خبر

الأزمة تخرج إلى الشارع

صحيفة الأخبار

 

 

تأثُّر المُتظاهرين، في بيروت أمس، بحركة السترات الصفر الفرنسية، لا يعني أنّ تحرّكهم غريب عن الواقع اللبناني. فالأوضاع هنا مأسوية، والأحوال الاقتصادية التي تُهدّد الفئات المُهمشة وأبناء الطبقة المتوسطة، تُشكّل عبئاً ثقيلاً على اللبنانيين. تداعى الشباب إلى الشارع في بيروت وطرابلس والجنوب، بمبادرة منهم، ومن دون أن يظهر أنّ لهم غطاءً حزبياً، سقفهم المطالب المعيشية

التظاهرات التي نُظِّمت أمس في بيروت وطرابلس والجنوب، قد لا تكون دليلاً على أنّ «الثورة» قد انطلقت، ومن الممكن أن لا تُعلَّق عليها آمالٌ كبيرة لزلزلة أركان «النظام». إلا أنّها، وبالإضافة إلى التظاهرة التي نظّمها الحزب الشيوعي اللبناني في 16 الشهر الجاري، أساس يمكن المراكمة عليه، ومؤشر إضافي على حالة الحنق العامة التي وصل إليها أبناء الفئات المُهمشة والمواطنون من الطبقة المتوسطة. هؤلاء مُهدّدون بخسارة أبسط حقوقهم، وبأن يتحمّلوا النتائج الكارثية لسقوط النموذج الاقتصادي المعتمد منذ عقود. لم يعد أحدٌ منهم بمنأى عن صعوبة المرحلة، والجميع يشعر بوطأة الأزمة. شهرٌ سابع يمرّ على الفراغ الحكومي في البلد، بسبب صراعات على مقعدٍ زائد من هنا وتمثيل من هناك. تضاف إلى الوضع السياسي المُعقّد، الحالة الاقتصادية الخطيرة، وما يُنشر من تقارير تحذّر لبنان بأنّه يقف على حافة الانهيار، إن لم يكن قد دخل في المسار الذي سيوصل في النهاية إلى السقوط العظيم. مُعدلات البطالة في لبنان هي شديدة الارتفاع، إذ تصل بعض التقديرات إلى تحديد نسبة العاطلين من العمل بين الشباب بنسبة 36%، وترتفع النسبة لتصل إلى 47% في المحافظات البعيدة عن العاصمة. الصورة سوداوية من كلّ جوانبها، ولا تترك أي مجال للأمل، حتى ولو حُلّت العقد الحكومية وانطلقت «الإصلاحات». فثمة ما يشبه الاقتناع العام بأنّ الوضع لن يتحسّن، طالما أنّ السياسات هي نفسها، يجري تناقلها من حكومة إلى أخرى، بوجود القوى السياسية عينها. كلّ هذه الأمور، دفعت بلبنانيين أمس، وقبله في 16 كانون الأول، إلى الشارع. تحرّكات بيروت وطرابلس والجنوب، التزمت سقف المطالب المعيشية ومحاربة الفساد. الدعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يكون للتحرّك هوية واضحة أو تتبناه جهة سياسية ما. على الرغم من ذلك، تمكن المنظمون من حشد عدد لا بأس به من المتظاهرين، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ كثيرين يُفضّلون الانتظار إلى أن تتضح هوية التحرك ومآل الأمور، قبل أن يضعوا ثقتهم به وينزلوا إلى الشارع.

المتظاهرون أمس تنوعوا بين مُلتزمين حزبياً ومُستقلين. تداعوا إلى التظاهر عبر «تويتر» و«فايسبوك»، من دون اجتماعات تنسيقية مُسبقة. لم يوجهوا تحركهم ضدّ «جهة مسؤولة» مُحدّدة. ولم يحملوا شعارات موحدة، كما أنّه لم يكن لتحركهم مطالب واضحة. كلّ واحد منهم صرخ بالشعار ــــ المطلب، الذي يُعبّر عن وجعه. إلا أنّهم مُجمعون على نقطتين: سوء الأوضاع الاقتصادية، ومواجهة الفساد.

انطلق المتظاهرون في بيروت، ظهر أمس، من ساحة الشهداء نحو ساحة رياض الصلح، حيث رمز السلطة التنفيذية. كانت الأمور هادئة إلى أن انطلقت المواجهات بين بعض المتظاهرين والقوى الأمنية، بفعل تقدّم عدد من الشبان في محاولةٍ منهم لإزالة الحواجز الحديدية الفاصلة أمام السرايا الحكومية. عبوات مياه، تدافع، دخان… العدّة «الطبيعية» لكلّ تظاهرة. المواكبة الأمنية من قبل عناصر الأمن الداخلي ومن الجيش اللبناني للتظاهرة، كانت بأعدادٍ وعتاد كبيرين. فجأةً بدا أنّ الأمور تخرج من تحت السيطرة: إشعال النار في مستوعبات النفايات على جسر بشارة الخوري، مواجهة بين الجيش والمتظاهرين على جادّة شفيق الوزّان، اعتداء عناصر من الجيش على الصحافيين والمُصورين، انتقال التظاهرة من وسط العاصمة إلى شارع الحمرا مع إقفال للمحال التجارية لبعض الوقت، قبل أن تعمد القوى الأمنية إلى تفريق المُحتجين، عودة قسم من المتظاهرين إلى ساحة رياض الصلح… لينتهي النهار بتحوّل المُتظاهرين إلى «فريقين».
فقد أصدر «حزب سبعة» بياناً يُعلن فيه أنّه كان موجوداً في الشارع «كمكون أساسي في تظاهرة رياض الصلح وساحة الشهداء، ورفعنا الصوت عالياً، وأصررنا على سلمية النضال. ونستنكر عمليات الشغب التي تحصل في شارع الحمرا، مع تفهّمنا الكامل لوجع المواطنين الذين وصلوا إلى حالة اليأس والغضب». في حين أنّ أحد الداعين إلى التظاهر، الزميل علي مرتضى، غرّد على «تويتر»، مُتهماً «حزب سبعة وطلعت ريحتكم، بأنّهما أدخلا خلال التظاهرة، مُكبّراً للصوت، مُطلقين من خلاله الشتائم. تدخّلت مانعاً إياهم من استكمال مسعاهم للفتنة بين المتظاهرين (…) كان هناك مجموعة من المتظاهرين مصنفين من الحراك المدني، وكانوا غاية في الرقي والاحترام، رغم الاختلاف في النظرة السياسية وركّزوا على المطالب المعيشية كما فعلنا نحن مناصري الأحزاب السياسية». وأضاف مرتضى إنّ «التظاهرة التي دعا إليها بعض نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي انتهت عند الساعة الثانية ظهراً». وأعلن تعليق التحركات إلى ما بعد انتهاء عيدَي الميلاد ورأس السنة.
ولكن مساءً، وبعدما عاد المتظاهرون من شارع الحمرا إلى ساحة رياض الصلح، أعلنت المُرشحة السابقة إلى الانتخابات النيابية نعمت بدر الدين «بدء المشاورات مع ناشطي «الحراك المدني» ورواد التواصل الاجتماعي، لبحث إمكانية استمرار الاحتجاج والنزول إلى الشارع غداً (اليوم) أو في نهاية الأسبوع ليعلنوا بداية اعتصام مفتوح».

وفي تحرّك بات أسبوعياً في طرابلس، اتجهت مسيرة من ساحة التلّ إلى ساحة عبد الحميد كرامي، ردّد المُشاركون فيها شعارات يتهمون فيها المسؤولين بالفساد، ويطالبون برفع الظلم عن المدينة وتأمين فرص العمل للشباب. ثمّ انطلقت، في شوارع مدينة الميناء، مسيرة دراجات نارية، ضدّ الظلم والفساد ومع الثورة.
أما في الجنوب، فنظم «تحرّك شباب الجنوب» اعتصاماً عند مثلّث النبطية ــــ كفررمان ــــ حبوش. هنا أيضاً الصرخة نفسها: ضد الفساد والأوضاع الاقتصادية، ومُطالبات بتوفير الماء والكهرباء وضمان الشيخوخة والطبابة. أهالي صور شاركوا أيضاً في التحركات، فاعتصموا عند مدخل صور الشمالي.
وأصدرت نقابة المصورين الصحافيين، مساء أمس، بياناً استنكرت فيه «الاعتداء الذي تعرّض له بعض المصورين من ضرب وتكسير للكاميرات خلال التحركات في بيروت»، داعيةً إلى «فتح تحقيق شفّاف بما حصل». وجدّدت تأكيدها أنّ «المصورين ليسوا طرفاً في الأحداث، وعلى الجميع أن يكونوا تحت سقف القانون».