راكيل عتيّق – الجمهورية
سبعة أشهر من المخاض الحكومي، منها شهران لحلحلة «العقدة السنّية»، قد تكون كافية ليُبصر النور، مولودٌ قابل للحياة. يظهر، أنّ أطراف لُعبة الانتظار حُصِرت باثنين: رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري، بعد أن حُسِمت حصصُ الجهات السياسية التي ستُشارك في الحكومة، فتركت المسرح وجلست على كراسي المُتفرِّجين.
لا أحد غير عون والحريري كان مُستعجلاً. فالعهد، عهد عون، والحكومة حكومة الحريري، والأزمات والتحدّيات مرميّة على هذين، العهد والحكومة. أمّا مُهندس اللعبة ومُحرّكها فكان «حزب الله». هو مَن رمى بِنرد تمثيل النواب الستة السنّة على طاولة الرئيسين، وإنتظر النتيجة، المحسومة سلفاً لمصلحته.
رئيس مجلس النواب نبيه بري، غمز، أمس، من قناة المعنيين و«المُبادرين»، مؤكداً «أننا أصبحنا على مشارف تشكيل الحكومة، على رغم أننا كنا قد طرحنا هذا الحلّ منذ ما يقارب الأربعة أشهر، ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً».
فلماذا تأخر نضوج التسوية، إن كانت جليّة؟
يشرح متابعون لملف تأليف الحكومة، أنّ العُقدة «مُعقّدة» بدورها بعُقد داخلية وخارجية، وأن كلّ طرف في اللعبة السياسية يتمسّك بمطالبه ويظلّ «مُعلّياً» السقف بيديه، إلى أن يُنهكه الانتظار فيُخفِّض يديه، أو تدخل عوامل خارجية «أقوى» تضغط على السقف نزولاً.
داخلياً، يمرّ الوقت وتزداد المشكلات والتداعيات الاقتصادية السلبية التي تضغط على المسؤولين المعنيين، أما خارجياً فتحصل تحوّلاتٌ سريعة على صعيد المنطقة والدول الغربية المؤثرة على الوضع اللبناني.
منذ أشهر إلى الآن، تراكمت عوامل عدة أثّرت على التسوية الحكومية، كالآتي:
– التحذيرات والتصنيفات الدولية. عون الذي لا يريد أن يكون عهده مثل بقية العهود، وبعدما لَمَس أنه قد يكون من «أسوأ العهود»، وَجد أنّ خسارة الوقت تعني خسارة تحقيق الإنجازات الموعودة، وأنّ ما يُمكن تلافيه اليوم قد لا يُمكن تلافيه في الغد. فالانهيارات على كل المستويات باتت منظورةً بالعين المُجردة.
– دخول إسرائيل على الخط وكشفها عن أنفاق حفرها «حزب الله» وتلويحها بشنّ حرب على لبنان، شكّل عاملَ ضغط لتأليف حكومة تحمي الدولة وتُغطّي «الحزب».
– التهديد بخسارة الدعم الدولي في مؤتمر «سيدر».
– التظاهرات في فرنسا، والخوف من انشغال «أُمّنا الحنون» بمشكلاتها الداخلية.
– تبدّل التحالفات أو اهتزازها في الإقليم. تداعيات مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لدمشق ولقاؤه الرئيس بشار الأسد، علماً أنّ البشير «وسيط» لعدد من الدول العربية المُعارضة للنظام السوري.
– إعلان البيت الأبيض رسمياً، أمس، بعد معلومات رشحت سابقاً، عن بدء انسحاب القوات الأميركية من سوريا.
لكن، ما الذي أراده «حزب الله» من هذه العرقلة؟
«الحزب» يكتفي بالقول «إننا أسياد الانتظار» و«لا نتخلّى عن حلفائنا». إلّا أنّ الرسالة الفعلية، كما يرى متابعون، هي إثبات الحزب أنه «إذا طَلَبَ وَجَد» و«إذا قرَّر نفّذ» وأنه «الحاكم الفعلي للبلد، ويتحكّم بالدولة»، حتى على صعيدِ كرسيٍّ وزارية.
ويشرح هؤلاء «أنّ «حزب الله» يحاول أن يرسي تغييرات جذرية في واقع النظام في البلد تُعطي الانطباع أنّ التضحيات التي قدمتها الطائفة الشيعية على مدى سنوات أثمرت إعادة رسم السلطة التنفيذية بنحوٍ يكون لهذه الطائفة دورٌ متساوٍ مع دور المسيحيين والسنّة، وذلك من خلال تعطيل الحكومة وكسر قرارها».
وحتى لو تراجع «الحزب» عن إصراره بتمثيل أحد نواب «اللقاء التشاوري»، إلّا أنه هو مَن قرّر ذلك وبتوقيته، وبعد أن برهن ما يريد تأكيدَه وتثبيتَه.
فعلى رغم أنّ أولئك النواب الستة مُنتخبون من الشعب، إلّا أنّ الدعم الذي استمدّوه من «حزب الله» هو الذي عرقل مسار الحكومة، لا حيثيتهم الشعبية التمثيلية. فلو سلّم «حزب الله» أسماءَ وزرائه إلى الحريري لـ«مَشت» العربة الحكومية من دون راكب مُمثِّل «اللقاء التشاوري».
الرسالة أوصلها الحزب إلى الحريري، حسب ما يرى أولئك المتابعون، من دون كسرِه، لأنه برهن بدوره عن أنه لن يقبل أن يكون رئيس حكومة مُنكسراً، «خاضعاً» لــ«حزب الله».
وتوضح مصادر تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية»، أنّ الحريري دخل في التسوية، لكنه لم يتنازل، لأنه لم يكن في الأساس يُعرقل أو يُطالب بما ليس منطقياً، بل كان فقط يدفع عنه «هجمة» تهدف الى تحجيمه.
وعن قبول الحريري باستقبال نواب «اللقاء التشاوري» بعد رفضه الاعتراف بـ«كتلة مُفبركة»، أوضحت المصادر، أنه «لم يكن يريد استقبالهم، ليس عناداً أو «صبيانية» أو تسلُّطاً وآحادية كما يُتَّهم، بل بسبب الشروط التي كانت موضوعة، ولأنه لم يكن يريد إعطاءَهم حقاً بتوزير أحدهم.
أما وأنّ التسوية قد تمّت، ولن يوزّر أيّاً من نواب اللقاء وأنّ الوزير السنّي الذي سيمثلهم سيكون من حصة عون ومن ضمن أسماء يُسميها نوابُ اللقاء، فالحريري لن يوقف الحكومة عند «الشكليات».
الخاسر في لعبة عضّ الأصابع، هو عون، على ما يلاحظ متابعون، فهو مَن خسر أشهراً من سنيِّ عهده، وهو مَن عاد وتنازل بعد الوقت الذي مرّ، إذ إنّ «حزب الله» يمتلك قدرة الانتظار والصبر أكثر من الآخرين، والخسارة والنجاح هي للعهد وليس لـ«الحزب»، وعون أدرك ذلك».
ويقول أولئك: «ربما كان عون فقط هو المُستهدَف من الحزب، فبالنتيجة هو مَن تنازل عن مقعدٍ وزاريّ لا الحريري».
ولكنّ الوزير السنّي «غير الاستفزازي» للحريري، هل سيكون فعلاً من حصة عون أو حين يحتاجه ليكون الوزير الـ11 المُعطِّل، سيظهر أنه وزير «الحزب»؟!