بقلم: دافيد عيسى
سياسي لبناني
ستكون زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في اطار احتفال هذا البلد بالذكرى المئوية لمؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حدثاً من الأحداث التاريخية في العام 2019، هذه الزيارة التي ستجري في شباط المقبل هي زيارة استثنائية بكل المقاييس.
هي أولاً زيارة لقداسة الحبر الأعظم إلى دولة عربية خليجية إذ سبق لأسلافه أن زاروا دولاً عربية عدة مثل لبنان وسوريا والأردن ومصر ولكن قداسة البابا فرنسيس هو أول بابا تطأ قدماه أرض الخليج مع ما يعنيه ذلك من رغبة مشتركة في فتح باب الحوار “المسيحي – الإسلامي” على أرض الواقع في دول الخليج العربي.
وهذا الحوار ينشده الفاتيكان في إطار مسيرة حوار الأديان والحضارات، الذي يأمل لبنان أن يكون مركزاً دولياً له والذي اكتسب أهمية بعد سنوات طويلة من الحروب والنزاعات والأزمات في الشرق الأوسط تحت مسمى “الربيع العربي”، والجدير ذكره ان فكرة ان يكون لبنان مركزآ دولياً لحوار الاديان والحضارات اطلقها السفير فواد الترك رحمات الله عليه وتبناه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واطلقه في خطابه في الامم المتحدة.
اذن عندما يأتي البابا فرنسيس إلى الإمارات فإنه يأتي إلى شبه الجزيرة العربية وإلى قلب المنطقة العربية حاملاً معه رسالة سلام والهم المسيحي في الشرق بعدما دفع المسيحيون ثمناً باهظاً لموجة العنف والتطرف الديني التي اجتاحت المنطقة…
وعندما تستقبل الإمارات قداسة الحبر الأعظم فإنها تستقبله باسم كل دول الخليج والمنطقة وللتأكيد عملياً على أهمية الوجود المسيحي في المنطقة والقيمة المضافة التي يشكلها هذا الوجود والدور المميز الذي يؤديهفي حفظ خصوصيات هذه المنطقة التي تعدّ مهد الأديان السماوية ومكافحة ظواهر التطرف ومواجهة سلوكيات الإرهاب بما هي تحديات مشتركة أمام الأديان جميعاً.
هذا الأمر ليس غريباً عن تقاليد دولة الإمارات وتراثها وإرثها الديني والإنساني وحكمها الرشيد، وهي الدولة التي قامت ونمت وتطورت على أساس التزامها بقيم المحبة والسلام والحوار والتعايش الإنساني والعدالة والمساواة دونما تفرقة بين أفراد المجتمع، مواطنين كانوا أم مقيمين، ولذلك غدت الإمارات موطناً ومستقراً لكل الشعوب الوافدة من كل أقطار العالم وباتت نموذجاً دولياً فريداً لا مثيل له لناحية تعايش شعوب مختلفة في الدين والهوية واللون والعرق على أرض واحدة تحت سقف دولة القانون والمساواة…
الامارات الدولة الناجحة القادرة على بناء مجتمع مستقر ومتطور وعلى توفير أسباب الأمن والأمان والرفاهية لمواطنيها والمقيمين فيها، هي دولة قادرة من دون شك على الاضطلاع بدور قيادي وريادي في تعميم وترسيخ الحوار العالمي بين الأديان والحضارات وفي تعميق الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر، وفي نشر قيم السلام والمحبة والأخوة بين جميع البشر…
إنه نموذج الإمارات كدولة مواطنة وتسامح تقيم نظام العدالة ويتأسس عليها مجتمع الخير العالمي، ولذلك، فإن كل ظروف ومقومات نجاح الزيارة الباباوية إلى هذه الدولة مؤمنة ومتوافرة وستكون بمثابة افتتاح وتدشين لمرحلة جديدة من العلاقات بين الفاتيكان والعالم الغربي وبين الكنيسة الكاثوليكية الجامعة وبين الدين الإسلامي الحنيف.
هذه ليست زيارة إعلامية أو زيارة عابرة وتنتهي وإنما هي نتاج سياسات وسلوكيات الدولة الإماراتية وقيادتها الحكيمة كما أنها تندرج في سياق خطة هادفة ومدركة لأهمية الحوار والتعايش والتسامح بين المسيحيين والمسلمين ولأهمية دور الفاتيكان في العالم ودور دول الخليج في قيادة هذا التحول في المجتمعات ولدى الرأي العام وباتجاه مناهضة كل أشكال التطرف والعنف والإرهاب والمحافظة على المسيحيين في هذا الشرق.
وكذلك فإن هذه السياسة تمتد مفاعيلها إلى خارج الإمارات وخصوصاً إلى حيث هناك تواجد مسيحي متجذّر في الأرض والتاريخ، وهذا ما نراه ونلمسه في لبنان حيث يجسد هذه السياسة ممثل دولة الإمارات في لبنان السفير الدكتور حمد الشامسي الرجل المحب للبنان وشعبه والذي يلعب دوراً بناءًومميزآ في إطار سياسة الانفتاح والتشجيع على الحوار والتسامح والعيش الواحد والذي يعمل من اجل افضل العلاقات بين الامارات ولبنان، وقد سعى السفير الشامسي من خلال علاقاته الجيدة والمميزة والمبنية على الاحترام المتبادل مع الجميع واستكمالآ لمؤتمرين مهمين عقدا في دولة الامارات الى عقد لقاء “اسلامي – مسيحي”حضره رؤساء الطوائف الاسلامية والمسيحية اللبنانية خصص للتداول في الاوضاع المحلية والعربية وانعكساتها على صيغة العيش الواحد، خلص الى اصدار وثيقة حملت عنوان ” التعارف والاعتراف نحو دولة المواطنة”.
فعندما يشارك السفير الدكتور حمد الشامسي في احتفالات عيد الميلاد ويحضر رسيتالاً ميلادياً أو يضيء باحة خارجية لكنيسة أو يدعم ويشجع جمعيات ناشطة في مجال المساعدات الإنسانية ويساهم في نشر أجواء عيد الميلاد المجيد ، فإنه يفعل ذلك إنفاذاً لاستراتيجية تنموية وإنسانية وحضارية تتبعها بلاده وتعبيراً عما يختزنه من شعور صادق وما يكنه للبنان حكومة وشعباً مؤسسات وطوائف من مشاعر المحبة والتقدير والاحترام إضافة إلى إعجاب لا يخفيه إزاء لبنان “الوطن والرسالة”.
الشعب اللبناني أيضاً يبادل شعب الإمارات وحكامها المحبة والتقدير ويقدّر عالياً كيف استقبلت الإمارات اللبنانيين واحتضنتهم، وكيف مدت يد المساعدة إلى لبنان كل مرة احتاجها، ويقدر لبنان خصوصاً دور الإمارات في نشر وتعميم ثقافة الحوار والاعتدال والتسامح والانفتاح.
وهذا ما ظهر جلياً عندما شارك اللبنانيون بكل طوائفهم بكثافة وبفرح عندما اعلنت بلدية بيروت عن تسمية احد اهم شوارع العاصمة باسم الشيخ زايد بن سلطان تقديرآ لهذا الرجل العظيم الذي احب لبنان وشعبه، وتقديرآ للقيادة الاماراتية الحالية التي تحتضن اللبنانيين في دولة الامارات.
إنه النموذج اللبناني كما ذكر السفير الدكتور حمد الشامسي في كلمته الذي ما يزال صالحاً كرسالة وتجربة إنسانية وحضارية للتنوع والتعددية والعيش الواحد، وعلى اللبنانيين أن يدركوا هذه الحقيقة ويعملوا على هديها… من هنا فان لبنان ينتظر بلهفة زيارة البابا فرنسيس إلى الإمارات حيث سيكون البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على رأس مستقبليه في دولة الامارات وفي الاحتفاء بزيارته التاريخية…