قمة باهتة لمجلس التعاون الخليجي… و«شرشحة» للجيش «الإسرائيلي» بفقدان أسلحة على الحدود
السترات الصفراء تحكم فرنسا كلّ سبت… والعدوى تتوسّع أوروبياً
عون يُبقي الرسالة للنواب فرضية… ورعد: لا نريد قلب الطاولة
كتب المحرّر السياسيّ – البناء
نجحت مشهدية السترات الصفراء الباريسية بفرض حضورها كحدث عالمي أول كل سبت، بعدما نجحت في التملص من الترتيبات والإجراءات البوليسية التي تتخذها السلطات بتوجيه من الرئيس الفرنسي امانويل ماركون الذي يكتفي بتوجيه الشكر للشرطة، ويعقد الاجتماعات ويتحدث عن قرارات هامة سيتخذها قريباً، بينما بقي العنف والفوضى المرافقان لكل سبت في المدن الفرنسية عنواناً هامشياً لما فعله أصحاب السترات الصفراء، الذين يحظون بتأييد الطبقات الفقيرة وشرائح نخبوية واسعة، ويحكمون كل سبت فرنسا كلها سياسياً وأمنياً باعتبارهم الحدث المنتظر، فيما العدوى تنتشر أوروبيا نحو بروكسل وأمستردام واستعدادات ألمانية للانضمام. والآلية بسيطة للتشكيل، تبدأ بنشوء مجموعة على صفحات التواصل وتوسّعها لتضمّ المئات فالآلاف فعشرات الألوف، ثم تحديد موعد للتجمّع في ساحات هامة، وتتدحرج الحالة، كما كان السياق الباريسي خلال شهر مضى، وجذور التعاطف الذي تلقاه حركات الاحتجاج نابعاً كما يراه محللو الصحف الغربية، من تزايد الأعباء المالية على ذوي الدخل المحدود وارتفاع نسبة البطالة، وغياب اي جاذبية في السياسات الخارجية والداخلية للجهات الحاكمة، وفقدان الشعور بالمهابة الوطنية من جهة، وبالكرامة الاجتماعية من جهة مقابلة. وبينما يربط بعض المحللين الظاهرة بالتوظيف الخارجي كبريد للرسائل يشير البعض إلى مصدر أميركي لها، تحت عنوان رفض فكرة جيش أوروبي تحدّث عنها ماكرون، رد محللون آخرون بالدعوة لانتظار نسخة أميركية من السترات الصفراء وتحميل روسيا مسؤوليتها، لأن القضية أولاً وأخيراً برأيهم هي تفسخ النظام الغربي وتحلل هيبته وقدرته على تقديم الحلول لمشكلاته، بسبب الفشل الذي أصيبت به الغزوة الاستعمارية الجديدة والتي كانت الحرب الموحّدة التي خاضها الغرب على سورية أبرز تجلياتها، فيما كانت محاولات تحجيم روسيا والصين وإضعاف إيران في أولوياتها تحت شعار «حرب الطاقة» التي بدأها الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش والمحافظون الجدد عام 2000.
على ضفاف موازية للتفسخ والعجز في أطراف حلف الحرب التي خاضها الغرب خلال العقدين الماضيين، لم تخرج قمة التعاون الخليجي التي عقدت أمس، في الرياض، بأي جديد يمنحها مكانة في الأحداث، فجاءت باهتة سواء في الحضور القطري وفشل القمة في تحقيق مصالحة خليجية شاملة، أو في البيان الذي لم يقدم جديداً تجاه قضايا المنطقة من اليمن إلى سورية وفلسطين، بينما على ضفة كيان الاحتلال فالضعف والعجز أظهرهما ما أصاب حملة درع الشمال التي نظمتها حكومة بنيامين نتنياهو لاستعادة هيبة مفقودة، فجاء خبر فقدان أسلحة من بين أيدي جنود الاحتلال على الحدود مع لبنان ليتكفل بتحول الهيبة إلى مهزلة، والحديث عن «شرشحة» تصيب جيش الاحتلال وصورة «الجيش الذي لا يقهر» الذي بدا كجيش مهزوم يلملم أشلاء صورته المهزوزة بلا طائل.
لبنانياً، دخل الوضع الحكومي ما يشبه ربط النزاع، بعد جولات التبادل في المواقف بين بعبدا وبيت الوسط، مع الإعلان عن نية رئيس الجمهورية توجيه رسالة إلى مجلس النواب، والردود التي نظمها مؤيدو الرئيس المكلف على الإشارة الواردة من بعبدا، لتهدأ جبهة البيانات المتبادلة، ويؤكد رئيس الجمهورية حقه بتوجيه الرسالة دون أن يعتبرها راهنة، بينما يكتفي الرئيس المكلف بتأكيد ثباته على موقفه من تمثيل النواب السنة المعارضين، فيما تحدثت مصادر لقناة أم تي في، يعتقد أنها قريبة من تيار المستقبل، عن مناقشة هادئة لمشروع حكومة من ستة وثلاثين وزيراً، وبالتوازي كان الرئيس سعد الحريري يتلقى جرعة دعم سعودية بكلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن تأييد موقف الحريري بوجه حزب الله، قرأها البعض تحذيراً سعودياً للحريري من التراجع، وكان حزب الله بلسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد يقول إن الحزب لا يريد قلب الطاولة بل ضمان تمثيل النواب السنة بمقعد وزاري.
هل تفتح رسالة عون باب تغيير النظام؟
وإنْ بقيت التطورات على الحدود مع فلسطين المحتلة في واجهة المشهد الداخلي، إلا أنّ عودة الملف الحكومي الى صدارة الاهتمام لن تتأخر كثيراً مع الرسالة التي يعتزم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توجيهها الى المجلس النيابي خلال الأسبوعين المقبلين في حال تمسّك الرئيس المكلف سعد الحريري بموقفه الرافض لكافة الصيغ المقترحة للخروج من الأزمة الحكومية القائمة.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ «البناء» أنّ «العلاقة بين بعبدا وبيت الوسط تتجه لتأخد منحىً آخر بعد تبادل الاتهامات، خصوصاً بعد تلويح الرئيس عون باللجوء إلى مجلس النواب. فالرئيس عون يعتبر أنّ الحريري بإمكانه تشكيل الحكومة والاجتماع بأعضاء اللقاء التشاوري للسنة المستقلين غير أنه حسم رفضه وهو بذلك يزيد الأمور تعقيداً على قاعدة أنه ليس المتضرّر في حين أنّ العهد يعتبر أنّ هذه الحكومة هي حكومته الأولى وهو الأجدر لتقديم التنازل، علماً أنّ التنازل من وجهة نظر الحريري لن يكون على قاعدة إعطاء الرئيس عون مقعداً للقاء التشاوري إنما لشخصية يُتفق عليها من خارج اللقاء».
وتلفت المصادر إلى أنّ «موقف الرئيس المكلف ينطلق من اقتناعه أنّ أحداً من المكونات السياسية لن يتخلى عنه لرئاسة الحكومة»، مشدّدة على أنّ «الحريري لن يعتذر وسيبقى على موقفه وهو مقتنع أنّ الظروف الإقليمية لصالحه حتى الساعة»، وأوضحت جهات قانونية ودستورية لـ«البناء» أن «رسالة الرئاسة الأولى تعتبر رسالة تحذير حازمة للرئيس المكلف بضرورة تأليف الحكومة بأسرع وقت»، وأيّدت المصادر كلام وزير العدل سليم جريصاتي حول حق رئيس الجمهورية في مخاطبة المجلس النيابي لكونه السلطة التي تنبثق عنها كل السلطات الأخرى في النظام الديمقراطي والموجبات التي يستند اليها الرئيس في إرسال مثل هذه الرسالة»، مضيفة أنّ «المجلس النيابي هو الذي يتحمّل المسؤولية الأولى في الأزمات الوطنية لا سيما في ظلّ غياب حكومة أصيلة وكاملة المواصفات الدستورية»، كما دعت المصادر الى انتظار مضامين الرسالة وماذا ستطلب، وأوضحت أنّ «على المجلس النيابي الانعقاد خلال ثلاثة أيام بعد تسلّمه الرسالة لمناقشتها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها»، كما أشارت الى «أنه إذا طالب رئيس الجمهورية المجلس النيابي بموقف فإنّ الأخير ملزم بذلك، وبالتالي على الرئيس المكلف الأخذ بعين الاعتبار موقف ومقرّرات المجلس ولا يجوز تجاوزه وكأنه لم يكن لأنّ المجلس هو من كلّف الرئيس المكلف لتأليف الحكومة ويحق له دعوة الرئيس للإسراع بتأليفها». وحذرت المصادر من أنّ الرسالة الى المجلس النيابي ستفتح الباب أمام تغيير النظام السياسي اللبناني وبالتالي إعادة النظر بروح الدستور»، فيما حذرت أوساط سياسية من أنّ «الرسالة ستضع الحريرية السياسية أمام مفترق طرق وخيارات صعبة». في المقابل اعتبرت مصادر تيار المستقبل لـ«البناء» أنّ «الحريري هو صمام الأمان الاقتصادي لدعم المجتمع الدولي لبنان لا سيما أنّ المبعوثين الدوليين أكدوا أنّ دولهم مرتاحة لوجود الحريري على رأس الحكومة اللبنانية، وبالتالي أيّ تغيير على هذا المستوى سيخلط الأوراق ويغيّر في موقف الدول بشأن الدعم المالي للبنان إنْ عبر مؤتمر سيدر أو غيره». وتعتبر مصادر المستقبل أن «طروحات تكبير الحكومة إلى 32 وزيراً أو أكثر هي في إطار حراك من أجل الحراك لا أكثر ولن تصل إلى نتيجة. فالحكومة لن تتألف إلا من 30 وزيراً».
وفي حين قالت مصادر حزب الله لـ «البناء» إنّ «الحريري أجهض كلّ محاولات التوصل الى حلول لإخراج الحكومة الى النور»، تحدثت المصادر عن حلّ حظي بموافقة اللقاء التشاوري وحاول الوزير جبران باسيل إقناع الحريري به إلا أنه لم يفلح بذلك بسبب رفض الرئيس المكلف»، وحمّلت مصادر قناة «المنار» رئيس الحكومة المكلف مسؤولية الانسداد الحكومي، مشيرة إلى أنّ الحريري لا يبادر ولا يتقبّل المبادرات التي تطرح. وأوضحت المصادر أنّ باسيل كان مستاء، بعد لقائه الأخير مع الحريري، بسبب رفض الأخير خيار توسيع الحكومة، لافتة إلى أنّ رئيس الجمهورية بدأ بعد ذلك البحث عن الخيارات، مؤكدة أنّ خيار توجيه رسالة إلى المجلس النيابي جدّي، ومشيرة إلى أنّ «مضمونها أنجز وهي باتت جاهزة ورئيس الجمهورية ينتظر التوقيت السياسي المناسب».
وشدّدت المصادر على أنّ «رئيس الجمهورية حريص على استخدام كلّ الصلاحيات في سبيل التشكيل، بما يتوافق مع دستور الطائف ولا يتعارض مع صلاحيات رئيس الحكومة المكلف». بينما أوضحت مصادر «المستقبل» أنّ «خيار الاعتذار عن تشكيل الحكومة ليس موجوداً لدى رئيس الحكومة المكلف حتى ولو مورست عليه مختلف الضغوط»، معتبرة أنّ «خيار رفع عدد أعضاء الحكومة بدعة سياسية لن تمرّ في بيت الوسط، مؤكداً أنها ليست هي الحلّ».
ورأى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد خلال احتفال تأبيني في النبطية، أنّ «مشكلة التعطيل في تشكيل الحكومة داخلية وتحديداً عند رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي يخطئ الحساب وليس على الناس أن تتحمّل هذا الخطأ».
واعتبر أنه «يجب أن يصحّح حساباته، خصوصاً أنّ هذه الحكومة أريدَ لها عنوان وهو أن تكون حكومة الوحدة الوطنية، أي أن تضمّ كلّ القوى التي لها حق التمثيل، ويحتكم التشكيل فيها إلى معيار واضح يستند إلى نتائج الانتخابات النيابية »، قائلاً: «اذا فقد المعيار بدنا نفوت بالحيطان».
وأكد أنه «بعد الذي حصل لا نريد أن نقلب الطاولة ونخلط الأوراق، نريد أن نجد مكاناً يتمثل فيه السنة المستقلون. وهذا من حقهم»، لافتاً إلى أنّ «مشكلتنا أن أيّ أحد من حلفائنا له حق واستجار بنا وقال «بدكن تدعموني»، نحن سندعمه ولا نقدر أن نطنش وندير ظهرنا، ومثل ما دعمنا غيره في ما مضى سندعم حقه في ما حضر»، مشدّداً على أنّ «الوفاء ليس لأشخاص إنما لنهج، نحن لا نسدّد ديناً لأحد ومنسجمون مع أنفسنا ومع قناعاتنا حتى نؤكد للعالم أنّ هكذا يُبنى الوطن وتتشكل الحكومة».
وشدّد على أنه «إذا كان أحد يراهن على تغيرات وانتصارات تحدث بشكل مفاجئ في المنطقة، فهو يراهن على سراب»، مشيراً إلى أن «المنطقة أخذت خياراتها وأصبحت معروفة انقساماتها وأصبح معروفاً مَن في هذا الصف ومَن في ذاك الصف، ولا يوجد قلب طاولات».
استنفار للجيش على الحدود
على صعيد آخر، واصل العدو الإسرائيلي مسرحيته الاستعراضية على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، بعدما عاش جنود العدو حالة من الهلع جراء اختفاء رشاشين «ماغ» تابعين لجنديين إسرائيليين من فرقة حراسة الحدود. حيث أقدم جنود العدو على إطلاق عيارين ناريين في الهواء عند اقتراب عناصر من مخابرات الجيش اللبناني من السياج التقني، وذلك بعد أن قام الجنود الصهاينة بزرع أجهزة تحسّس للاهتزاز عند السياج مقابل بلدة ميس الجبل. وكان جنود العدو قد تقدّموا أمس إلى المنطقة الواقعة خلف السياج التقني مقابل بلدة ميس الجبل، فيما عملت جرافة D9 وبوكلن جاك هامر بحماية من آليتين عسكريتين ودبابة ميركافا متمركزة في موقع «العاصي»، على مسح الطريق القديم وتكسير بعض الصخور قبل أن تغادر القوة المنطقة عصراً.
الى ذلك، أعلنت قيادة الجيش اللبناني أنه «على ضوء التطورات الأخيرة التي تشهدها الحدود الجنوبية، تقوم وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة بتسيير دوريات معززة واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة بالتعاون والتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان لمتابعة الوضع الأمني عند الخط الأزرق ، مؤكدة أنها على جهوزية تامة لمواجهة أي طارئ».
وقالت مصادر عسكرية لـ«البناء» إن «المسرحية الإسرائيلية موجهة بالدرجة الاولى الى الداخل الإسرائيلي لكن حادثة خطف رشاشين ماغ أصابت معنويات الجيش الاسرائيلي وأظهر أنه ليس مؤهلاً لحراسة الحدود والدفاع عنها، ما يفضح تردي معنويات جيش الاحتلال وانعدام الإرادة على تنفيذ المهمة»، ولفتت الى أن «حزب الله يعتمد استراتيجية الغموض البناء الذي أطلقها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، حيث أنّ السكوت أبلغ ردّ وفي الوقت نفسه يقوم باستقراء الرسائل ورصد التحركات الميدانية ويحتفظ باستراتيجيات الدفاع في وجه أيّ عدوان محتمل في الوقت المناسب». مشيرة الى أنّ «الحزب هو من يختار الميدان الذي يريد القتال فيه ولا يُستدرج». ولفتت المصادر الى أنّ «الرسالة التي أبلغها حزب الله عبر بعض القنوات المحيطة به لقيادة اليونيفيل بأنّ الانحياز الى الإسرائيلي سيؤثر على دورها في الجنوب، دفع باليونيفيل الى أخذ الرسالة على محمل الجدّ والامتناع عن الاستمرار في إطلاق المواقف والبيانات التي تصبّ في خدمة العدو».