتماعاً وزارياً في «بيت الوسط». وكل هذه العواصف هبّت في ظل استمرار الفراغ الحكومي، وتزايد الحديث عن تفعيل حكومة تصريف الاعمال، خصوصاً بعدما أكد الرئيس المكلف سعد الحريري انّ «كل شي ممكن» عندما سُئل عما اذا كان اجتماع «بيت الوسط» أمس مقدمة لانعقاد مجلس الوزراء.
رصدت مصادر مطلعة بقلق خلف المواقف السياسية السائدة في هذه المرحلة تحريكاً للعبة عميقة، ظاهرها القمة الاقتصادية العربية وباطنها قد يكون ما هو أبعد.

وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» انّ الازمة الحكومية السائدة، قد تداخلت مع موضوع القمة وعدم دعوة سوريا الى حضورها، وكذلك تداخلت مع دعوة ليبيا الى حضور القمة ربطاً بقضية تغييب الامام موسى الصدر وموضوع هنيبعل معمر القذافي الموقوف في لبنان. وتداخلت الازمة ايضاً مع الاشتباك السياسي الدائر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فالأول يصرّ على انعقاد القمة في ظل الوضع العربي الملتبس حالياً، فيما الثاني يقترح تأجيلها الى ظروف افضل تمكّن لبنان من الاستفادة منها.

وأبدت مصادر مطلعة خشيتها من ان يكون حاصل هذا التداخل بين هذه الازمات في ظل لعبة الاواني المستطرقة، دخول لبنان في مزيد من التأزم السياسي، وكذلك اطاحة القمة، خصوصا بعدما تبين انّ جولة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في المنطقة قد عرقلت الانفتاح العربي على سوريا، والذي كان قد بدأ بإعادة دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين فتح سفارتيهما في دمشق في الآونة الأخيرة.

بومبيو

وكان بومبيو كرر الهجوم على ايران و«حزب الله»، وأكد أنّ بلاده «لن توقف جهودها لمواجهة أنشطة إيران التخريبية في المنطقة».

وقال في خطاب ألقاه في الجامعة الأميركية في القاهرة إنّ «الواجب يقتضي أن نواجه آيات الله، لا أن نحتويهم»، مؤكداً أنّه «كان يجب ألّا تُرفع العقوبات على إيران، ولا يجب أن يكون هناك أي وسيلة للتعاون معها».

واكد «أنّ دول المنطقة تتعاون مع واشنطن لمنع انتشار نفوذ إيران في المنطقة»، مشيراً إلى أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تعمل على تأسيس تحالف يشمل مصر والأردن ودول الخليج.

وأعلن أنّ الولايات المتحدة لن تقبل بالوضع الحالي الذي يمر به لبنان بسبب «حزب الله»، واضاف: «لن نوقف جهودنا لمواجهة أنشطة إيران التخريبية في المنطقة ونشاطات أذرعها ومنها «حزب الله» الذي يخرق كافة القرارات الدولية».

القمة

الى ذلك أضافت القمة الاقتصادية العربية، الى المواد السجالية، مادة جديدة وبات مصير انعقادها على المحك، بعدما حرّكت الخلافات السياسية مجدداً، وخصوصاً بين عون المُصرّ على انعقاد القمة في موعدها، ورئيس مجلس النواب وقوى اخرى تحبّذ تأجيلها اذا لم تدع سوريا اليها، في وقت أعلنت قناة «NBN» الناطقة بلسان بري أنها اتخذت قراراً بمقاطعة تغطية القمة العربية، في حال انعقادها.

وأوضحت في بيان «أنّ قرار المقاطعة الاعلامية لفعاليات القمة تأتي انسجاماً مع الدعوات لتأجيلها بسبب عدم دعوة سوريا اليها، وعدم الدخول في لعبة التجاذبات والترويج الاعلامي لتصفية الحسابات العربية العربية على أرض لبنان».

وقال احد المراقبين السياسيين «إنّ النزاع حول القمة يكشف انّ العقد المحيطة بتأليف الحكومة هي عقد خارجية، خلافاً لِما يردد المسؤولون، وان الخلاف هو ليس على وزير بالزائد او وزير بالناقص إنما على هذا المحور الاقليمي او ذاك. كذلك للخلاف حول القمة أبعاد خارجية، وهذا الامر ثابت من خلال من يطالب بإرجاء انعقادها وربطها بحضور سوريا او عدم حضورها».

مشاركة ليبيا

وقد أثارت دعوة ليبيا الى المشاركة في القمة حفيظة حركة «امل» والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، الذي سيعقد اليوم اجتماعاً طارئاً لهيئتيه الشرعية والتنفيذية بدعوة من رئيسه الشيخ عبد الأمير قبلان، وذلك للبحث في تداعيات هذه الدعوة «والتأكيد على الثوابت الوطنية في متابعة قضية اختطاف السيّد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والاعلامي عباس بدر الدين».

وفي خطوة لافتة بتوقيتها بعد إثارة موضوع المشاركة السورية في القمة وقضية هنبيعل القذافي، زار المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم دمشق لساعات، وتناول البحث خلالها ملفات أمنية مشتركة لاسيما منها ملف النزوح السوري.

«القوات» والقمة

والى ذلك رأت مصادر «القوات اللبنانية» أنّ انعقاد القمّة العربية أو عدمه يعود للجامعة العربية، وللأطراف حرية في إطلاق مواقفها السياسية. وقالت لـ«الجمهورية»: «بيروت دولة مضيفة، ولبنان قرّر استضافة هذه القمة وبالتالي لا يمكن قبل 7 ايام من انعقادها الاعتذار عن هذه الاستضافة لأنّ من يقرر الأمر هو الجامعة العربية».

الوضع الحكومي

على صعيد الازمة الحكومية عكست أجواء عين التينة جموداً سلبياً واضحاً على خط التأليف الحكومي، فالأمور تراوح عند التعطيل الكامل من دون ان يلوح في الافق حتى الآن اي بارقة أمل حول إمكان اختراق الحائط المسدود.

وقال بري امام زوّاره، رداً على سؤال: «كنّا على امل ان تؤلف الحكومة لكنها ما ان وصلت الى الحلقوم حتى أخرجوها، وبالتالي صارت فعلاً ماضياً ناقصاً «وشَوي زيادِة لَورا».

موقف بكركي

وفي هذا السياق قالت مصادر مطلعة على موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لـ«الجمهورية»: «أمام الأزمة الوطنية الكبرى التي يمر بها لبنان، وتعثّر ولادة الحكومة ليس سوى أحد تجلياتها، برز اتجاه لدى البطريرك الماروني إلى التشاور مع القادة الموارنة في بكركي نظراً للمسؤولية التاريخية للصرح في إنشاء الكيان اللبناني».

وأضافت هذه المصادر «انّ غبطته يرى التآكل يعتري الجسم اللبناني بنحو يثير القلق، ويلاحظ خوف الشعب على مصير البلاد كدولة وسلطة ومؤسسات دستورية؛ فيما اللامبالاة سيّدة الموقف لدى عدد كبير من المسؤولين والسياسيين».

وفي هذا الإطار قال الوزير السابق سجعان قزي، بعد زيارته الراعي أمس «انّ قلق البطريرك هو على الوجود اللبناني الخاص في هذا الشرق وعلى هويته ونظامه ووجهه الحضاري. لذا لا بد من وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، خصوصاً في هذه المرحلة التي يتقرر فيها مصير المنطقة».

وعلمت «الجمهورية» انّ المحادثات التي ينوي الراعي إجراءها مع القادة الموارنة لم يتحدّد شكلها بعد، أهي مشاورات إفرادية ام جماعية؟ وهي تأتي عشيّة سفره الى الولايات المتحدة الاميركية حيث سيلتقي الجالية اللبنانية وبعض المسؤولين الاميركيين الكبار، وإلى دول أخرى في وقت لاحق.

وأشارت المعلومات الى «أنّ الكرسي البطريركي، وإن كان يمثّل الضمير المسيحي خصوصاً والوطني عموماً، فإنّ البطريرك يفضّل إشراك القيادات المارونية، وربما غير المارونية أيضاً في التفكير حول المصير اللبناني والوقوف على آراء حيال مواجهة الاخطار التي تهدّد لبنان، بعدما رأى أنّ لبنان يكاد يضيع من بين أيدينا ولا يوجد مشروع انقاذي، لا بل انّ كثيراً من السياسيين يتلهّون بالمصالح والحصص».

المجلس الأعلى للدفاع

من جهة ثانية، إستدعت حساسية التطورات في الجنوب وخطورتها اجتماعاً عاجلاً للمجلس الاعلى للدفاع، بعدما تبيّن انّ الاجتماع الثلاثي الذي عقد قبل ظهر امس في الناقورة لم يتوصّل الى خطوات عملانية. إذ استمر الجيش الاسرائيلي في بناء 9 أساسات لـ 9 بلوكات هي أجزاء من الجدار الاسمنتي تمتد على مسافة 9 امتار.

وبدأ الاجتماع بعرض مفصّل لقائد الجيش مقرون بنسخ عن الخرائط على الارض تظهر فيها التعديات الواضحة لإسرائيل، وخرقها الخط التقني والقرار 1701 بوصولها الى نقطة من النقاط الـ 13 المتحفّظ عنها على تماس مع الخط الازرق. وتقرر ان يجري الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل اتصالات فورية مع سفارات الدول الكبرى والامم المتحدة للحدّ من تدهور الوضع على الحدود، خصوصاً انّ الجيش اللبناني ترك لقيادته تقدير الموقف واتخاذ القرار المناسب للتصدي لهذا الاعتداء بغطاء سياسي كامل.

من جهته، أبدى بري قلقه إزاء «التطور الخطير الذي ظهر على الحدود الجنوبية من جرّاء مبادرة اسرائيل الى استئناف بناء الجدار الاسمنتي قبالة مستعمرة مسكفعام ضمن الاراضي اللبنانية».

وقال: «هذا أمر يجب رصده بدقة لأنه أمر خطير جداً، هناك أمر أعرفه وسيأتي أوان البوح به».

وعلمت «الجمهورية» انّ مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد هيل سيزور بيروت مطلع الاسبوع المقبل (ربما يصل الأحد)، وسيلتقيه بري الاثنين، مع احتمال ان يكون السفير الاميركي السابق في لبنان ديفيد ساترفيلد في عداد الوفد المرافق لهيل.

ولم يستبعد بري ان تكون لزيارة هيل للبنان علاقة بما يجري في المنطقة وعلى الحدود اللبنانية الجنوبية، لذلك قال: «في أي حال كل هذه الامور سأناقشها معه عندما سألتقيه الاثنين المقبل».

زوبعة مالية… ورعب

إقتصادياً، بَدا الوضع المالي والاقتصادي وكأنه لا تكفيه الأزمة التي تطوّقه، حتى أضيفت اليها أمس زوبعة كادت تتسبّب بأضرار كارثية، لولا تدارك مفاعيلها بتوضيحات خفّفت قليلاً من وقعها النفسي على الناس.

وبأسلوب فاجأ الجميع، تمّ تَناقل كلام منسوب الى وزير المال علي حسن خليل تحدث فيه عن إعداد خطة لإعادة هيكلة الدين العام. وورد في كلام خليل ما يشير الى كلفة «يجب توزيعها بعدالة بين الأطراف المعنية».

وقد أثارت العبارات الملتبسة التي استخدمها وزير المال لغطاً كبيراً في الاسواق، وتعرضت السندات اللبنانية لضغوط بيع. وما زاد في القلق، توقيت هذا الكلام الذي جاء بعد أقل من 48 ساعة على نشر تقرير مصرف «غولدمان ساكس»، الذي رسم فيه سيناريو سوداوياً حول احتمال إقدام الدولة اللبنانية على شطب قسم من الدين العام، الأمر الذي سيؤدي، حسب السيناريو نفسه، الى إفلاس المصارف اللبنانية.

ولم تكد الاسواق تتجاوز مفاعيل هذا التقرير، بعدما تبيّن انه مجرد محاكاة لأمر غير موجود، حتى جاء كلام وزير المال ليعيد الامور الى المربع الاول من الذعر.

وقد سارع وزير المال لاحقاً، الى إصدار توضيحات متلاحقة نفى فيها ان يكون كلامه عن خطة تصحيح مالي تعني بأي شكل من الاشكال التخلّف عن سداد الديون، أو اقتطاع قسم منها.

وأكد انها «ليست المرة الأولى التي تقوم فيها وزارة المال بهذا الامر وهذا جزء من سياستنا وانا لم أفصح عن هذه الإجراءات، إنما أقول إنّ لبنان حريصٌ على التزاماته بإصدارات اليوروبوند وحقوق حامليها، وسيستكملها وفق الالتزامات عينها».

في النتيجة، تراجعت التأثيرات السلبية للزوبعة التي أثيرت، إلّا أنّ بعض الاضرار وقعت ولا يمكن تعويضها بسهولة، بانتظار أن تتكشّف أكثر في الايام المقبلة الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع.