خبر

مشاورات عون تصطدم بتصلُّب نواب «التــشاوري».. وصِيَغ الحكومة المصغّرة تسقط

صحيفة الجمهورية

 

 

على الرغم من الحيوية التي يجري ضخّها على خط المشاورات السياسية التي بدأها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتَلمّس الطريق الى الحكومة الضائعة، فإنّ عربة التأليف لم توضع بعد خلف الحصان الذي يقودها الى غرفة الولادة، خصوصاً انّ هذه العربة قد أُثقلت بمجموعة من الأفكار والاقتراحات التي فرملت عجلاتها، ولم يظهر من بينها ما هو صالح لوضع الحصان أمام العربة ودفعه نحو الحل الحكومي.
اذا كان رئيس الجمهورية قد ألزم نفسه بإيجاد مخرج للعقدة الحكومية من خلال هذه المشاورات، مُعلناً صراحة أمس أنّ نتائج مسعاه ستظهر خلال اليومين المقبلين، فإنّ خلاصة ما انتهت اليه اللقاءات الرئاسية لا توحي بأنّ الدخان الابيض سيتصاعد من مدخنة القصر الجمهوري، بل بالعكس، حَلّ بدلاً منه دخان داكن، يؤكد انّ المشاورات التي تبحث عن فرصة لاستيلاد الحكومة، سبق أن ضُيّعت لنحو 7 اشهر، لم تلتقط بعد طرف الخيط المؤدي الى حل وسط مقبول من قبل الجميع، يُفرج عن الحكومة ويفك العقدة السنية المستحكمة في طريقها، بل ما زالت بعيدة عنه، وتراوح في المنطقة السلبية.

باسيل… 11 وزيراً

وسط هذا الجو القاتم، يبدو أنّ رئيس الجمهورية، وكما يقول مطّلعون على أجواء التحرّك الرئاسي الأخير، يراهن على بلوغ حسم إيجابي للفرصة الاخيرة التي تشكلها مشاوراته.

ومن هنا جاء إعلانه امس، انّ النتائج ستظهر خلال اليومين المقبلين، مُرفقاً، وبحسب ما نقل زوّاره، بدعوة مباشرة الى تنازلات من قبل الجميع بقوله انّ لبنان يستأهل التضحية، والتضحية للوطن ليست تنازلاً».

واللافت للانتباه انّ ما نقل عن رئيس الجمهورية تزامَنَ مع موقف لافت لوزير الخارجية جبران باسيل من بريطانيا، أكد فيه عدم التمسّك بالثلث المعطّل بل بحصة «التيار الوطني الحر» مع الحصة الرئاسية، أي ١١ وزيراً.

مصارحة اللبنانيين

وبحسب هؤلاء الزوار، فإنّ رئيس الجمهورية، الذي سيتابع مشاوراته في اليومين المقبلين، في انتظار أن يستكملها في لقاء آخر مع الرئيس المكلف سعد الحريري بعد عودته من لندن نهاية الاسبوع، يشدّد على أن يتجاوب الجميع مع مبادرته التي أطلقها، لأنّ فشلها قد يترتّب عليه سلبيات إضافية على لبنان.

ومن هنا قد لا يكون أمام رئيس الجمهورية، في موازاة هذا الفشل، سوى أن يُبادر الى خيار وحيد، ليس العودة الى محاولة إلقاء الكرة في اتجاه المجلس النيابي عبر رسالة يُوجّهها إليه، كمثل التي كان في صددها، بل في توجيه رسالة الى اللبنانيين ومصارحتهم حيال العقدة الحكومية، وبعدها ليتحمّل كل طرف مسؤوليته.

وعلى الرغم من التكتّم الذي يحيط الافكار التي تطرح في المشاورات الرئاسية، الّا انّ بعض المعلومات كشفت انّ بعض تلك الافكار تجاوزت الصيغة الحكومية المطروحة حالياً، بما يعني انه طالما انّ الرئيس المكلّف قد رفضَ اقتراح رَفع الحكومة الى 32 وزيراً، فيمكن الذهاب نحو سياقات أخرى تتجاوز الحكومة الثلاثينية، أي يمكن الذهاب الى حكومة مصغّرة من 14 وزيراً، أو من 18، أو من 24.

أفكار عشوائية

وبحسب مصادر معنية بملف التأليف، فإنّ الصيَغ التي طرحت لـ«تصغير» الحكومة يمكن القول إنها سقطت، فضلاً عن انّ تعدّد الافكار والطروحات أعطى إشارة سلبية عن المشاورات الرئاسية، تفيد بأن ليس هناك فكرة محددة لها الثقل المطلوب، يجري تسويقها من خلال المشاورات، بل هناك أفكار عشوائية، ليست مبنية على أساس صلب، ولا تستبطن أيّ منها قدرة إقناع الاطراف المعنية بالحكومة، بها.

بل هي أفكار من شأنها أن تُعيد الامور الى الوراء، بحيث قد نكون في مشكل معيّن فنصبح امام مشكلة اخرى، إذ انّ العودة الى طرح حكومة أقل من 30 وزيراً، تعني إعادة التأليف مجدداً الى المربّع الاول وفتح بازار الحصص والاحجام، الذي ليس مستبعداً أن يُفتح على مطالبات جديدة ومراجعة جديدة للأحجام، وعلى نقاش يبدأ ولا يعرف كيف سينتهي.

اللقاء التشاوري

وبينما كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري يعبّر عن تفاؤل حَذِر حيال إمكانية بلوغ حل للعقدة الحكومية في القريب العاجل، آثر «حزب الله» الصمت حيال ما جرى في لقاء وفده مع رئيس الجمهورية، تاركاً المجال، كما قالت مصادره لـ«الجمهورية»، «لنرى ما ستنتهي اليه جهود الرئيس ميشال عون، التي نأمل أن تنجح بما يقود الى حكومة وحدة وطنية تضم جميع الاطراف في صفوفها، وتحترم نتائج الانتخابات النيابية».

فيما استبقَ نواب اللقاء التشاوري لقاءهم مع رئيس الجمهورية بتأكيد تمسّكهم بتمثيلهم مباشرة عبر واحد منهم في الحكومة، وليس عبر شخص يختارونه، لأنّ في هذه الموافقة انتحاراً لهم وإلغاء لكيانهم وخيانة للناس الذين منحوهم ثقتهم. وبالتالي، هم ليسوا في وارد إلغاء أنفسهم.

وعلمت «الجمهورية» انّ اللقاء بين عون ونواب اللقاء التشاوري كان صريحاً، إلّا انه لم يُوحِ بإمكان الاقتراب نحو حلول إيجابية.

وبحسب المصادر، فإنّ عون قدّم في مستهل اللقاء، عرضاً للتطورات التي يمر بها لبنان، متوقّفاً عند ما استجَدّ على الحدود الجنوبية وإثارة اسرائيل لموضوع الأنفاق والتصعيد ضد لبنان، مؤكداً موقف لبنان الثابت والمعروف حيال هذا الامر.

كما استعرض عون مرحلة حضوره المباشر في الساحة السياسية، إعتباراً من عودته الى لبنان في العام 2005، وصولاً الى خوضه للانتخابات النيابية في تلك الفترة وحصوله على كتلة نيابية كبرى أكدت حضوره السياسي والمسيحي الفاعل والكبير، مُستعرضاً ما كان يتعرّض له في بعض المراحل، من ضغوطات وما شابهها.

الوضع لا يُستهان به

وتفيد المصادر انّ الرئيس عون تناولَ الملف الحكومي، مُعرباً عن تَفهّمه لمطالب النواب السنّة وحقهم في التمثيل، وبَدا مستغرباً كيف انّ الرئيس المكلف لم يستقبلهم، وتوجّه إليهم قائلاً ما مفاده: «ها أنا أرسلتُ في طلبكم لأسمع ما لديكم».

ومن ثم قدّم عرضاً للضغوطات التي يعانيها لبنان، مشدداً على انّ الحكومة باتت ضرورة والوضع لم يعد يحتمل أي تأخير، لأنّ الوضع لا يُستهان به لا محلياً ولا خارجياً وعلى كل المستويات.

وفي هذا الوضع بادرتُ لأن نفتّش على ما يمكن أن نقوم به للخروج من هذا الوضع وتشكيل الحكومة، وأنا معكم أطرح هذا الامر.

ولفتت المصادر الى انّ عون لم يطلب من نواب اللقاء التشاوري ان يُسمّوا واحداً من خارجهم لتوزيره في الحكومة، بل أشار الى ذلك تلميحاً، كما لم يطرح أيّ صيغة حكومية، لا حكومة مصغّرة ولا موسّعة.

وقالت المصادر انّ عون استمع الى نواب التشاوري، الذين عادوا الى استعراض موقفهم وواقعهم من بدايته وصولاً الى تمسّكهم بتمثيلهم، الذي يوجبه أهلهم، ونتائج الانتخابات النيابية التي يجب ان تحترم، وقالوا له: «أنتَ يا فخامة الرئيس، كما سمعنا منك، لديك تجربة مع هذا الامر»، وألقوا الكرة في ملعب الرئيس المكلف الذي ما زال حتى الآن يرفض استقبالهم والاعتراف بهم.

وشدّدوا في الوقت نفسه أن لا قبول بأيّ مخرج يؤدي الى تمثيلهم من خارجهم، بل انّ التمثيل هو محصور بواحد من النواب الستّة، أيّاً كان.

وانتهى اللقاء عند هذا الحد، وأعلن اللقاء التشاوري، في نهايته، الاصرار على تمثيله بنائب منه، مؤكداً «انّ تمثيلنا يجب ان يكون ضمن الطائفة السنية، والعقدة هي لدى الرئيس الحريري الذي يقفل الطريق ويرفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات وبالواقع والحقيقة».

وقالت أوساط القصر الجمهوري لـ«الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية سيتابع مشاوراته خلال اليومين المقبلين وليس بالضرورة ان تكون لقاءات معلنة، ولا يمكن القول انّ الباب مغلق، بل انّ المشاورات ستستمر، لعلها تصل الى النتيجة المرجوة في القريب العاجل.

الحريري

الى ذلك، وفي الاثناء، إنعقد منتدى الاعمال والاستثمار اللبناني – البريطاني في لندن، أمس، بحضور شخصيات وشركات استثمارية. وألقى الرئيس الحريري كلمة أمام المنتدى أكّد فيها «انّ التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها تتفاقم، بسبب استمرار وجود مليون ونصف مليون من النازحين السوريين للسنة الثامنة على التوالي».

وقال «إقتصادنا يرزح تحت ضغوط جمّة، ومن أبرز أسبابها أزمات المنطقة». أضاف: «أنا واثق من أنّ حدث اليوم سيأخذ علاقاتنا التجارية والاستثمارية إلى مستويات تلبّي طموحاتنا وقدراتنا».

وأشار الى انه «في مؤتمر سيدر في باريس قدّمت الحكومة اللبنانية رؤية شاملة تهدف إلى تحفيز النمو»، متوقعاً «إنفاق أكثر من 200 مليون دولار على مشاريع في قطاعات مختلفة».

وقال ممازحاً: «إنّ موضوع تشكيل الحكومة في لبنان حسّاس جداً كما ترون»، مؤكداً انّ «الحكومة الجديدة ستلتزم بشدة إصلاحات «سيدر»، بما في ذلك الاصلاحات المالية».

وعلى هامش المنتدى، قال الحريري: «تشكيل الحكومة كان يجب ان يحصل من قبل، أنا جاهز والأسماء جاهزة وكذلك توزيع الحقائب، والجميع بات يعرف من أين يأتي التعطيل. الرئيس عون يقوم باتصالات، واللبنانيون جميعاً يقدّرون ما يقوم به، ونحن نقوم بما يجب علينا، وإن شاء الله تتبلور الاتصالات وتؤدي الى نتائج إيجابية. وقد لمستُ اليوم نفحة إيجابية، وسنبقى إيجابيين لِما فيه مصلحة البلد».

وعن رأيه بطرح صِيَغ من 18 أو 24 وزيراً، قال الرئيس الحريري: «كل الطروحات جيدة، والبلد بحاجة الى حكومة ونقطة على السطر».

مع باسيل

الى ذلك، علم انّ اجتماعاً مطوّلاً عُقد في لندن، أمس، بين الحريري وباسيل، عُرضت خلاله أفكار جديدة عدة تتصل بملف تشكيل الحكومة، وتمّ الاتفاق على متابعة الموضوع حين عودة الرئيس المكلف الى بيروت.

ذكرى تويني

وفي عظته في قداس بمناسبة الذكرى الـ13 لاستشهاد جبران تويني، شدّد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس الياس عوده على أنّ «التضحيات وحدها تبني الأوطان»، آملاً «في ظل هذا الانهيار الاقتصادي وضيق العيش وتقلّص فسحة الأمل، أن يقوم المسؤولون بخطوة إنقاذية شجاعة، وأن يؤلّفوا حكومة طوارئ مصغّرة تضمّ شخصيات حيادية بعيدة عن استغلال البلد وتقاسمه، مشهوداً لها بالعلم والخبرة والغيرة والنظافة، تبعث الثقة والأمل والطمأنينة في النفوس، تَنكبّ على درس المشكلات وتضع خطة سريعة تنتشل البلد من الهوة، وتدفع عجلة الاقتصاد، وتريح الشعب، وتكسب ثقة الدول التي كانت تنوي مساعدتنا، وقد تكون عَدلت».

وتمنّى ألّا «نرى المسؤولين اللبنانيين، وقد اشتدّت الأزمات على هذا البلد المُستضعف، يتصرفون كالأجَراء لا كالراعي الصالح، فيهربون من مسؤولياتهم ويتفرّجون على لبنان ينهار على رؤوس بَنيه، لكنّ رؤوسهم لن تسلم».

وسأل: «ماذا نشهد في هذه الأيام العصيبة؟ هل من خطوة واحدة أو تنازل من أجل لبنان؟ هل من تضحية من أجل إنقاذه؟ لا، بل عرقلة متعمّدة بعد عرقلة، وكلها أعمال غير بريئة، لأهداف ليست حُكماً لمصلحة لبنان».

وركّز عوده على أنّ «لبنان يحتضر وكأن لا أحد يبالي، فيما كنّا نتوقّع، نحن المواطنين البسطاء الذين يتحمّلون تَعَنّت المسؤولين وصَلفهم، كنّا نتوقع وعياً وحسّاً بالمسؤولية، وتَخلّياً عن كل مصلحة من أجل إنقاذ البلد».