خبر

فوضى سياسية وإعلامية تواكب العقد الحكومية والتظاهرات… وحزب الله يوضح

ترامب لانسحاب منسّق وتدريجي خلال مئة يوم… ونتنياهو منزعج وأردوغان يرحّب
اللواء علي المملوك في القاهرة… وملفات المنطقة والوضع العربي على الطاولة
فوضى سياسية وإعلامية تواكب العقد الحكومية والتظاهرات… وحزب الله يوضح

كتب المحرّر السياسيّ – البناء

فيما لا يزال الحدث الدولي والإقليمي الأول هو القرار الأميركي بالانسحاب من سورية مع تداعياته الداخلية في واشنطن، في ظل تصدّعات تصيب إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتجاذب بين الإدارة والكونغرس يؤدي لتعطيل الحكومة، برزت المزيد من الخلفيات التي توضح سياق القرار مع التخفيض التدريجي لحجم القوات الأميركية في أفغانستان، وصولاً للانسحاب الكامل، وما يرافق هذا التخفيض من تبلور مرجعية إقليمية خماسية تضمّ روسيا والصين وإيران وباكستان وأفغانستان تحظى بتأييد أميركي يمنع مواصلة ربط الوجود الأميركي في سورية بالانسحاب الإيراني، وهو ما يفسر الغضب الإسرائيلي على القرار، الذي أتبعه الرئيس الأميركي بتوضيحات عن طابع تدريجي ومنسق لتنفيذه لقي ترحيباً تركياً، بينما الاستعدادات التركية العسكرية على حدود سورية تستمر مرفقة بإعلان تأجيل موعد خوض عملية عسكرية قريبة شرق الفرات، يرافقها حشد عسكري سوري باتجاه دير الزور، ومحادثات سورية مع القيادات الكردية في ظل معلومات عن وجود قيادات كردية بارزة في دمشق.

الموقف السوري الذي يزداد قوة مع التطوّرات والمتغيّرات المرتبطة بالتسليم الدولي والإقليمي بكون الدولة السورية الموحّدة هي الضامن الوحيد للأمن الدولي والإقليمي في سورية وعبرها، جرى تظهيره عبر الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس مجلس الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك إلى القاهرة بدعوة من وزير المخابرات المصرية عباس كامل، وفيما اقتصرت البيانات الرسمية في الحديث عن بحث العلاقات الثنائية، قالت مصادر متابعة إن الزيارة مفصلية في رسم المشهد الإقليمي وتعبر عن رغبة مشتركة ببلورة موقف عربي قادر على استعادة زمام المبادرة بعد غياب طويل ارتبط بغياب دور قيادي لمصر وتغييب الحضور السوري في المؤسسات العربية الرسمية، وفيما تبدو سورية متحمّسة لتشجيع مصر على التقدم نحو تفعيل حضورها الإقليمي ومستعدّة لوضع أوراق القوة السورية في خدمة استعادة دور عربي فاعل ملتزم بثوابت للأمن القومي، لا تبدو متحمّسة لعودة باردة إلى المؤسسات العربية المشلولة والعاجزة خارج إطار تفاهم مسبق مع مصر على الكثير من العناوين، لتشكل الزيارة فرصة لاختبار الإمكانيات المتاحة قبل تبلور قرار سوري نهائي بكيفية التعامل مع الوضع العربي المتغيّر على إيقاع انتصاراتها.

لبنانياً، كانت الفوضى السياسية والإعلامية هي السائدة مع تزامن سقوط الآمال بحلحلة حكومية بعد العقد المستجدة، سواء بسوء التدبير الذي رافق صيغ تمثيل اللقاء التشاوري، وما كشفه ترك التفاهم على موقع الوزير المفترض جواد عدرا لما بعد تقديم اسمه، أو لما ظهر من ملفات لا تزال عالقة تنتظر التفاوض كتوزيع الحقائب التي تبين أنها لم تحسم رغم الكلام الكثير عن أن العقدة الأخيرة كانت في حل مسألة تمثيل اللقاء التشاوري، وترتب على هذه العقد بلبلة سياسية وإعلامية في ساحة العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر ملأتها تسريبات منسوبة لمصادر، وزاد الطين بلة ترافقها مع تظاهرات بيروت الاحتجاجية وقيام مواقع ومؤسسات إعلامية بنسبتها لحزب الله كمحرّض ضمني عليها ومنظم لقيادتها، ما استدعى توضيحات من حزب الله ليلاً حول المسألتين، فأعاد حزب الله توزيع تعميم سابق له حول التظاهرات قبل يومين ورد فيه «نحن لا نشارك بأي تحرك لسنا مشاركين في تنظيمه وقيادته وتحديد أهدافه ومساره والنتائج المرجوة، ونحن نقف إلى جانب الناس في تحقيق مطالبهم المعيشية وتحصيل حقوقهم كمواطنين، ولكننا ندعو في نفس الوقت إلى إعطاء العمل الحكومي ونحن على أعتاب تشكيل الحكومة وقته لتحقيق إصلاحات جدية من خلال الوزارات، والعمل التشريعي في مجلس النواب للحدّ من موارد الفساد، ونتمنى من جميع الأخوة والأخوات الابتعاد عن لغة التخوين واحترام خيارات من يودّ المشاركة في التظاهر»، بينما وزعت العلاقات الإعلامية في حزب الله توضيحاً حول العقد الحكومية، وما نسب لمصادر محسوبة على حزب الله وقال التعميم:

«أولاً: حزب الله لم يُصدر أي بيان أو تعليق في هذا الشأن.

ثانياً: للمرة الألف لا توجد مصادر في حزب الله أو مصادر قريبة منه.

ثالثاً: كل ما ينقل عن المصادر ما لم يصدر عن جهة رسمية أو مسؤول محدد في حزب الله باسمه لا يعنينا إطلاقاً ولا قيمة له».

الحراك الشعبي يتمدّد ويسابق ولادة الحكومة

لم تَصمُد موجة التفاؤل التي سادت المشهد الحكومي بقرب ولادة الحكومة عشية عيد الميلاد المجيد سوى أيام معدودة ليعود التشاؤم ليحل مكان التفاؤل الحذر، فالحكومة التي جهِد السياسيون لتقديمها كعيدية للبنانيين علّها تسهم في لجم الغضب الشعبي العارم الذي انفجر أمس، في الشارع في مختلف المناطق اللبنانية، عادت المصالح السياسية والمالية لتتحكم بقرار المعنيين بالتأليف في ربع الساعة الأخير، ما أعاد الحكومة الى مربع الجمود، بعد سحب اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين المرشح جواد عدرا من لائحة المرشحين التي تسلمها رئيس الجمهورية بعد رفض عدرا إعلان انتمائه الى اللقاء التشاوري والالتزام بقراراته في مجلس الوزراء.

ما يدعو للتساؤل: هل سقطت المبادرة الرئاسية الخماسية؟ ومَن أسقطها؟ هل هو تمسُك رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالثلث المعطل؟ وهل يتدخل رئيس الجمهورية مجدداً للإمساك بزمام الأمور ودفع مبادرته الى الأمام والموافقة على أن يكون عدرا ممثلاً لسنة المعارضة لا للرئيس أو لتكتل لبنان القوي؟ وماذا لو لم تُشكل الحكومة خلال الأيام القليلة المتبقية من العام الحالي؟ وهل باتت المواجهة بين السلطة الحاكمة والشارع حتمية وسط تفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية وتمدد دائرة الحراك الشعبي؟

وبعد تظاهرة الأسبوع الماضي، شهدت العاصمة بيروت وبعض المناطق اللبنانية أمس، اعتصامات وتظاهرات احتجاجاً على استشراء الفساد وتردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، أما التظاهرة الأضخم فكانت في وسط بيروت، حيث انطلق المتظاهرون بعد تجمّعهم في ساحة الشهداء نحو ساحة رياض الصلح، رافعين الأعلام اللبنانية وأطلقوا شعارات «لا للطائفية كلنا بدنا بطاقة صحيّة»، «الشعب يريد إسقاط النظام». وأعلن المنظمون أنهم لا يقلّدون التظاهرات التي تحصل في فرنسا، بل إنهم يطالبون الدولة اللبنانية بأن تحذو حذو الدولة الفرنسية في رفع أجور العمال والموظفين وخفض الضرائب وغيرها من الأمور التي تحفظ للمواطن كرامته في وطنه.

وحصل صدام بين القوى الأمنية والمتظاهرين أمام السراي الحكومية، بعد محاولة منهم لإزالة العوائق الحديدية، كما رشقوا عبوات المياه على القوى الأمنية.

وبعد الضهر توجّه المتظاهرون إلى وزارة الداخلية في منطقة الصنائع. واستقدم الجيش والقوى الأمنية تعزيزات. ووضع المتظاهرون مستوعبات النفايات في وسط الطريق المؤدي إلى شارع الحمراء، وأشعلوا النيران داخلها، مردّدين الشعارات الداعية إلى تأمين البطاقة الصحية، إضافةً إلى مطالب معيشية أخرى، ومنها تأمين العمل والحدّ من العمالة الأجنبية.

وبعد ذلك، تجمّع عدد من المتظاهرين أمام مبنى وزارة السياحة، وعمد عدد آخر منهم إلى تكسير واجهات بعض المحال التجارية في شارع الحمراء الرئيسية، مردّدين هتافات «ثورة»، وسط انتشار أمني بداية من أمام مصرف لبنان، فتدخلت قوى الامن وعناصر الجيش بالقوة لإبعاد المتظاهرين وحصلت اشتباكات بين الطرفين لم يسلم من نتائجها الجسم الصحافي والإعلامي حيث أدى الى اصابة مصور قناة الجديد في يده وفريق عمل قناة أو تي في، وعلى الفور أصدرت قيادة الجيش بياناً دعت فيه «المتظاهرين إلى التظاهر السلمي وعدم التعدّي على الأملاك العامة والخاصة، وتؤكّد أن الاعتداء عليها يخرج عن هذا الإطار وأنّها لن تسمح بالتعرض لهذه الأملاك، كما تدعو المتظاهرين إلى عدم الخروج عن السياق المطلبي المحدّد للتظاهرة». وتمكنت القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي، من تفريق المتظاهرين الذين غادروا منطقة الحمراء.

كما شهد الجنوب والشمال والضاحية الجنوبية عدداً من التظاهرات شملت النبطية وطرابلس وطريق المطار. وتوعد المتظاهرون بتكرار مشهد الأمس في كل يوم أحد.

«الثُلث المعطل» مجدداً يعرقل التأليف

ووسط هذه الأجواء لم يجد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري للتعبير عن امتعاضه مما آلت اليه الأوضاع سوى الصمت، مغرداً على تويتر بالقول: «لا بد أحياناً من الصمت ليسمع الآخرون.»

لكن مَن هم الآخرون الذين قصدهم الحريري؟ هل هم اللقاء التشاوري؟ بالتأكيد لا تجيب مصادر مطلعة لـ»البناء» لأن «الرئيس المكلف ليس مسؤولاً عن تعثر المبادرة الرئاسية، بل هو وافق على هذه المبادرة وعلى آلية إخراجها وهو كان ينتظر اتصالاً من رئاسة الجمهورية للحضور للقاء الرئيس ميشال عون وأعضاء اللقاء التشاوري والتشكيلة النهائية في جيبه، لكن الاتصال لم يحصل وتغير كل شيء»، ما يعني بحسب المصادر أن الحريري لا يقصد اللقاء التشاوري لأن المبادرة جاءت لمصلحة الرئيس المكلف، إذ إن الاسم الذي وافق عليه سنة المعارضة لا يشكل استفزازاً له ولا ينتمي الى 8 آذار كما أنه مُثِل من حصة رئيس الجمهورية وليس من حصة المستقبل، ما يؤكد بأن الحريري قصد الوزير باسيل وليس اللقاء التشاوري.

وفي سياق ذلك، رأت أوساط مطلعة في 8 آذار لـ»البناء» أن «الأمور عادت الى الوراء ليل الجمعة الماضي حيث لم يأتِ عدرا الى الاجتماع مع اللقاء في دارة النائب عبد الرحيم مراد لإعلان انضمامه الى هذا اللقاء كما كان متفقاً عليه، بيد أنه لم يأخذ الضوء الأخضر من الوزير باسيل الذي يفسر البند الأخير في المبادرة بأن اللقاء التشاوري يسمّي أسماء عدة، لكن مجرد اختيار عون الاسم يصبح من حصة الرئيس وتكتل لبنان القوي»، ويبدو بحسب الأوساط بأن «باسيل مصر على 11 وزير، وما زاد الطين بلة هو أنه فيما كان حزب الله يبذل جهوداً كبيرة لإقناع اللقاء التشاوري بتسمية عدرا لإنهاء الأزمة كان باسيل يفتح معارك تبديل الحقائب على الجبهات كافة، فحاول انتزاع وزارة الشباب والرياضة من حزب الله مقابل وزارة المهاجرين واستبدال وزارة البيئة من الرئيس نبيه بري على أن يتولى الحريري إقناع الوزير وليد جنبلاط بالتخلي عن وزارة الصناعة مقابل الإعلام الى جانب الضغط على القوات اللبنانية لاستبدال مقعد كاثوليكي بماروني غير أن جميع الأطراف رفضت عروض الرئيس المكلف»، وقد تردّد بأن إصرار الوزير باسيل على وزارات الأشغال والبيئة والصناعة التي لها علاقة كبيرة بالمشاريع الاستثمارية المخصصة في مؤتمر سيدر.

إلا أن مصادر التيار الوطني الحر سرّبت عبر قناة للـ»ام تي في» ان «الاتفاق هو ان يكون عدرا من حصة رئيس الجمهورية ميشال عون وأن يلتزم بقراراته»، وأضافت: «الأفرقاء كانوا يدركون التزام عدرا وبطليعتهم اللقاء التشاوري». وقالت المصادر: «تفاجأنا بعودة «اللقاء التشاوري» عن المتفق عليه»، وأشارت الى أن «الطرف الذي تراجع ليس رئيس الجمهورية وليس رئيس التيار جبران باسيل».

وختمت: «هناك قطبة مخفية في مكان ما لعرقلة العهد والمطلوب حالياً من الذي انقلب على المبادرة أن يعود الى رشده». وردت مصادر «التيار الحر» على اتهام الرئيس وباسيل بالتعطيل، وقالت لـ «أو تي في» إن «المنطق يقول إن أحداً لا يقوم بتعطيل نفسه والواقع أن الرئيس والتيار سهلا عملية التأليف الى الحد الأقصى، وقدما مبادرة من المستحيل أن يقوما بتعطيلها بأنفسهم». ولاحقاً كتب باسيل على «تويتر: «كان بدّن يانا نكذب ونحنا ما منكذب ويمكن بدّن يانا نستسلم ونحنا ما رح نوقّف لحتّى تتألف الحكومة متل ما لازم وتربح اماني اللبنانيين بهالعياد».

في المقابل ردت مصادر اللقاء التشاوري على وزير الخارجية عبر «البناء» قائلة: «حاول المعنيون بالتأليف تمرير اسم عدرا كمؤامرة لشق صف اللقاء التشاوري ودفعه للموافقة عنوة، بعدما استشعر ضعف موقف اللقاء بعد الخلاف بين أعضائه وضغط حلفائه عليه، فحاولوا الضغط أكثر علينا وعلى عدرا كي يكون من حصة التيار الوطني للاحتفاظ بالثلث المعطل. وهذا ما لن يحصل، فكيف فسّر التيار الحر المبادرة الرئاسية على أن الوزير الـ 11 سيكون من حصته؟ مطلبنا كان واضحاً منذ البداية نوافق على وزير يعبر عن موقف اللقاء ويعلن انتماءه لنا وليس لغيرنا».

وتشير المصادر الى «أننا دعونا عدرا أكثر من مرة لكنه رفض الحضور، وأعلن أنه سيكون من حصة الرئيس عون»، وأضافت المصادر: مصير الحكومة معلق على توجه رئيس الجمهورية هل يريد إنعاش مبادرته واختيار أحد الأسماء الأخرى أم الاستمرار في تغطية باسيل لنيل الثلث المعطل؟

أما عن احتفاظ التيار الوطني الحر بالثلث المعطل فأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن باسيل يريد الاحتفاظ بالثلث المعطل لاعتبار أنه بعد نهاية ولاية الرئيس عون لن يتم الاتفاق على رئيس آخر فتعيش البلاد فترة شغور رئاسي، وبالتالي ستملئ الحكومة العتيدة الفراغ والإمساك بالثلث الحكومي يمكن الفريق المسيحي الأقوى بالتحكم بمصيرها حتى انتخاب رئيس للجمهورية». وتضيف المصادر بأن «الحريري لا يريد وزيراً سنياً مع المقاومة بل يريد وزيراً مستقلاً أو مع رئيس الجمهورية».

وقد علمت «البناء» في هذا الصدد أن الاجتماع الذي حصل بين عدرا والنائب فيصل كرامي لم يؤد الى نتيجة بل رد عدرا على طلب كرامي بأن ينضم الى اللقاء التشاوري: «لا أستطيع أن التزم مع فريق محسوب على حزب الله والمقاومة. مصالحي في الولايات المتحدة والخليج لا تسمح لي».

وكان «اللقاء التشاوري» للنواب عقد اجتماعاً مطولاً في منزل النائب عبد الرحيم مراد، في حضور أعضائه الستة وأعلن ببيان سحب تسمية جواد عدرا».

بينما شنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال قداس الأحد في بكركي هجوماً عنيفاً على المسؤولين السياسيين الذين «يماطلون منذ سبعة أشهر كاملة في تأليف الحكومة، مختلقين في كل مرة تصل الحلول إلى خاتمتها، عقدةً جديدة. وهم بذلك يلحقون ضررًا كبيرًا بالدولة موقعين فيها يوميًا خسائر مالية جسيمة، وينتهكون كرامة شعب يحكمون عليه بمزيدٍ من الفقر والحرمان والقلق».