اشتباكات شمال حلب بين النصرة وجماعات «تركية»… ومسلحون أكراد يغادرون منبج
بري يجدّد الدعوة للدولة المدنية… ويمهّد للموازنة مع «تصريف الأعمال»
مزيد من التعقيد الحكومي رغم التفاؤل… ودعوة لنقل الملف إلى هيئة الحوار
كتب المحرّر السياسيّ – البناء
ظهرت نتائج مساعي موسكو تمهيداً للقاء القمة الذي سيجمع رؤساء روسيا وتركيا وإيران قريباً، فبدأ مئات المسلحين الأكراد بالانسحاب من منبج ليتسنى انتشار الجيش السوري وتحمل مسؤولية الأمن فيها وحده، كمثال لما يمكن أن يكون عليه الحال في كل المناطق الحدودية السورية التركية التي ينتشر فيها المسلحون الأكراد وتهدّد تركيا باجتياحها، بينما اندلعت مواجهات عنيفة سقط بنتيجتها عشرات القتلى بين جبهة النصرة وجماعات مسلحة تابعة لتركيا شمال حلب، وانتهت بسيطرة النصرة على عشرات المواقع التابعة للمسلحين، في خطوة وصفها مراقبون بعمل استباقي من النصرة لما التزم به الأتراك لروسيا في بدء حملة عسكرية عبر الجماعات التابعة لهم لضرب جبهة النصرة، وما تقوله الاشتباكات من ضعف هذه الجماعات أعاد التأكيد بما سبق وأظهرته مواجهات مشابهة وجعلت التخلص من النصرة مشروطاً بإطلاق العملية العسكرية التي أعدّ لها الجيش السوري وتنتظر تحديد الساعة الصفر.
بالتوازي مع تقدم مشروع الدولة السورية لاستعادة السيادة وحسم وحدة التراب الجغرافي، تحت سيطرة الجيش السوري، تتسارع الإشارات السياسية للانفتاح الدولي والعربي على الحكومة السورية، ويقف لبنان أمام عقدة استضافته للقمة الاقتصادية العربية التي تحوّلت بسبب غياب سورية عنها إلى تحدٍّ بدلاً من أن تكون فرصة، ويجري التشاور اللبناني العربي للبحث عن مخرج من الأزمة التي ستنعكس على لبنان بخسارة الكثير من الفرص التي تمثلها سورية في اقتصاده بأن يستضيف آخر القمم التي تغيب عنها سورية، بدلاً من تحويل قمة بيروت إلى قمة المصالحات أو التفاهم على تأجيلها لما بعد إتمام هذه المصالحات.
يُضاف إلى همّ القمة الاقتصادية العربية همّ التعثر الحكومي الذي لا يزال يراوح بين العقد، رغم التطمينات التي أرادت إشاعة التفاؤل، وبددها كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن دعوة حكومة تصريف الأعمال للبتّ بموازنة 2019 وتمهيده دستورياَ لفرضية مناقشتها من قبل المجلس النيابي في ظل حكومة تصريف الأعمال، اسوة بسابقة حدثت عام 1969 أثناء تعثر تشكيل حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي.
بري أعاد تأكيد أن المأزق الحكومي نتاج المأزق الذي تسبب به قانون الانتخابات النيابية الذي شوّه التمثيل النسبي بصورة دعت بري للتذكير بالحاجة لقانون انتخابي خارج القيد الطائفي والعودة إلى اتفاق الطائف وإلغاء الطائفية والسير نحو الدولة المدنية.
مصادر متابعة قالت إن كلام الرئيس بري الذي يشكل صمام أمان دولة ما بعد الطائف، يكشف كون الأزمة الحكومية كشفت كونها أزمة نظام أكبر من الخلافات التفصيلية التي تدور حولها العقد الحكومية، ورأت أن الخطوة التي ربما تكون أشدّ إلحاحاً اليوم أمام استحقاقي القمة الاقتصادية العربية والتعثر الحكومي، هي الدعوة لانعقاد عاجل لهيئة الحوار الوطني تناقش من خلال المفاهيم التي أرساها اتفاق الطائف بكيفية مقاربة الاستحقاقين، وتضع الخطوط العريضة للمعالجات التي تبقى منوطة بالمعنيين بتطبيقها وفقاً للصلاحيات الدستورية، فيخاطب لبنان العرب الذين رعوا اتفاق الطائف بمندرجاته تجاه العلاقة اللبنانية السورية، ويعود المسؤولون عن تشكيل الحكومة إلى مفهوم حكومة الوحدة الوطنية كما أرسى اتفاق الطائف قواعدها ضمن سياق الذهاب لإلغاء الطائفية، وليس الإمعان في التفتيت الطائفي والمذهبي.
الحكومة في سباقٍ مع «القمّة» والشارع!
وكما خابت التوقعات بأن تحمل أعياد الميلاد ورأس السنة عيدية حكومية تُثلِج قلوب اللبنانيين المسكونة بمرارة الفشل واليأس من مستقبل قد يأتي بالتغيير والإصلاح السياسي والإداري والمالي، لم تكُن بداية العام الجديد على قدر الآمال المعقودة على صعيد ولادة الحكومة، فالنيات والإرادة الايجابية بإيجاد حل للعقدة السنية غير كافيين بغياب أي فعلِ جدي حتى الآن يُخرج الحكومة من عنق الزجاجة، رغم إعادة تفعيل الحراك الحكومي الذي أطلقه الرئيس سعد الحريري أمس الأول، من بعبدا بلقاء رئيس الجمهورية وواكبه أمس، الوزير جبران باسيل بمروحة مشاورات مع أطراف عقدة تمثيل اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين.
فيما العد العكسي لموعد انعقاد القمة الاقتصادية العربية المرتقبة في بيروت منتصف الشهر الحالي يضغط على التأليف والمؤلفين والدولة برمتها لما للقرار اللبناني بدعوة سورية إليها من عدمه من تأثير كبير على المستويات السياسية والاقتصادية، تحدثت المعلومات بأن الرئيس المكلف يفضل تأليف الحكومة بعد انعقاد القمة لا قبلها لإبعاد الإحراج عنه في ظل الموقف العربي الرافض لمشاركتها حتى الساعة، فيما أشارت معلومات أخرى الى مشاورات يقودها رئيس الجمهورية والوزير باسيل مع الرئيس الحريري والقيمين على القمة الاقتصادية للاتفاق على موقف رسمي موحّد من هذا الاستحقاق يؤمن مصلحة لبنان العليا ولا يسبب الإحراج مع الدولة السورية ولا مع الدول العربية في الوقت عينه، إلا أن المعنيين لم يتوصلوا حتى الآن الى أي مخرج في هذا الشأن، فيما حذرت مصادر مطلعة في 8 آذار من أن عدم دعوة سورية الى القمة الاقتصادية سيترك تداعيات سلبية كبيرة على العلاقة المميّزة بين الدولتين اللبنانية والسورية، كما نصّ اتفاق الطائف، داعية رئيس الجمهورية الى اتخاذ القرار المناسب الذي يحقق مصلحة لبنان العليا لا مصلحة فريق معين، مشيرة إلى ضرورة تأجيل القمة الى ما بعد انعقاد القمة العربية في تونس في آذار المقبل، حيث باتت محسومة عودة سورية الى الجامعة، وبالتالي يمكن دعوتها الى القمة في العام المقبل، محذرة من أن انعقاد القمة من دون سورية يشكّل خروجاً عن سياسة النأي بالنفس الذي يتبعها لبنان منذ سنوات، لأن استقبال لبنان دول الحرب على سورية على أرضه يعتبر انحيازاً معها ضد سورية. أما مصادر «البناء» فلفتت الى أن «رئيس الجمهورية غير جاهز لدعوة سورية الى القمة وتجاوز الموقف العربي المشترك، إلا إذا حصل أمر ما على المستوى العربي في اتجاه مشاركة سورية في القمة»، ما يضع البلاد أمام سباق بين ولادة الحكومة وانعقاد القمة والشارع، حيث سيشهد لبنان يوم غدٍ الجمعة إضراباً دعا اليه الاتحاد العمالي العام كمبادرة احتجاج أولى قبل التوجه نحو التصعيد.
محاولة باسيلية لانتشال «المبادرة»
بالعودة الى الاستحقاق الحكومي، لم يُسجل أي خرق خلال العطلة الميلادية، أما اللافت فهو دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحكومة الحالية للاجتماع لمناقشة مشروع الموازنة وإقراره ما يؤشر الى أننا أمام أزمة حكومية طويلة الأمد، وقد لفتت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن لا حل واضح حتى الآن وقد انحصر الحل بين احتمالين اثنين: إما الاختيار من بين الأسماء الثلاثة الذي يصر عليها اللقاء التشاوري وهم حسن مراد وطه ناجي وعثمان مجذوب وإما البحث عن جواد عدرا رقم 2 يكون قاسماً مشتركاً بين رئيس الجمهورية و»التشاوري»، لكن العقدة بحسب المصادر ليس هوية ممثل اللقاء التشاوري بقدر ما هي علاقته برئيس الجمهورية وموقعه السياسي في الحكومة.
وقالت مصادر 8 آذار لـ»البناء» إن «طرح المداورة في الحقائب سقط بعد رفض الرئيس بري المساومة على هذا الأمر لا سيما وزارة المالية»، مشدّدة على أن «حزب الله لن يتراجع عن موقفه بدعم حلفائه السنة وأنه سيقبل ما يقبلون به ولن يوافق على أي تسوية تتجاوز تمثيل حلفائه بشكل واضح لا لبس فيه»، وأوضحت المصادر أن «قطبة مخفية خارجية تعرقل تأليف الحكومة، فيبدو أن الرئيس المكلف لم يتلقَ الضوء الأخضر الخارجي حتى الآن بل هناك رهان جديد على متغيرات إقليمية قد تحسّن في تموضعهم في تأليف الحكومة».
وقد حاول الوزير باسيل انتشال المبادرة الرئاسية من تحت الأنقاض، منطلقاً بمهمته القديمة الجديدة من بيت الوسط حيث التقى الحريري الذي استبقاه إلى مائدة الغداء. وقال باسيل بعد اللقاء: «طرحت على الحريري أفكاراً عدة، ولن نعدم وسيلة إلا ونقوم بها. فلدينا الكثير من الخيارات لنراعي عدالة التمثيل ولإيجاد الطريقة التي يتقاسم فيها الأفرقاء حل المشكلة بما يراعي قواعد التمثيل، واتفقنا على أن نستكمل الاتصالات بالمعنيين ومن ثم نجتمع ونقيم الأمور».
وإذ علمت «البناء» أن باسيل لم يحمل تصوراً كاملاً وواضحاً للحل الى الحريري، لفتت قناة الـ«أو تي في» الى أن «رئيس التيار الوطني الحر سيكثف اجتماعاته ومشاوراته في الساعات القليلة المقبلة ولا سيما بعيداً من الأضواء، ومع أكثر من جهة سياسية»، ولفتت إلى أن «باسيل طرح على رئيس الحكومة المكلف مزيداً من الأفكار من شأنها إعادة الوضع الى مساره الإيجابي بعد تعثر الاتفاق على توزير جواد عدرا، وسط تشديد على أن أفكاراً جديدة سيتم بحثها وأخرى قديمة تمت استعادتها»، بينما نقلت قناة الـ«أم تي في» عن مصادر مواكبة لاجتماع الحريري – باسيل أن «هدف الاجتماع إعادة الوضع إلى مساره الإيجابي بعد تعثر الاتفاق على اسم جواد عدرا والحل الذي طرحه باسيل قائم على أفكار جديدة وأخرى قديمة تمّت استعادتها». ولفتت إلى أن «باسيل طلب من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أن يرفع « اللقاء التشاوري » اسماً آخر غير الأسماء الثلاثة المطروحة»، إلا أن اللقاء التشاوري أكد على لسان أحد أعضائه النائب قاسم هاشم أن «مَن سيمثل اللقاء التشاوري سيلتزم بتوجيهات اللقاء ولا يمكن أن ينتمي لهذا الفريق أو ذاك»، مشدداً على أن «التسوية السابقة نسفت من مكان ولا علاقة للقاء التشاوري بهذا الأمر».
حزب الله: الحكومة وشيكة
وقد عاكس حزب الله موجة التشاؤم بالتفاؤل وأكد من بكركي أن ولادة الحكومة باتت وشيكة. فبعد زيارة وفد من الحزب برئاسة نائب رئيس المجلس السياسي في الحزب محمود قماطي، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في الصرح، قال قماطي: «عيدية التأليف لا زالت قائمة وإن تأخّرت قليلاً والجميع يشترك ويتعاون فيها وأكدنا لغبطته أن جميع المعنيين جادون بالتشكيل ولا عقبات خارجية، بل هناك خلل أصاب المحاولة الأخيرة للتشكيل ونتوقّع حكومة قريباً لأن النيات إيجابية». وأضاف رداً على سؤال «لطالما تم استحداث أعراف في التأليف ومِن قِبل الجميع وليس من قبل فريق واحد»، مؤكداً أن العلاقة في أمتن حالاتها مع الرئيس عون والتيار الوطني الحر، ولا مشكلة لدينا في إعطاء 11 أو 12 وزيراً للتيار الوطني». وتابع «هناك حلول لتمثيل اللقاء التشاوري يتم العمل عليها حالياً ولا نريد الدخول في التفاصيل لعدم حرق المبادرة».
بري دعا لإقرار الموازنة
أما على ضفة عين التينة فإلى جانب الهم الحكومي، حضرت الموازنة، إذ عُلم أنّ الرئيس بري أجرى اتصالاً بالرئيس الحريري طالباً انعقاد مجلس الوزراء لإقرار الموازنة. وتطرّق بري في لقاء الاربعاء إلى اجتهاد اعتُمد في العام 1969 أيام حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي عندما كانت في مرحلة تصريف الأعمال بعد أن تعذّر تشكيل حكومة جديدة بعد 7 أشهر، وقضى الاجتهاد بإقرار الموازنة العامة. وقال بري إن اعتبار الموازنة مسألة ضرورة فرض هذا الاجتهاد ويمكن اعتماده اليوم أيضًا. وأبلغ الحريري الاستعداد للسير بهذا الاجتهاد. إلى ذلك، أمِلَ بري في لقاء الأربعاء تأليف الحكومة في أسرع وقت، مشيرًا إلى أنّ التطورات الإقليمية تؤكد وجهة نظره بأنّ العقدة داخلية. وجدّد تأكيد أنّ الحلّ الوحيد حاضراً ومستقبلاً هو في قيام الدولة المدنية.
«العمالي» إلى الإضراب…
وفي ظل التعثر الحكومي وزحمة الاستحقاقات الداخلية والخارجية ذات التأثير الداخلي، صعّدت النقابات العمالية موقفها في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وفي السياق، دعا رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر إلى الإضراب والالتزام بالإضراب نهار الجمعة. وقال الأسمر بعد اجتماع موسّع في الاتحاد العمالي العام، «الإضراب ليس موجهاً ضد أحد وتشكيل الحكومة بشكل سريع هو الطريقة الصحيحة لبداية الحلول». من جهته، قرر اتحاد النقل الجوي في لبنان التوقف عن العمل لمدة ساعة من الساعة 9,30 الى الساعة 10,30 صباح الجمعة التزاماً بالإضراب. بدورها، دعت لجنة الاساتذة المتعاقدين في التعليم المهني والتقني في بيان «الى الإضراب العام نهار الجمعة المقبل».
في المقابل، أكد رئيس الهيئات الاقتصادية رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير رفض الهيئات الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي، مشدداً في حديث صحافي على أن «موعد الإضراب خاطئ وغير مدروس، فلبنان لا يزال في فترة الأعياد ويعجّ باللبنانيين المغتربين والسيّاح».