خبر

الغضب الشعبي يتقدّم على التأليف… وبرِّي: خــلف التعطيل شيء كبير

صحيفة الجمهورية

 

على وقع عودة التأليف الحكومي الى «ما قبل نقطة الصفر»، حسب معنيين به، إنفجر أمس غضب الناس في قلب بيروت في وجه السلطة الحاكمة والقوى السياسية المشاركة فيها أو الشريكة لها، معبّرين عن وجعهم، وصارخين في وجه طبقة سياسية ثبت أنّ لا هم لديها سوى تأبيد وجودها في السلطة وتحقيق مصالحها غير آبهة بمصالح اللبنانيين ومعاناتهم. وأكثر من ذلك لا تتوانى عن ممارسة القمع ضدهم، وتدّعي في المقابل أنها تقيم دولة تلتزم الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير. فالبلد يغرق بديون اقتربت من المئة مليار دولار، واقتصاده وماليته مهددان بمخاطر الانهيار باعتراف الجميع بمَن فيهم المختلفين الآن على عناصر «الوجبة الحكومية» الجديدة والمغانم التي يخططون للحصول عليها.
خطفت الأضواء أمس تظاهرة الوجع اللبناني من الواقع المرير على كل المستويات عن ملف التأليف الحكومي، الذي تحوّل مادة مبتذلة وتكراراً مَمجوجاً لعملية تقاسم السلطة بين قوى غير عابئة بالمخاطر التي تتهدد اللبنانيين في كل نواحي حياتهم أكثر من أي وقت مضى.

وقد تحوّلت التظاهرة الحاشدة في ساحة رياض الصلح وسط بيروت إعتراضاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية تحت وطأة الفشل في تأليف الحكومة، والتي تمّ «التجييش» لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الى عمليات كرّ وفرّ بين المتظاهرين والقوى الأمنية، إنتهت من حيث بدأت في وسط بيروت مع تَمركز عشرات المتظاهرين على بعد أمتار من السراي الحكومي.

وقد أسفرت المواجهات عن تعرّض بعض الاعلاميين، بينهم مصور «الجمهورية» ريشار سمّور، لضَرب بالعصى على رأسه على يد بعض العسكريين، ما يطرح سؤالاً كبيراً عن سبب الاعتداء على الإعلاميين والمصورين فيما هناك بؤر أمنية تستقوي على الدولة، وكذلك بالنسبة الى عدم محاسبة القيادات الامنية لمَن يقوم بأفعال كهذه.

وفيما ساد الشغب في أكثر من محطة للتظاهرة وتصدّت له القوى الأمنية من دون أن تخرج الأمور عن السيطرة، عكست الهتافات والصرخات التي أطلقها المتظاهرون وجع الشريحة الأكبر من المواطنين التي باتت ترزح تحت وطأة وضع ضاغط صار صعباً معه السكوت عن «جريمة» الاستمرار في السكوت على التواطؤ المريب بين أركان الطبقة السياسية على تدفيع اللبنانيين ثمن الحسابات الخاطئة لهذه الطبقة.

وبعد تَجمهر المتظاهرين في رياض الصلح منذ الحادية عشرة صباحاً، حَوّل مشاركون فيها وجهة التظاهر في اتجاه السراي الحكومي محاولين اقتحام العوائق الحديدية.

وقد تخلّل التظاهرة أعمال شغب أسفرت عن تكسير مستوعبات النفايات وأحواض الزراعة ورشق القوى الأمنية بعبوات المياه.

وبعد تصدي القوى الأمنية لأعمال الشغب إنتقل المتظاهرون الى شارع الحمراء ليعودوا أدراجهم ليلاً الى ساحة رياض الصلح، حيث تجمّعوا أمام السراي الحكومي وسط تدابير أمنية مشددة نفّذتها عناصر من مكافحة الشغب وجيش وقوى أمن وفوج الاطفاء.

الوضع الحكومي

على الصعيد الحكومي، وللمرة الثانية على التوالي، تصل «ملعقة» الحكومة إلى حلق اللبنانيين، وتسحب منه في لحظة. فيوم السبت، عُلّقت مبادرة رئيس الجمهورية ميشال عون بعدما أعلن «اللقاء التشاوري» رفضه أن يكون جواد عدرا ممثلاً عنه ربطاً برفض الأخير الالتزام بـ«اللقاء» قلباً وقالباً. وقد تزامن هذا التطور مع «فوضى» مُستجدّة على صعيد توزيع الحقائب بين القوى الأساسية، ما فرملَ عملية التأليف.

وقالت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» انّ الملف الحكومي تعطّل بكامله، ويمكن القول انه عاد الى ما قبل نقطة الصفر خصوصاً بعد التطورات التي رافقت طرح اسم جواد عدرا بإسم «اللقاء التشاوري»، بالاضافة الى الاعادة المريبة لموضوع الحقائب الوزارية مجدداً.

وعكست المصادر «انّ اللقاء التشاوري هو في صدد التصلّب أكثر في موقفه، وانّ الشخص الذي سيختاره لن يمنحه هدية لأحد، بل لأيّ كان، فسيمثّله حصراً ولن يكون هناك تكرار لمحاولة التحايل كمِثل التي جرت في الايام الاخيرة، والتي سَعت الى جعل هذا المرشح حصان طروادة على حساب اللقاء».

وكشفت هذه المصادر لـ«الجمهورية» انّ «أمام اللقاء التشاوري الآن 4 أسماء هي: عثمان مجذوب، طه ناجي، حسن مراد، علي حمد. وإن البَتّ بها يفترض ان يتم في وقت لاحق، حيث يتخذ القرار النهائي الذي سيلتزمه اللقاء بجميع أعضائه».

وعلمت «الجمهورية» انّ اتصالات جَرت في الساعات الاخيرة على خطوط مختلفة، سواء بين عين التينة و«حزب الله» وكذلك بين «حزب الله» وقصر بعبدا و«التيار الوطني الحر»، إضافة الى قصر بعبدا و«بيت الوسط»، ويمكن القول إنها عكست ضباباً داكناً في مسار التأليف.

وأشارت مصادر مطّلعة على الاتصالات لـ«الجمهورية» الى توقعات متشائمة حول مستقبل الحكومة تؤشّر الى عدم إمكان تأليفها في المدى المنظور، وهو ما عكسته أجواء عين التينة، وهو ايضاً ما عكسته أجواء «حزب الله» التي تفيد أنه بعد التجربة التي سادت في قضية تمثيل «اللقاء التشاوري» في الايام المنصرمة، وإن كان أبعدَ احتمال ولادة الحكومة قبل عيد الميلاد أو قبل رأس السنة، واذا استمرت الاجواء السائدة على ما هي عليه فإنّ الحكومة قد لا تشكّل قبل عيد الميلاد في السنة المقبلة.

وبالتالي، فإنّ الكرة هي في ملعب المعطّلين. لكنّ مصدراً لصيقاً بعملية التأليف قال لـ«الجمهورية» إنّ المشاورات متوقفة منذ السبت الفائت، ولا وسيط متنقّلاً بين المقار الرسمية، والاتصالات مقطوعة بين المعنيين، خصوصاً أنّ محاولة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الأخيرة لتبديل بعض الحقائب أثارت الحساسيات بينه وبين «القوات» وبين رئيس الحكومة سعد الحريري وبينه وبين الثنائي الشيعي، إضافة إلى أنّ باسيل يتهم «الحزب» في الوقوف وراء تصعيد «اللقاء التشاوري»، واستطراداً تعطيل التأليف.

موقف «حزب الله»

وفي ضوء تصعيد «اللقاء التشاوري»، قالت مصادر مطّلعة على موقف «حزب الله» لـ«الجمهورية» إنّ «قيادة «الحزب» كانت على علم بكل تفاصيل الاتفاق المكتوم بين الرئيس الحريري وباسيل فيما الرئيس نبيه بري لم يكن بعيداً عنه، والذي جرى تسييله مبادرة رئاسية كان تقضي في أن يسمّي كل عضو من «اللقاء التشاوري» إسماً أو إسمين، فيما ينصّ أحد بنود المبادرة بوضوح أن يكون الوزير المُختار ممثلاً حصرياً لـ«اللقاء التشاوري» بعدما قرر رئيس الجمهورية التخَلّي عن مقعد من حصته لمصلحة تمثيل النواب السنّة المستقلين.

ولما تبيّن أنّ خيار رئيس الجمهورية رَسا على جواد عدرا، تبيّن لأعضاء «اللقاء التشاوري» أنهم وقعوا ضحية «خدعة» وضعت أمامهم بمثابة أمر واقع عليهم التعامل معه. ومع ذلك تعاملَ «حزب الله»، وفق المطّلعين على موقفه، مع التطورات على قاعدة تسهيل التأليف وعدم عرقلة جهود المبادرة شرط أن يقبل بها النواب الستة.

أكثر من ذلك، سعى معاون الأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل إلى إقناع المجموعة السداسية بخيار عدرا طالما أنّ طبخة الحكومة نضجت ولا ضرورة أبداً لتفويت هذه الفرصة.

ويضيف هؤلاء لـ«الجمهورية» إنّ الأمور تعقّدت حين أبلغ عدرا الى النائب فيصل كرامي في وضوح إنّه سيكون في عداد «تكتل لبنان القوي» بعد تسميته وزيراً، وانّه لا يستطيع الالتحاق بـ«اللقاء التشاوري» ربطاً باتفاق مُسبق بينه وبين باسيل. الأمر الذي دفع النواب الستة إلى تصعيد موقفهم بعد رفض عدرا الالتزام بخيارهم السياسي، وكون المبادرة تنصّ على أن يكون الوزير المسمّى ممثلاً حصرياً لهم، بمعزل عن الحصة التي سيكون في عدادها.

وأكد المطلعون على موقف «حزب الله» أنّ قيادته أيّدت موقف «اللقاء» انسجاماً مع ما أعلنه الأمين السيّد حسن نصر الله في خطاب «يوم الشهيد»، وهي ملتزمة بهذا الخيار في انتظار ما سيقدم عليه أصحاب العلاقة.

«اللقاء التشاوري»

في هذه الأثناء أكد أحد أعضاء «اللقاء التشاوري» لـ«الجمهورية» أنّه لا يزال ملتزماً مبادرة رئيس الجمهورية ولم يسحب يده منها. وهو ينتظر ردّ الرئاسة الأولى التي وُضع بين يديها 5 أسماء، وبقي منها 4، وفي حال كان الردّ سلبياً، خصوصاً أنّ ما يتناهى إلى مسامع «اللقاء» حول رفض الوزير جبران باسيل أيّ من الأسماء المرفوعة من جانب النواب السنّة إلى رئاسة الجمهورية، لا يبشّر بالخير. فهذا يعني العودة إلى المربّع الأول، بحيث سيطالب «اللقاء» عندها بأن يكون أحد أعضائه وزيراً حسب ما كان مطروحاً في بداية المشاورات.

نص المبادرة

وحصلت «الجمهورية» على تفاصيل المبادرة التي كتبت خلال الاجتماع بين أعضاء «اللقاء التشاوري» والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، حيت تولى الأخير نقل موافقة رئيس الجمهورية عليها ونصّت على الآتي:

1- الاعتراف بحيثية «اللقاء التشاوري» وحقه بالتمثيل حكومياً.

2- مكان اللقاء الذي سيجمع «اللقاء التشاوري» مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة (القصر الجمهوري أو السراي الحكومي).

3- الجهة التي ستعلن الاعتراف.

4- حصر التسمية بشخص واحد إذا أمكن.

5- وزير «اللقاء التشاوري» سيلتزم التصويت لمصلحة «اللقاء» وحسب توجّهاته.

6- الاتفاق النهائي وإقراره في حضور النائب فيصل كرامي.

بري

في هذا الوقت أعربَ رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره عن قلق واضح ممّا آلَ إليه ملف التأليف والتعطيل المفاجئ الذي حلّ به، وقطع كل حبال التفاؤل.

وإذ استهجن بري الطريقة التي اتّبعها البعض في محاولة تمرير توزير جواد عدرا بطريقة تصادره من «اللقاء التشاوري»، أعرب عن خشيته من «أن يكون خلف التعطيل شيء كبير حتى الآن لم يتضح بالنسبة إلي، وبالتالي هو أمر أكبر من قصة «اللقاء التشاوري»، وأعمق من الحقائب، مع العلم انّ موضوع الحقائب كان مُنتهياً منذ زمن طويل والرئيس الحريري نفسه قال انه لم يعد ينقص شيء سوى أسماء وزراء «حزب الله»، واتُهِم «الحزب» بأنه يعطّل تأليف الحكومة لأنه لم يسلّم أسماءه. الّا انّ الايام الاخيرة أكدت أنّ المسألة لا علاقة لها بالحزب ولا بأسمائه، علماً بأنني أنا شخصياً لم أقدّم أسماء وزراء كتلة التنمية والتحرير».

وأشار بري الى «انّ الامور كانت منتهية، ووصلنا الى وضع على طريقة «قوموا لنهنّئ» اعتقاداً بأنّ الحكومة ستولد في ساعات. لكنّ هذا لم يحصل مع الأسف. أمّا لماذا لم يحصل فهذا ما لم نعرفه».

ورداً على سؤال عمّا اذا كان هناك عامل خارجي في تعطيل الحكومة، قال بري: «أمام ما نراه وما حصل لا أستبعد هذا الاحتمال، فالمسألة تبدو كبيرة جداً».

وحول التظاهرة التي شهدها وسط بيروت أمس، قال بري: «مطالب المتظاهرين مُحقّة. هم يطالبون بحكومة، ونحن ايضاً نطالب بحكومة. مع الاشارة الى انّ هناك أعداداً كبيرة من المتظاهرين هم من الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، ولم يتم تعيينهم بعد وأنا شخصياً مع مطالبهم».

وتطرق بري الى التطورات الاقليمية والدولية، ولاسيما منها القرار الاميركي بالانسحاب من سوريا، فقال: «هذه التطورات تستوجب المواكبة، خصوصاً انها تشرّع باب الاحتمالات واسعاً».

الحريري وجنبلاط

الى ذلك، رأى الحريري، في تغريدة على»تويتر»، أنه «لا بدّ أحياناً من الصمت ليسمع الآخرون».

من جهته، عَلّق رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على عرقلة تشكيل الحكومة، عبر «تويتر»، فقال: «الحكومة لم تستطع الإقلاع، لمزيد من التشاور ومزيد من الدين».