صحيفة الجمهورية
تنشط التحضيرات الجارية للقمة الاقتصادية العربية المقررة في لبنان في 19 و20 من الشهر الجاري، والتي تراوح بين الانعقاد والتأجيل تبعاً لعدم وجود حكومة دستورية ولموضوع دعوة سوريا الى حضورها من عدمه. فيما بدأ اللبنانيون الاستعداد لمواجهة العاصفة «ترايسي» التي ستهبّ الأحد، وعلى وَقع لملمة ذيول العاصفة «نورما» الآخذة في الانحسار التدريجي، بعدما خلّفت مشهداً كارثياً أثبت عجز السلطة عن اتخاذ الإجراءات الإستباقية الضرورية وكشف سوء تنفيذ تعهدات البنى التحتية والمرافق العامة، على رغم تقاذف المسؤوليات بعد الدعوات الى محاسبة المخالفين.
وعلمت «الجمهورية» انّ اجتماعاً وزارياً موسعاً سيعقد ظهر اليوم في «بيت الوسط» برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري وحضور وزراء المال والاشغال والداخلية علي حسن خليل ويوسف فنيانوس ونهاد المشنوق ورئيس الهيئة العليا للاغاثة واللواء محمد خير ورئيس مجلس الانماء والاعمال نبيل الجسر، للبحث في الاضرار التي خلّفتها العاصفة وتعويض المتضررين.
وسيكون هذا أول اجتماع وزاري موسّع في ظل حكومة تصريف الاعمال، وقد يشكّل مقدمة لعقد مجلس الوزراء «جلسات ضرورة» خصوصاً في ضوء اقتراح البعض انعقاد المجلس في جلسة لإقرار الموازنة أخذاً بسابقة حصلت في ايام أحدى حكومات الرئيس رشيد كرامي.
وفي موازاة الصقيع الطبيعي والاستعدادات لاستقبال منخفض جوي جديد يصل الاحد المقبل، استمرت العواصف السياسية في البلاد نتيجة عدم تسجيل أي خرق على جبهة التأليف الحكومي التي تشهد جموداً مطبقاً، من جهة، ومطالبات البعض بتأجيل انعقاد القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية العربية المقررة يومي 19 و20 من كانون الجاري في بيروت، الى حين تشكيل حكومة، ودعوة سوريا الى حضور هذه القمة من جهة ثانية.
قمة بيروت
وفي الوقت الذي تُجرى الاستعدادات لهذه القمة الاقتصادية العربية، وتعتقد السلطة اللبنانية أن ليس هناك أي دولة عربية مستعدة لتحمّل مسؤولية تأجيلها، برز اقتراح إرجائها من طرف لبناني أساسي، حيث أخذ رئيس مجلس النواب نبيه بري على عاتقه طرح هذا التأجيل لسببين أساسيين:
الاول، غياب الحكومة، وهذه رسالة الى المعنيين لتسهيل التأليف. والثاني، ضرورة مشاركة سوريا في مثل هذه القمة. الأمر الذي عُدّ رسالة الى جامعة الدول العربية لدفعها الى دعوة سوريا الى حضور القمة.
وقال بعض المراقبين إنّ طرح بري تأجيل القمة يكشف عمق الأزمة الحكومية المرتبطة بالوضع الاقليمي الذي يشهد تعقيدات كبيرة، في حين رأى البعض الآخر انّ تشديد رئيس مجلس النواب على ضرورة مشاركة سوريا في القمة يأتي لاعتقاده بإمكانية حدوث مفاجأة عربية تتمثّل بإعادة سوريا الى حضن الجامعة العربية.
الّا انّ هذا الطرح يكشف، حسب هؤلاء المراقبين، وجود خلافات بين أركان الحكم حيث لم تكد تمضي 24 ساعة على تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أنّ القمة ستنعقد في موعدها، وأنّ كون الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال ليس سبباً لتأجيلها، وأنّ الحكم استمرارية والحكومة الحالية تمارس صلاحياتها وفقاً للدستور»، طرحَ بري تأجيل هذه القمة مخالفاً بذلك تأكيد عون.
الّا انّ بري برّر طرحه وجوب تأجيل القمة «بعدم وجود حكومة، ولأنّ لبنان يجب ان يكون علامة جمع وليس علامة طرح، ولكي لا تكون هذه القمة هزيلة». مكرراً تأكيد ضرورة مشاركة سوريا فيها.
في هذا السياق دعت كتلة «التنمية والتحرير»، بعد اجتماعها برئاسة بري، الى اتخاذ الخطوات الكفيلة بعودة سوريا الى الجامعة العربية.
الحكومة
امّا على الجبهة الحكومية، فبَدا واضحاً تراجع حماس المعنيين لسرعة التأليف. وعليه، توقفت محركات العمل. وقد عبّر بري عن واقع الحال الحكومي واختصر مسار الاتصالات قائلاً: «إنّ موضوع تشكيل الحكومة كان في خبر كان وأصبح اليوم فعل ماض ناقص، وانّ الإقتراحات التي تم التداول بها أخيراً لم يكن لها نصيب من النجاح».
وأكدت مصادر متابعة لـ«الجمهورية» غياب التواصل والتشاور لغياب إجماع القوى السياسية على فكرة من الافكار الخمسة التي قدمها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، فما هو مقبول منها لدى طرف مرفوض لدى الطرف الآخر. وشبّهت المصادر عملية تأليف الحكومة بـ«لعبة السلم والأفعى، فكلما أحرزت تقدماً سقطت في فخ أعادها الى مربّع سابق».
وفي هذا الوقت، حذّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امام اعضاء السلك الديبلوماسي ومديري المنظمات الدولية من «انّ الظروف الضاغطة المحيطة بنا، والأزمات والتحديات الداخلية التي نعيشها، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، لم تعد تسمح بالمماطلة، أو التشبّث بمصالح الأطراف على حساب الوطن والشعب». وأكد «العمل على تحقيق توافق واسع وتام من أجل البَت بتشكيل الحكومة العتيدة، بالشراكة مع رئيسها المكلف».
واعتبر «انّ تجارب الماضي تُظهر أنّ هذه العملية كانت تتطلب وقتاً ومشاورات واسعة لأنها لم تقم على أسس ومعايير واضحة. ولكن اليوم، وبعد اعتماد القانون (الانتخابي) النسبي، ما كان يجب أن تطول لو اعتُمد منذ البدء معيار عدالة التمثيل، الذي يجب أن يكون الحَكم في أي خلاف».
أزمة عقيمة
في هذا السياق، تبدو الأزمة عقيمة الى حدّ إعلان رئيس الجمهورية ميشال عون أمام زواره قبل أيام عن «استيائه الشديد» من حالة المراوحة، وبَدا لافتاً مراهنته على اقتراح حكومة من 32 وزيراً «فإذا لم ينجح هذا المسعى خلال أيام لن تكون هناك حكومة في المدى المنظور، لكن سيكون لي موقف من هذا الأمر»!
ويعقد اليوم أعضاء «اللقاء التشاوري» اجتماعاً في منزل النائب فيصل كرامي يعيدون التأكيد فيه على موقفهم السابق بأن يكون الوزير المُمثل لـ»اللقاء» حصرياً، إمّا من الأسماء الثلاثة أو أن يكون واحداً من النواب الستة، لكنّ الارجحية هي للعودة الى المربّع الأول عبر حصر تمثيل «اللقاء» بأحد نوابه الستة.
وعشيّة هذه الاجتماع، زار أحد أعضاء اللقاء، النائب عبد الرحيم مراد، عين التينة. وأكد «ان لا جديد في تمثيل اللقاء» في الحكومة العتيدة.
وقال: «حتى الآن لا توجد مشاورات بالنسبة الى الحكومة، إذ بعد آخر مبادرة قام بها اللواء عباس ابراهيم لم نسمع سوى انّ الوزير باسيل يتكلم مع الرئيس الحريري بأربع أو خمس أفكار، ولم يتفقوا على فكرة بعد».
وأضاف: «في آخر اجتماع للقاء التشاوري قلنا اننا لا نقبل أي شخص إلّا من الأسماء الثلاثة التي سمّيناها والنواب الستة، وحتى الآن لم تحصل اي مبادرة أخرى، وهذا ما قاله الاستاذ فيصل كرامي أمس. وفي كل الحالات يجب ان نسمّي هذا الشخص، ويكون حصراً من داخل اللقاء التشاوري».
باسيل و«الثلث الضامن»
وفي مقابل التسليم بصعوبة استنساخ حلّ على طريقة وزير وفق «بروفيل» جواد عدرا التسووي، بات مؤكّداً أنّ كل صيَغ الحلول التي قدّمها الوزير جبران باسيل تتمحور حول بقاء «الثلث الضامن» في يد فريقه السياسي، وهو ما يعكس الإصرار على توسيع الحكومة لتضمّ 32 وزيراً.
ووفق المعطيات، فإنّ إصرار باسيل على اعتبار أنّ اقتراحاته التي عرضها أمام الحريري لا تزال قابلة للتفاوض والأخذ والردّ، لن يغيّر في واقع أنّها باتت وراء ظهر «رافضيها» وأوّلهم الحريري، فيما الاقتراح القاضي باقتراح عون أسماء جديدة للتوزير واختيار «اللقاء التشاوري» أحدها مرفوض، مع العلم أنّه لم يُعرض على «اللقاء» لأنّ موقفه منه معروف سلفاً، فيما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري صريحاً بالإشارة الى سقوط الاقتراحات الاخيرة كلها.
روكز
وكان اللافت أمس موقف لعضو تكتل «لبنان القوي» النائب شامل روكز يتناقض مع موقفي عون وباسيل، إذ رفض الصيَغ الحكومية الفضفاضة المتداولة «لأنها لا تفي بالغرض المطلوب».
وقال لـ«الجمهورية» انّ صيغة الـ32 او 36 وزيراً هي «جرصة» قياساً الى واقع لبنان، متسائلاً: «ما الحاجة الى كل هؤلاء الوزراء، وما الجدوى خصوصاً من 6 وزراء دولة لا عمل لهم ولا يتأتّى منهم سوى مزيد من الهدر؟
وأضاف: «ماذا يفعل وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد او وزير الدولة لشؤون مجلس النواب وغيرهما؟ ألا يسمع المسؤولون «المسبّات» من اللبنانيين بسبب استفحال الفساد والهدر؟».
والتقى روكز في الموقف مع بكركي بتأكيده أنّ البديل عن التشكيلات الواسعة المطروحة يكون في اعتماد خيار الحكومة المصغرة التي تضم فقط 14 وزيراً، من أصحاب الكفايات القادرين على معالجة هموم الناس.
وقال: «انّ التشكيلة المصغّرة تنطوي على حسنات عدة، من بينها حماية التضامن الوزاري والسماح بحصول محاسبة او مساءلة نيابية»، وهو الامر الذي يصبح متعذراً حين يكون معظم المجلس النيابي ممثلاً في مجلس الوزراء». (راجع ص 6).
نداء المطارنة
أمام هذا المشهد، توجّه مجلس المطارنة الموارنة بنداء حار الى القيّمين على شؤون الدولة، بوجوب «تخطّي كلّ العوائق السياسيّة وغير السياسيّة التي تحول حتى الآن دون تشكيل الحكومة، والتوافق سريعاً على صيغة لها تكون قادرة على مواجهة التحديات، ولاسيّما الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات، وتوظيف أموال مؤتمر «سيدر» من أجل النهوض بالاقتصاد، والحدّ من العجز المالي وتفاقم الديون، وإيجاد فرص عمل، وإخراج الشعب من فقره».
وأيّد المجلس دعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى «تشكيل حكومة مصغّرة من اختصاصيّين مستقلّين، مشهود لهم بنظافة الكفّ والضمير، قادرين على تولّي المهمّة الإنقاذيّة المطلوبة قبل انهيار الهيكل على الجميع».
ودعا الجهات السياسيّة الى «صحوة ضمير عاجلة، لا بدّ من أن تُفضي بهم الى استجابة مطالب الشعب، مصدر السلطات كلّها، وإعلان توافقهم على ما يرجوه ويتوقّعه منهم».
منسّق أممي جديد
على صعيد آخر، أعلن استيفان دوغريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أنّ الأخير قرر تعيين السلوفاكي يان كوبيش منسقاً خاصاً له في لبنان.
وقال دوغريك، في مؤتمر صحافي في نيويورك، إنّ كوبيش سيخلف الدنماركية المنسقة الخاصة بالوكالة بيرنيل داهلر كاردل، مشيراً إلى أنّ الأمين العام يُعرب عن «امتنانه لتفانيها وقيادتها لبعثة الأمم المتحدة».
وأضاف أنّ «يان كوبيش شغلَ منصب الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق منذ العام 2015 وحتى تاريخه، كذلك شغل منصب الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) من 2011 إلى 2015، وقبل ذلك تولّى منصب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا من 2009 إلى 2011.