خبر

لماذا وصلنا إلى هذا الحال في “العهد القوي”؟

 

دافيد عيسى

لم يسبق أن وصل لبنان إلى هذا المستوى من الهبوط والانحدار وأن اللبنانيين لم تساورهم من قبل، حتى في عزّ أيام الحرب، هذه الكمية وهذه النوعية من المشاعر السلبية التي هي خليط من الخيبة والإحباط والقلق والقرف وحتى اليأس.
من علامات هذا المناخ السلبي المتفاقم أن موجة جديدة من الهجرة يشهدها لبنان منذ فترة بسبب انعدام فرص العمل تحت وطأة الشعور المتزايد بأن لا مستقبل للشباب والأجيال الجديدة في هذا البلد وأن الوضع ميؤوس منه…
مما لا شك فيه أن هناك أسباباً وعوامل ساهمت في تكوين هذا المناخ الشعبي المحبط أولها الازمة الاقتصادية الخانقة التي ترخي بثقلها على كاهل العمال وأرباب العمل وأصحاب المؤسسات والعاملين فيها وهو ما أدى إلى حالة اجتماعية متردية من هبوط مستوى المعيشة وتنامي حالات الفقر والعوز والبطالة…
وهناك أيضاً الفارق الكبير بين ما كان الناس يأملون به ويتوقعونه مع العهد الجديد وما تحقق على أرض الواقع من نتائج لا تتناسب مع مواصفات “العهد القوي” والآمال المعلقة عليه، وليست أزمة تشكيل الحكومة إلا انعكاساً لحالة الضعف والعجز في مؤسسات النظام المقيّد والمعطل بتوازنات واعتبارات طائفية و”ميثاقية”…
وهنا تقتضي الواقعية ان نقول انه من الظلم ان نقول ان الرئيس ميشال عون هو لوحده العهد او كأننا في نظام رئاسي وهو من في يده وحده الحل والربط وسلطة اتخاذ القرارات والتحكم بمجريات الأمور ويملك سلطة مطلقة ناسين إن الازمة في لبنان هي أزمة حكم ونظام ودولة، وهي أزمة إخلال بدستور الطائف عبر تطبيق منحرف ومجتزأ وتغليب الممارسة والأعراف المستحدثة على النصوص الدستورية.
إن هذا الوضع السيء الذي بلغناه والحال الذي وصلنا إليه ولامسنا فيه القعر و”التحت الذي ليس تحت تحته تحت” تقف وراءه جملة عوامل يمكن اختصارها في عاملين ومكونين أساسيين:
* الأول يتعلق بالدولة اللبنانية التي تعاني من أزمة بنيوية ومن مشاكل مزمنة وملفات مكدسة ومرحّلة من عهد إلى عهد ومن حكومة إلى حكومة في ظل ثقافة الإهمال وتأجيل المشاكل وفي أحسن الأحوال البحث عن حلول مؤقتة وظرفية لها، الدولة ينخرها الفساد وتعشعش فيها المحسوبيات والزبائنية وتشلها المحاصصة السياسية والطائفية، والخلاص من هذا الوضع لا يكون مع أي رئيس ومن خلاله مهما بلغ من قوة شعبية وسياسية، ولا يكون إلا مع عملية نهوض وطنية شاملة وإعادة بناء للدولة على أسس جديدة تضمن قيام الدولة القادرة والعادلة، والتوصل إلى عقد اجتماعي جديد يحدد الحقوق والواجبات، ويرسم إطار التوازنات وقواعد اللعبة.
* والثاني يتعلق بالظروف والأوضاع الإقليمية التي تحيط بلبنان وتحاصره منذ سنوات وتفاقم في مشاكله الداخلية لمجرد أن حل هذه المشاكل صار مرتبطاً بحل أزمات المنطقة، وهذا الوضع من الترابط والتأثير الإقليمي المتزايد اشتد في العامين الأخيرين وتحديداً منذ وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وما تلا ذلك من خلط للأوراق ومن تغيير في قواعد اللعبة وفي الأوضاع.
فالتسوية التي تم التوصل إليها قبل أعوام قليلة وعلى أساسها تم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة وإنتاج قانون جديد للانتخابات، هذه التسوية تمت في ظروف لم تعد قائمة اليوم وإنما تغيّرت بشكل كبير حيث أبواب المواجهة “الأميركية – الإيرانية” فتحت على مصراعيها، والصراع “السعودي – الإيراني” خرج عن ضوابطه ومن عقاله، والأزمة السورية دخلت مرحلة نهاية الحرب وبداية التسوية، والصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي” انتقل من مرحلة “حل الدولتين” إلى مرحلة عنوانها “صفقة القرن” والصفقة الكبرى والشاملة التي صار لبنان جزءاً منها ويتلقى نتائجها وتبعاتها…
من هنا وبعد كل ذلك لا يصح الحديث عن عقبات داخلية أدت إلى تأخير الحكومة وحالت دون ولادتها لمرتين ولا يصح رمي الأزمة على عهد ورئيس.
وفي الختام لا بد لنا من القول الأزمة ليست أزمة حكومة، إنها أزمة حكم ودولة ووطن وأصعب ما فيها وأكثر إيلاماً أن الحلول وبكل اسف ليست في متناول يد اللبنانيين ومصيرهم ليس في يدهم ولا رهن قرارهم الوطني وإرادتهم الحرة…