خبر

المزارعون: نعم للتشريع… لا لـ«الكوتا»!

إيلده الغصين – الأخبار

على مدى سنوات طويلة، كان مزارعو الحشيشة يخافون المجاهرة بزراعتها أو بفوائدها التي «يتبجّح» بها السياسيون اليوم في تسويقهم لتشريعها. في البقاع الشمالي، بين بوداي والكنَيسة ودير الأحمر واليمونة، إلى مرجحين في الهرمل، مساحات هي «الأفضل» لزراعة هذه النبتة، بحسب المزارعين. «هذه الأرض خِلْقت للحشيشة» يقولونها بشيء من «الاعتزاز». تتفاوت آراؤهم في التشريع، لكنهم يُجمعون على ضرورة «أن يُحصر بالأماكن التي تزرع الشتلة عادةً»، وعلى رفض «الكوتا» لأنّها «ما بتوفّي».
حتى الآن، لا يعلم القسم الأكبر من مزارعي الحشيشة في البقاع أن «الأغراض الطبّية» التي فُتح موضوع تشريع القنّب الهندي «على شرفها» تتطلّب نبتة مختلفة عن تلك التي اعتادوا زراعتها. يسرد رئيس بلدية اليمونة طلال شريف، ما يعرفه عن التشريع في أوروبا وكندا: «هناك هجّنوا النبتة، بقيت بالشكل نفسه، لكن من دون مادة رباعي هيدرو كانابينول المخدّر. وأنشئت بنوك لتوزيع البذور المهجّنة على المزارعين».
تهجين النبتة لا يشكّل همّاً أساسياً للمزارعين الذين لا يعيرون أهميّة كبيرة لتفاصيل مشاريع القوانين. همّهم في مكان آخر: الكوتا والكميّات. «فرض كوتا على الكميات التي يمكن أن نسلّمها للدولة يقلّص من أرباحنا» يستنتجون. يطالب شريف «بدراسة الجدوى الاقتصادية لهذه الزراعة»، رافضاً وضع «كوتا على الكميات، بل فتح المجال أمام المزارع، ما دام ثمّة من يتسلم الإنتاج».

تخوّف من سيناريو التبغ
الحشيشة، بعد تشريعها، كما التبغ، زراعة مضمونة توفّر الدولة على المزارعين مشاقّ تصديرها بتسلّمها منهم بدل تركها لاحتكار التجار. لكن ذلك لا يلغي الخشية من تكرار السيناريو نفسه الذي يحدث في زراعة الدخان. فما يتقاضاه مزارع التبغ عن كل رخصة (أذون زراعي)، «لا يكفي للعيش طوال العام في انتظار موعد تسليم الإنتاج إلى الريجي (إدارة حصر التبغ والتنباك)». وعلى هذا النحو، لا يريد مزارعو الحشيشة أن تلقى زراعتهم لدى تشريعها المصير نفسه. مزارعو التبغ يعانون من التوزيع «غير العادل» للأذونات الزراعية التي يحتكرها البعض، ويشكون سوء الأسعار وتحديد حصّة الإنتاج من الدولة. المقارنة التي يعقدها المزارعون، سببها أن كثيرين منهم يزرعون الصنفين: التبغ والحشيشة، ويزرعون أيضاً الخضار وغيرها من الأصناف التي ينتجها سهل البقاع. لكنّها في النهاية زراعات «غير مضمونة». فـ «دونم البطاطا، مثلاً، كلفة زراعته تبلغ نحو 1500 دولار»، و«زراعة مئة دونم منه مخاطرة كبيرة، في ظل نقص المياه والأمراض التي تصيب البطاط، كالجعفير، فضلاً عن مشاكل التصريف». بينما بالمقارنة، كلفة زراعة «مئة دونم حشيشة تصل إلى عشرة آلاف دولار، مع مردود مضمون بين عشرين و25 ألف دولار أو أكثر بحسب السوق»، من دون «أي مخاطر»، لأن هذه الزراعة «لا تصيبها الأمراض ولا العطش»، اللهم إلا مخاطرة وحيدة: «ملاحقة الدولة»، فضلاً عن «الغبن اللاحق بالمزارع الذي يجني القروش، فيما يراكم التجار الملايين»، بحسب أبو حسن شريف.

التشريع «حقل تجارب»
في اليمونة البقاعية، تنعكس الشمس على البركة الصناعيّة الكبيرة، منذرة الواصلين بأنهم أطلّوا على الضيعة النائية. انتهى المزارعون من حصاد موسم الحشيشة ووضبوا المحصول بانتظار بيعه. لكن «السوق جامد» و«الرزق» ينتظر تصريفه و«لا أحد يشتري». هذا العام كما العام الماضي، لا يعلم المزارعون كيف سيصرّفون إنتاجهم. ينطلق رئيس البلدية «أبو علي طلال»، كما يناديه السكان، من مبدأ الموافقة على التشريع «لكون الناس يزرعون هذه النبتة منذ مئة سنة، والدولة لم تجد بديلاً سوى بلاغات البحث والتحرّي ومذكّرات التوقيف». تلك المذكّرات تشكل الهمّ الأول للناس هناك. لذا، لا مشكلة في «تجريب التشريع» طمعاً بـ «عفو عام». «ليس لدينا ما نخسره، منجرّب» يقولون. فهم، على أي حال، «مستمرّون» بزراعة الحشيشة حتى «لو لم تشرّع»، لأنّهم، ببساطة، «في بلد يخالف فيه قانون السير والبناء وكلّ شيء، فهل تتوقّف المسألة على هذه الزراعة؟»، يسأل أحدهم، لافتاً إلى «حسن نيّة المزارعين» عندما أقدموا «على وقف زراعة المخدّرات طوعاً عام 1992»، في انتظار حلٍّ لم تأتِ به الدولة. كلّ الزراعات البديلة «لم تنفع»، ولم تُوفَّر مستلزماتها، وبقيت مشاريع بلا «خطط طويلة الأمد». والأمثلة عديدة: زراعة الزعفران، والشمندر، والأشجار المثمرة، وسواها.

لا يريد مزارعو الحشيشة أن يكون مصيرهم بعد التشريع كمزارعي التبغ

يشكّل التشريع «الخرطوشة الأخيرة» بالنسبة إلى من يعتمدون على زراعة الممنوعات. «الخدمات معدومة، والناس على وشك أن يصيروا تحت خط الفقر» يقول أبو حسن، ويشكو مواسم التفاح والفاصولياء والبطاطا في بلدته التي يفوق ارتفاعها عن سطح البحر 1300 متر… «كلّه بيصقع، وحدها الحشيشة تقاوم الجليد». يتابع حاسماً: «زرعنا الحشيشة كي لا يستعبدنا أحد، نحن مع التشريع كي يعيش الناس بكرامة، ويخلصوا المطاليب، عليهم أن يجرّبوا خطوة التشريع ويجرّبونا معها». لا مشكلة بالنسبة إليه في «تسلُّم شتلة أخرى» شرط أن تكون «شيء يحرز. أما إذا قرّروا إعطاءنا مليون ليرة للدونم فليخيّطوا بغير هالمسلّة». لا خوف من التشريع «إذا أصبح بيد الدولة وليس التاجر»، الأخير «حلّ عندما غابت الدولة، وعندما تعود يغادر من تلقاء نفسه».

«سوق جامد ومواسم مضروبة»
في دير الأحمر يشكو المزارعون، بدورهم، مواسم «انضربت»، سواء موسم البطاطا أو الخيار أو البصل أو الحبوب أو العنب… حتى الحشيشة «جابت سوقها من سنتين» أما اليوم فـ«السوق جامد». بعد الحرب في سوريا «لم يعد من طرق للتصدير». يقول أحدهم: «لو أن وزارة الزراعة تهتم بالمزارع وتثبّت سعر كيلو البطاطا بخمسمئة ليرة مثلاً، لما كان أحد ليزرع الحشيشة»، مضيفاً: «يعتقد البعض أن التشريع سيجعله يزرع ويبيع الكمية التي تريدها». أما المشكلة الأكبر برأيه، ففي «حصول فائض في الإنتاج لا تتسلمه الدولة»، وتالياً «عودته للاستعمال الداخلي».
من جهتها، تشير المزارعة الخمسينية في الدير إلى أنه منذ أربع سنوات ومواسم العنب «لا تعطي». رغم ذلك، «نهتمّ بها حتى عادت تنتج هذا العام». المشكلة في «الاهتمام الكبير الذي تتطلّبه كلّ المزروعات البديلة التي يقترحونها». العنب واحد من «البدائل»، وقد استحدثت في الدير خمارات لصناعة النبيذ الفاخر وتصديره. كلّ المحاصيل والبدائل «الخسارة فيها قبل الربح». خصوصاً أنها ــــ على عكس الحشيشة ــــ تتطلّب أدوية وسماداً وعمّالاً.
الشحّ في المياه في كلّ موسم صيفيّ، بسبب «التعدّيات» يؤدي إلى تلف المحاصيل، ولا سيّما الكرسن والشعير والحبوب «كلّو راح». حتى القمح «هلِك» من الجفاف. المناخ «لا يساعد». أما الحشيشة فشأن آخر! أفضل نوعية من الحشيش «تصنع في منطقتنا، لأن الأرض لها». لا تهتمّ المزارعة بذكر اسمها «يا ريت بياخدوني شهر على الحبس بلكي برتاح وبفضى صلّي». ينتظر المزارعون بيع محصولهم من الحشيش بعدما «اشتغلوه» ووضّبوه. «لم أكن مع التشريع» تقول المزارعة الديرية، لكن اليوم «إذا فكّرت في الموضوع أقول: بلى». هكذا أفضل. «لنحسب أنه مثل «الدخان» (التبغ) هكذا نضمن أن ثمة من يتسلم المحصول، فلا نكون تحت رحمة تجار الحشيشة». أولئك التجار لا يراهم المزارعون «الكبار منهم لا نعرفهم، ناس تحت يد ناس، فلا يصل للمزارع إلا من الجمل دينتو». لا يهمّ إذا تسلّمت إدارة عامّة في الدولة المحصول أو شركة أدوية خاصّة «المهم ما يضلّ بالأرض». تبقى الدولة بكلّ علاتها، وبالرغم من غيابها «أماً رحوماً». أما الحصول على إذن لزراعة الحشيشة، فيجب ألّا يقلّ عن «20 إلى 25 دونماً، هذه الكمية يمكن أن تكفي عائلة».

مفارقات «الحشيشة»
يبدأ موسم زراعة الحشيشة في نيسان وينتهي في «التشارين». بعد القطاف، تأتي المرحلة «الأكثر دقّة لتحويلها إلى بودرة كيميائيّة»، وهي مرحلة «تتطلّب أماكن مخصّصة لها، وتكاليف على عكس زراعتها». الشغل في الحشيشة متعب، «القطاف والدقّ والتنظيف والتوضيب للتصدير يجب أن تكون على الأصول»، غير ذلك «ما بتزبط». «لا شيء سهلاً» في عالم الحشيشة، لكنها نبتة «مضمونة» برأي المزارعين، تتماشى ومناخ البقاع القاسي. يراوح سعر «الهقّة باب أول» بحسب تعبير مزارعي الحشيشة «بين 150 ومئتي دولار، وفق التاجر».
أما تعاطي المخدّرات «الآخذ بالازدياد»، فمردّه «إلى أن المراهقين يعانون البطالة والفراغ، ويشذّون عن القاعدة». والقاعدة المقصودة هي أن «المزارع لا يتعاطى». أما زراعة «الأبيض»، «فيتبرّأ» منها مزارعو البقاع. «الكوكايين والهيرويين وسواهما مواد لا تصنع هنا، بل يستوردها التجّار من الإكوادور وكولومبيا والبرازيل. هذا، وليس الحشيشة، ما يتعاطاه الشباب».