صحيفة الأخبار
تحاول حكومة العدو الإسرائيلي وقيادة محمد بن سلمان الهرب من أزمتيهما، فساد بنيامين نتنياهو وقتل ابن سلمان للخاشقجي، عبر تعويم الملف اللبناني. وأمام أجواء التوتير، يهرب الرئيس سعد الحريري من الاستحقاق الحكومي إلى لندن، في رهان جديد على حسابات خاطئة
دخلت الأزمة الحكومية اللبنانية مساراً جديداً من التعقيد، مع توجّه الرئيس المكلّف سعد الحريري إلى العاصمة البريطانية لندن للمشاركة في «مؤتمر الاستثمار في لبنان». وبدل السعي الجدي لحلّ الأزمة الحكومية، بدا الحريري، في غيابه المتعمّد، يهرب من الاستحقاق، الذي يبدأ أوّلاً من لقاء النوّاب السنّة المستقلين، ومحاولة التوصّل معهم إلى تفاهم على تمثيلهم، كما عكست نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، التي لا يزال الحريري مصرّاً على عدم الاعتراف بها.
ولعلّ الأكثر خطورة في تطوّرات نهاية الأسبوع، هو اعتماد حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو والقيادة السعودية بزعامة ولي العهد محمد بن سلمان، خطة لتحوير الأنظار عن أزمة نتنياهو الداخلية وورطة ابن سلمان في قضية مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، عبر التصويب على لبنان والمقاومة فيه. وبدا واضحاً الضغط المتوازي بين استفزازات العدو الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، والدخول السعودي على خطّ الأزمة الداخلية اللبنانية، إن من خلال تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وما ورد في البيان الختامي للقمّة الخليجية حول لبنان أمس، وإن في الحشد الإعلامي اللبناني الذي توجّه بدعوة سعودية إلى الرياض، في محاولة لإعادة تحريك الإعلام اللبناني في سياق خدمة التدخّل السعودي في لبنان.
فعلى وقع الدعاية الإسرائيلية ومحاولة العدو مراكمة سياق توتيري على الحدود ينعكس على الداخل في سعي لإعادة الانقسام في الداخل حول سلاح المقاومة ودورها والإشارة إلى أن السلاح يحمّل لبنان واللبنانيين أعباء اقتصادية وأمنية، تأتي المحاولة السعودية لتعميق الشرخ بين الحريري من جهة والرئيس ميشال عون وحزب الله من جهة أخرى. وفيما رفض بيان القمة الخليجية أمس ما سمّاه «دور إيران وتنظيم حزب الله الإرهابي في زعزعة استقرار لبنان وإضعاف مؤسساته السياسية والأمنية، وتفتيت الوحدة الوطنية وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية فيه»، مع أمله بأن «يتمكن الحريري من تشكيل حكومة وفاق وطني تلبي تطلعات الشعب اللبناني الشقيق»، قال الجبير إن «السعودية تدعم الحريري لتشكيل الحكومة، لكنها ترفض تدخلات إيران في السياسة اللبنانية، ودور حزب الله الثقيل في سياسة لبنان».
وأمام هذه التطوّرات ومحاولات التوظيف الإسرائيلية ـــ السعودية، لا يبدو الحريري مستعجلاً لحلّ أزمة حكومته، في سوء تقدير جديد للظروف والمعادلات الداخلية والإقليمية، ورهان حريريّ ـــ سعوديّ متبادل على تحوّل ما في الظروف الإقليمية. وهو ما استدعى ردّاً من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، الذي أكّد أن «الرئيس المكلف يخطئ الحساب، وليس على الناس أن يتحملوا هذا الخطأ. يجب أن يصحح حساباته، وخصوصاً أن هذه الحكومة أريد لها عنوان وهو أن تكون حكومة الوحدة الوطنية، أي أن تضم كل القوى التي لها حق التمثيل بالاستناد إلى نتائج الانتخابات». وأكّد رعد أن «حزب الله لا يريد قلب الطاولة وخلط الأوراق، لكن نريد أن نجد مكاناً يتمثل فيه السنّة المستقلون، وهذا من حقهم. مشكلتنا أن أي أحد من حلفائنا له حق واستجار بنا، نحن سندعمه ولا نقدر أن نطنش وندير ظهرنا، ومثل ما دعمنا غيره في ما مضى سندعم حقه في ما حضر».
وفيما كان الوزير نهاد المشنوق يؤكّد ما يكرّره الحريري في الأيام الأخيرة عن عدم نيّته الاعتذار عن التكليف مهما اشتدت الضغوط، ردّ تلفزيون المستقبل على كلام رعد، معتبراً أن «الرئيس المكلف لم يخطئ في الحسابات السياسية، ولا في الحسابات الدستورية، ولا في الحسابات الوطنية. الذين اخطأوا في كل هذه الحسابات يريدون تحميل الرئيس المكلف مسؤولية الاخطاء التي يتحملون مسؤوليتها، ويرمون عليه تبعات التأخير في تشكيل الحكومة، وهم الذين عرقلوا التأليف في ربع الساعة الأخير، وجروا البلاد إلى دورة جديدة من دورات التعطيل، التي تعودوا عليها منذ عام 2005».
وليس واضحاً بعد، في ظلّ عودة متسارعة في البلاد إلى الانقسام التقليدي بين فريقي 14 و8 آذار، إلى أي مدى قد يذهب عون في الضغط على الحريري في ما خصّ تشكيل الحكومة، خصوصاً أن الرسالة التي كان رئيس الجمهورية قد أعلن نيته توجيهها إلى مجلس النواب لحثّ الحريري على تشكيل الحكومة، ردّ عليها فريق الحريري بالقول إنها غير ملزمة دستورياً. وفيما يشير أكثر من مصدر إلى أن عون ليس في وارد التحرّك قبل عودة الحريري إلى بيروت، وأن رئيس الجمهورية ينتظر تفاهماً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل التحرّك باتجاه المجلس، استبعدت المصادر موافقة برّي على خطوة الرسالة، وأن رئيس المجلس يسعى إلى التهدئة في ظلّ الأجواء المتوترة بين ضفة الحريري وضفة عون وحزب الله.