13 تشرين 2015، على مفترق القصر الجمهوري، كانت المرة الأخيرة التي وقف فيها عون أمام «شارعه» الذي سانده من دون تلكُّؤ مذ كان رئيساً لحكومةٍ عسكرية ثم جنرالاً منفيّاً فزعيماً مسيحياً «رَجع» لـ «يربّي الجميع»!
يومها خُتم مسارٌ طويل من المواجهات في الشارع، تحديداً بعد العودة عام 2005، في وجه «أولاد الشوارع» كما سمّاهم آنذاك. كان الخطاب الأعنف لـ «جنرال المواجهات» السابقة مع النظام السوري، ولاحقاً مع حكومات فؤاد السنيورة وتمام سلام، وضد التمديد لمجلس النواب والتمديد لقائد الجيش، وضد كل مَن وقف أمام وصوله الى رئاسة الجمهورية.
عملياً، شكّلت تلك المحطة مفترقَ طرق بين ميشال عون «مشروع الرئيس» وميشال عون «الرئيس». الدليل: في 13 تشرين الأول 2016، على مفترق القصر الجمهوري نفسه، حضر خطاب «الجنرال» المهادن فيما طلّ عون عبر الشاشة.
لم يطلب في خطابه من العونيين، كما فعل سابقاً، «تحضير سواعدهم وتحمية أقدامهم»، رفضاً لـ «التمديد للوضع المستمرّ منذ العام 1990» ولمواجهة «أفراد العصابة الفاسدين». إختلفت اللهجة تماماً عن 13 تشرين 2015، وعن كل «تشارين» ما بعد 1990.
لم يهدّد عون «المتلاعبين بالاستحقاقات بدفع الثمن، وبإنكسار سيف مَن يقاتلون بسيف غيره». لم يتوعّد «المبسوطين بالجلوس على كراسي الحكم، أنّ ساعة الندم قد أتت». لم يلوّح بالشارع على طريقة «لا شيء يمنع من وقت لوقت أن نتنزّه نحنا ويّاكم في شوارع بيروت»، كما هدّد سابقاً.
عون، الذي كان يستعدّ لإنتخابه رئيساً، بدا أقرب الى «حمامة سلام» ترفرف فوق قصر بعبدا. قدّم «بروفا» لخطاب القَسَم المؤجّل مع تجنّب كامل للاحتكاك السياسي مع رافضي إنتخابه الذي تمّ في 31 من الشهر نفسه!.
هنا تماماً بدا العونيون كمَن يقطع «شعرة معاوية» مع الشارع. السلطة والشارع خطّان لا يلتقيان، فكيف إذا أصبح عون رئيساً للجمهورية.
للمفارقة، وبعد أشهر من إنتخاب «الجنرال» بدا، في نظر العونيين، كل مَن يلوّح بالشارع رفضاً لتراكم الأزمات وهريان النظام والعجز السياسي وسوء الأوضاع الاقتصادية وتقدّم «مؤشر» الفساد، كمَن يقف في مواجهة العهد و»التيار الوطني الحر» ورئيسه.
في كل مراحل رفع السقوف على مدى أكثر من 15 عاماً، انتظم العونيون صفّاً واحداً خلف «جنرالهم» بلا مشاكسة ولا إعتراض على الاستراتيجيات وحتّى التحالفات والتموضعات الظرفية. خيضت المواجهاتُ على أكثر من مستوى وضد أكثر من خصم… وحليف، و»الشارع البرتقالي» يميل مع «جنراله».
عناوين كبرى وأخرى تفصيلية أشعرت العونيين أنّ «الكون» يدور حولهم. لا حكومات من دونهم ولا رئاسة أولى إلّا إذا طُوِّبت لـ «الجنرال». لا تعيينات إلاّ عبر «ممثل المسيحيين». العوني «يعلّم» «القوّاتي» والكتائبي والشمعوني كيف تكون الانتخابات الحزبية الداخلية، وهو فقط مَن «يصدّر» للآخرين المفهوم الحقيقي للحرية والسيادة والاستقلال، لكي تُميّز «البضاعة الأصلية» عن «التايوانية». العونيون هم الأساتذة في «مواد» تأليف الحكومات والشراكة والتوازن، و»مواصفات الرئيس القوي»، والميثاقية، والمناصفة، والدفاع عن النفس والحقوق، وحياكة التفاهمات، وهندسة قوانين الانتخاب، ورفض التبعية، ومواجهة الفساد، والمقاومة السياسية، وصدّ الانتهاكات للقوانين والدستور… والبقية تلامذة! وهمّ بالتأكيد مَن أطلقوا كتيّبات في «فنّ النزول الى الشارع»… وتوقيت «الانسحاب» منه!
على الرغم من تنظيم تظاهرتين كبيريتين، الأولى نظّمها الحزب الشيوعي، والثانية تداعى اليها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وأيّدتها علناً أحزاب حليفة ومناهضة للعهد، وعلى رغم الدعوة الى الإضراب العام والتوجّه الى تنظيم تظاهرات «مفتوحة» لم يصدر أيُّ موقف رسمي بعد من جانب رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل حيال تحرّكات الشارع بإستثناء تعميم داخلي سُرِّب الى إعلاميين، تزامن مع فشل التسوية بتعيين جواد عدرا وزيراً، وأشار الى «مراهنة البعض على تظاهرات شعبية ضد «العهد القوي» ما يوحي بوجود نيّات وإرادة ضد العهد وهذا ما سنواجهه».
يكفي رصد تداول عونيين مقطع فيديو، أشارت اليه مقدّمة «أو تي في» الإخبارية، يؤكد فيه الوزير رائد خوري أنّ رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، الجهة الداعية للإضراب بالتنسيق مع «حزب سبعة»، هو موظف في الإهراءات «لكنه لا يداوم»، حتى يتبيّن الموقف الحقيقي لـ «التيار» من تحرّكٍ وُصِفَ بـ «المشبوه» بتوقيته وأهدافه، لكنّ القوطبة الواضحة عليه حصلت من جانب أعضاء في تكتل «لبنان القوي»، كـ «الطاشناق» والنائبين شامل روكز ونعمة إفرام الذين أيّدوا علناً عنوان التحرّك الداعي الى تأليف حكومة، مع تسليم عونيين «بأننا لا يمكن أن نقف في وجه مطالب المواطنين وأوجاعهم».
يقول النائب سليم عون لـ «الجمهورية»: «نحن كتيار وُلدنا من الشارع لكننا لا نرى أنه هو الحلّ اليوم طالما أننا لا نزال نكدّ ونعمل من خلال وسائل «علاج» أخرى للوصول الى الأهداف نفسها»، مؤكداً «أننا أكثر طرف متضرّر من عدم ولادة الحكومة حتى الآن، ونؤيّد المطالب المرفوعة لأنها مطالبنا، لكن على رغم صعوبة الوضع الاقتضادي ووجع الناس قد يستثمر البعض في هذه الأرض الخصبة لأسباب وأهداف سياسية لذلك نتعامل بحذر مع هذه التحرّكات»، مشيراً الى «أنّ هذا الهدف قد سقط «لأنّ الرأيَ العام واعٍ ويعرف حقيقة الأمور».
ويتساءل عون «ما المشروع الذي يجمع بين الاتحاد العمالي و»حزب سبعة»؟ هل يحملون مشروعاً إنقاذياً؟ وماذا يقترحون علينا من مبادرات؟… أزمة تأليف الحكومة مسؤولية حلّها يقع على الجميع، ونحن كتيار سياسي مع رئيس الجمهورية نقوم بكل ما يلزم لحلّ أزمة الحكومة في أسرع وقت، فهذا الإستنزاف يضرّ العهد برمته، مع العلم أنّ تأليف الحكومة ليس سوى البداية كونها حكومة العهد الأولى ومنها تنطلق مشاريع الإصلاح الحقيقية».
في مطلق الحالات، يضيف عون، نرى أنّ الإضراب قد يكون ايجابياً إذا ما نظرنا اليه كمحفّز للقوى السياسية على أن تتحمّل مسوؤليتها أكثر في الخروج من النفق»، لافتاً الى «أنني متفائل بإمكانية حلّ أزمة الحكومة قبل المواعيد المفترَضة التي حُدّدت للتظاهر الأسبوع المقبل».