خبر

مانشيت: عون وباسيل: خيارات وأفكار.. برِّي: الحــل أمامكم.. و«الحزب» يهاجم الحريري

ثمّة كذبة كبرى تكرّرها أسطوانة التعطيل منذ أيار الماضي، بأنّ لبنان يقترب من بزوغ فجر حكومي جديد، والنيات السياسية صافية وكل الاطراف تريد ان تقطف حكومة في أسرع وقت ممكن! وأمّا النتيجة فواضحة؛ تعقيدات تتوالد ولا حكومة.
هي كذبة فاقعة، كذّبتها أشهر التعطيل السبعة، وأثبتت انّ النيات المعلنة بالسعي لتوليد هذه الحكومة، مبنية على تُربة رخوة لزجة، لا مكان فيها للصدق. وما يثير الدهشة انّ الكذبة مستمرة، وانّ مطلقيها يواظبون على تكرارها، إقتداء بالمقولة الشهيرة «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس». والأكيد حتى الآن انّ حبل الكذب الطويل، سيجرّ أياماً، وربما أسابيع، وربما أشهراً اضافية من الفراغ الحكومي وشلل الدولة.

لا سبب منطقياً
الحقيقة المرة، هي ان لا سبب منطقياً لعدم الوصول الى حكومة، وثمّة صعوبة كبرى في فهم العشوائية التي يقارب فيها ملف تأليفها؛ 7 أشهر ضاعت حتى الآن، وكأنّ هذه المسألة ما زالت في البدايات، فحراك الأيام الاخيرة الذي قيل انه جرى بحثاً عنها، بالاستعانة بـ»جعبة أفكار» الوزير جبران باسيل، دار في حلقة مفرغة، وخَلص الى نتيجة قاتمة: الطريق المؤدية الى الحكومة ما زالت مقطوعة بالكامل. والاجواء الداخلية يتجاذبها سؤال تشكيكي عمّن يشكل الحكومة؛ رئيس الجمهورية؟ الرئيس المكلف؟ الرئيسان معاً؟ وزير معيّن؟ حزب؟ وعَمّن يعطّل؛ عامل داخلي ام عامل خارجي؟ والسؤال الأساس لماذا هذا التعطيل ولأي هدف؟
أجواء القوى السياسية تُجمع على استبعاد العامل الخارجي، وحصر التعطيل بالداخل، وهو ما أكده الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري إضافة الى سائر القوى السياسية. على انّ اللافت للانتباه هو انّ الجميع يبرّئون أنفسهم من تهمة التعطيل، مصدر هذا التعطيل مُختَلف عليه، ويتم تقاذف المسؤولية بين هذا الجانب وذاك، فيما برزت تغريدة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط التي أشار فيها الى «أنّ ابواب تشكيل الوزارة مقفلة او انّ الضوء الاخضر لم يأت بعد».
على انّ الساعات الماضية، برغم ما تخللها من اتصالات بين بعبدا و«بيت الوسط»، وبين «بيت الوسط» وعين التينة عبر الوزير علي حسن خليل، وعلى خط بعبدا «حزب الله»، بالتوازي مع مروحة مشاورات وصفت بالهادئة، يجريها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لم تشهد تقدماً في الملف الحكومي، ولا تؤشّر الى احتمال حصول اختراق في هذا الجدار في المدى المنظور. بل مجرّد مداولات في مجموعة الافكار التي طرحها الوزير باسيل على الرئيس المكلف، والتي تبين أنّها لم تكن محلّ قبول من قبل الحريري، خصوصاً لناحية توسيع الحكومة.

5 أفكار
وبينما كان وزير الداخلية نهاد المشنوق يخرج من بكركي أمس، معتبراً انّ خلف تعطيل الحكومة اسباباً رئاسية، دخل اليها الوزير جبران باسيل مؤكداً «اننا لسنا من يصنع الحل».
وقال باسيل بعد لقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي انه قدّم «5 أفكار جديدة، ونقوم بالاتصالات بعيداً من الاعلام وننتظر الاجوبة، وكلّي أمل بنتيجة ايجابية».
واذ اعتبر ربط تشكيل الحكومة بالاستحقاق الرئاسي عيباً في حق ذكاء اللبنانيين، قال رداً على سؤال عن رفض إعطاء الرئيس والتكتل الثلث الضامن: «حزب الله» عبّر عن رأيه مباشرة على لسان السيّد نصرالله، وكرّر الأمر اكثر من مسؤول. والصيَغ التي يوافق عليها الحزب تؤكد الّا مشكلة لديه حول هذا الموضوع».

الحريري: التواضع
وفيما تسود أجواء ترقّب في «بيت الوسط»، تؤكد أنّ الرئيس المكلف لم يقطع الأمل في بروز إيجابيات في وقت قريب، من شأنها ان تُخرج الحكومة الى النور، الّا انّ هذا الأمر لا يتم من طرف واحد، بل انّ هذه الايجابيات تتم بشراكة كل المعنيين في تحقيقها، والتعاون في ما بينهم، ولعلّ مبادرة جميع الاطراف الى اعتماد سياسة التواضع، هي السبيل الاسلم لتحقيق الانفراج الحكومي وإزالة ايّ عقبات من طريق الحكومة.

خلافات في الخيارات؟
وبحسب المعلومات فإنّ الترقّب نفسه يسود في القصر الجمهوري، الا انّ أجواء رئيس الجمهورية توحي بعدم رضاه عمّا آل اليه حال التعطيل، واللافت للانتباه ما صدر عنه أمس، وتجاوز فيه موقفه الاخير الذي أطلقه من بكركي حينما أعلن انّ هناك من يحاول فرض اعراف جديدة في تأليف الحكومة، حيث أوحى في موقفه امس، انّ الخلاف أوسع وأكبر من الخلافات القائمة حول شكل الحكومة وحجمها، وحول مبادلة الحقائب، وكذلك حول توزير اللقاء التشاوري وموقع وزيره في الحكومة، بل هي «خلافات في الخيارات السياسية لا تزال تعرقل تشكيل الحكومة» مؤكداً انه «لا يجوز اضاعة ما تحقق من امن واستقرار خلال الحروب الداخلية الباردة».

بري: الحل واضح
واذا كان موقف رئيس الجمهورية قد أثار تساؤلات في الاوساط السياسية حول اي خيارات يعنيها الرئيس، ومن يقصد بها، فإنّ الصورة في عين التينة مشوبة بالضباب الحكومي، الذي يحجب الرؤية حيال ما سيؤول إليه مصير التأليف، إذ انّ رئيس المجلس النيابي لا يرى ما يشجّع على التفاؤل، مع استغرابه لما يسمّيه الدوران حول الحل الوحيد والواضح لمعضلة التأليف «تمثيل اللقاء التشاوري بوزير يمثّله حصراً ويلتزم بقراره»، هذا هو الحل الوحيد أمامهم ولا يلجأون اليه.
وأمام هذا التعطيل، فإنّ بري، وكما تعكس أجواء عين التينة، وضع في أولويته في هذه المرحلة، بعث الحيوية في العمل المجلسي، وذلك من خلال التحضير لعقد جلسات تشريعية في وقت قريب، ممهّداً لذلك بتكثيف جلسات اللجان النيابية المشتركة عبر عقد جلسة أسبوعية للجان اعتباراً من الخميس المقبل، وذلك بالتوازي مع التسويق الجدي لاقتراحه حول وجوب الانصراف الى إعداد الموازنة العامة للسنة الحالية، وإقرارها، حتى في ظل حكومة تصريف اعمال، بالاستناد الى سابقة حصلت في العام 1969 في عهد الرئيس رشيد كرامي عندما كانت حكومته مستقيلة. والسبب الاساس في تشديد بري على إقرار الموازنة، هو لتجنّب وقوع البلد في المشكلة ذاتها التي وقع فيها لأكثر من 10 سنوات. فضلاً عن انّ تشريع الضرورة الذي تم اعتماده في ظل هذه الحكومة، تناول اموراً اعتبرت ضرورية كالبنود المتعلقة بمؤتمر سيدر، وعلى أهمية وضرورة هذه الامور فإنّ الموازنة هي اهم الضرورات، وبالتالي لا بد من إقرارها في أقرب وقت.
وإذ اشار بري الى انّ رئيسي الجمهورية والحكومة لا يمانعان في إقرار الموازنة، رفضَ ما يقال عن أنّ إقرارها في ظل حكومة تصريف اعمال سيعدّ إشارة سلبية على تأخير الحكومة: الحكومة معطّلة أصلاً، إذا أقرّينا الموازنة في هذا الوقت نوفّر مشكلة على البلد، وكلما تأخرنا تفاقمت المشكلة، علماً انّ الحكومة اذا ما تشكلت غداً، فستحتاج على الاقل 4 اشهر لإعداد الموازنة وإقرارها. فلماذا الانتظار كل هذا الوقت، طالما انّ الامكانية مُتاحة لتدارك المشكلة، فلماذا لا نستفيد من الوقت ولا نضيّعه؟ وبالتالي تأتي الحكومة وتكون هناك موازنة.

سلبيّات
يُشار في هذا السياق، الى انّ ترددات أزمة الصرف وفق القاعدة الاثني عشرية بدأت تتفاعل سلباً، مع بروز مخاوف من خطورة الاستمرار بلا موازنة، سواء لجهة تأثير ذلك على القدرة على تمويل إنفاق الوزارات، او لجهة مراقبة الانفاق، أو لجهة النكسة المعنوية التي ستصيب البلد وسمعته خارجياً، خصوصاً بالنسبة الى أموال مؤتمر «سيدر». واذا كان أحد الشروط الاساسية للدول المانحة في سيدر هو وجود موازنة، فكيف ستكون ردة فعل هذه الدول والمؤسسات المالية الدولية اذا ما تبيّن لها انّ لبنان أصبح من جديد بلا موازنة؟

تصعيد
والبارز في السياق الحكومي، إشارات التشدد التي يطلقها «اللقاء التشاوري» عبر بعض أعضائه، وهي أنه لن يقبل بأيّ إسم اضافي اليها يطرح من اي طرف سواء مباشرة او مواربة. وقالت مصادر اللقاء لـ«الجمهورية»: لا يوجد اي تواصل جدّي معنا حول المسألة التي تعنينا، وموقفنا سبق وعبّرنا عنه ونحن ثابتون عليه، وما يجري من طروحات جديدة لا تعنينا من قريب او بعيد، ونرفض ان تتكرر ذات التجربة معنا التي شهدناها مع طرح اسم جواد عدرا. وما نراه، اضافة الى انّ كل الاحتمالات واردة، اننا قد نُبقي على أسماء من سيمثّلنا، او قد نعود الى الاصرار على توزير أحد النواب الستة.

«حزب الله»
والمعلوم انّ اللقاء يتسلح بدعم الرئيس بري لموقفه، وكذلك بدعم «حزب الله»، الذي لوحِظ بالامس تَشدّد في موقفه، خلافاً لليونة التي أبداها وفده في بكركي قبل ايام قليلة وتحدث فيها عن ولادة وشيكة للحكومة. حيث رمى الحزب أمس كرة التعطيل في مرمى الرئيس المكلف، بحسب ما جاء على لسان عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق الذي قال: «انّ المشكلة في عدم تشكيل الحكومة من بدايتها واستمرارها وحلها في يد الرئيس المكلف الذي يرفض الاعتراف بتمثيل اللقاء التشاوري، والبعض كان يعتبر أنّ تمثيل اللقاء التشاوري سيأخذ من حصة الرئيس المكلف أو حصة رئيس الجمهورية».
ولفت إلى وجود صيغة تضمن ألّا يتنازل أحد عن حصته، وتضمن تمثيل اللقاء التشاوري. صيغة لا تكسر ولا تستفز أحداً وتمثّل السنة المستقلين وهي صيغة 32 وزيراً لتبقى حصة رئيس الجمهورية (وبتزيد) وحصة الرئيس المكلف (وبتزيد)، لكنّ هذه الصيغة التي وافقت عليها غالبية الأطراف تعرقلت برفض الرئيس المكلف، لأنه لا يريدهم ولا يريد أن يجلس معهم ولا أن يعترف بهم «ولا بَدّو يرحمهم ولا بَدّو يخَلّي رحمة الله تِنزل عليهم». وخلص الى القول: ليست المشكلة أبداً عند «التيار الوطني الحر» و«ما حدا يغلّط» بالعنوان، المشكلة عنوانها من البداية إلى النهاية عند الرئيس المكلف».

الاضراب
الى ذلك، إنقضى الاضراب العام الذي نفّذته أمس هيئات نقابية وعمالية ومنظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الاتحاد العمالي العام. وفي قراءة تقييمية للاهداف والنتائج، تبيّن في نهاية النهار، انّ الاضراب من حيث الحجم والالتزام لم يكن فاشلاً، كما تمنّى أفرقاء سياسيون لم يكونوا مرتاحين لأهداف الاضراب، ولم يكن ناجحاً بالقدر الذي توقعه من كان يراهن عليه لإحداث خَضّة تساهم في تحريك المياه الراكدة، على مستوى تشكيل الحكومة.
اللافت في الموضوع، انّ الاطراف السياسية الرئيسية في البلد حرصت على عدم اتخاذ موقف حاسم وواضح حيال تأييد الاضراب أو رفضه. وحتى الاطراف السياسية الرافضة للتحرّك، لم تستطع أن تعلن رفضها للعنوان الذي انضوى تحته المضربون، أي الاسراع في تشكيل حكومة، لبدء مرحلة الانقاذ، ووقف مسيرة الانحدار نحو الهاوية مالياً واقتصادياً ومعيشياً. واذا كان البعض قد غَمز من قناة انّ الاضراب موجّه بطريقة أو بأخرى ضد العهد، فإنّ «التيار الوطني الحر» نفسه أعرب عن تضامنه مع مطلب تسريع تشكيل الحكومة، ولو انه تحفّظ على توقيت الاضراب. وبالتالي، أثبتَ الاضراب حقيقة أكيدة، وهي أنّ مطلب الناس بالاجماع، وبصرف النظر عن الطرف المعرقل، ينحصر بتسريع تشكيل الحكومة.