كلير شكر – الجمهورية
لن يكون «سبت الجاهلية» مجرّد يوم عابر في الروزنامة السياسية، الحدث بعَينه يرزح تحت وطأة الدم الذي سال على أرض تلك البلدة الشوفية، والخوف من اتّساع بقعة التوتر وتمدّدها إلى مناطق اخرى، فيما تداعياته قد تمتد في الزمان والجغرافيا، ولا تنتهي بين ليلة وضحاها ضمن المربّع الدرزي.
أمّا مسبّباته، فلا تُختصر بشتيمة أو تعبير غير لائق ولا بمقطع فيديو يعبق قدحاً وذماً، وإنّما تعود بعقارب الساعة إلى محطات سابقة، تبدأ بزمن الانتخابات النيابية وما حملته من «انقلابات» ولو موضعية، ولا تنتهي بيوم 13 تشرين الثاني الفائت… وما بينهما.
في ذلك اليوم، نشرَ الوزير السابق وئام وهاب على صفحته عبر موقع «تويتر»، صورة أصَرّ على تقديمها بـ»براءة» و»بساطة»، وهو يدرك تماما أنّ فيها ما يكفي من «المواد الحارقة» لإشعال «الاستياء» و»الانزعاج» لدى كثيرين، وأبرزهم وليد جنبلاط.
جمعت الصورة كلّاً من وهاب والشيخ بهيج أبو حمزة. الأهم من ذلك أنها التقطت في أحد شوارع دمشق، خلال زيارة قام بها الرجلان إلى العاصمة السورية (بمعيّة الأول)، ولم تكن بطبيعة الحال ذات طابع سياحي!
قبل تلك الصورة – الخطوة، كانت الانتخابات النيابية قد فعلت فعلها في الجبل. تمكّنت النسبية من تكريس وهاب «نائباً مع وقف التنفيذ»، وشريكاً نسبياً على البقعة الجنبلاطية.
بعدها، كانت الحملة التي قادها رئيس حزب «التوحيد العربي» ضد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والذي ألمحت دوائره اللصيقة إلى دور ما أدّاه «حزب الله» في هذه «الهجمة الوهابية» لغايات في نفس طابخي الحكومة.
بينهما، كانت المختارة تعبّر بصمت عن استيائها من وهاب على خلفية الجولة السيّارة التي نفّذها مؤيّدوه في قلب المختارة، أو بالأحرى «العاصمة الجنبلاطية»، وعلى مرأى من زعيمها. إرتفع منسوب التوتر، وصارت حركات «التوحيديين» الاستفزازية بالنسبة لوليد جنبلاط «حمّالة أوجه».
بهذا المعنى تقاطعت مصلحة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» مع رئيس تيار «المستقبل» لتلقين وهاب «درساً» من خلال تحويل الدعوى القضائية المقدمة من محامين في «التيار الأزرق»، «ضربة تأديبية» تضع الوزير الدرزي السابق عند حدّه وتُريح الحريري وجنبلاط من «شغبه».
عملياً، حرص الحريري، بعدما ووجِه بعقدة التوزير السني، على عدم قطع شعرة معاوية مع «حزب الله». إكتفى بوضع النقاط على حروف حكومته في الشق المتعلّق بتوزير «سنّة الثامن من آذار»، رافضاً التخلّي عن آخر ورقة توت، مُبعداً عنه كأس التضحية بمقعد سنّي لمصلحة خصومه.
وبعدما سدّت في وجهه كل دروب الحكومة، لم يجد سوى الضرب بيَد من حديد، ما قد يعزّز من موقفه ويلبّي رغبة جمهوره وشارعه، ويسمح له بالعودة أقوى الى طاولة المفاوضات مُبعِداً سيف التنازل عن حصته، طالما أنّ وزير الخارجية يحرص على ضبط «اندفاعة» رئيس الجمهورية ميشال عون إزاء التبرّع بوزير من «كيسه» الوزاري.
هكذا، ومن الطبيعي ان يعتبر الحريري الحملة التي يقودها وهاب بمثابة «شَحمة على فطيرة» قد تُمكّنه، في حال الإطباق عليها، من تقليص الضغوط التي يتعرض لها أو كسرها، وإذ بأحداث الجاهلية تنتهي على غير ما أراده لها المخطَط الذي كان يُدرَس بعناية لأكثر من 48 ساعة.
في هذه الأثناء، كانت مشاورات التأليف لا تزال عالقة في «خرم» الفيتوات المتبادلة. لا بل كان «النواب المستقلون السنّة» يمهّدون صبيحة يوم السبت لجولة جديدة من التصعيد، من خلال إشارتهم إلى عدم تلقّيهم أي إشارة جدية من الطروحات المتداولة.
اللافت أنّه في اللحظات الأولى لاندلاع حادثة الجاهلية، كان الاعتقاد سائداً أنّ اشتداد الأزمة سيساعدها على الانفراج، لأنّ كل الأطراف معنية بتطويق بقعة زيت التوتر ومَنع انتشارها. ولكن تبيّن مع مرور الساعات أنّ ارتفاع منسوب التشنّج سيزيد من حرارة التصعيد الحكومي، لا العكس.
بالنسبة للحريري، كما يرى مطلعون على موقفه، صارت إمكانية التنازل مستحيلة، وتحولت كمَن يُطلق النار على رجليه بعد «سبت الجاهلية». وبالتالي، إنّ البحث عن مخارج لائقة تنقذ مشاورات التأليف، في بيت الوسط، أشبَه بالبحث عن إبرة في كومة قش.
كذلك الأمر بالنسبة لـ»النواب السنّة المستقلين» الذين يقولون إنّ مشهد الجاهلية له خلاصة واحدة: هناك من يحاول إلغاء كل صوت معترض داخل طائفته. ولا مكان إلّا لمَن جرى «تطويعهم» كرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الذي تحوّل بين ليلة وضحاها من رئيس حكومة «القمصان السود» إلى ضيف مُرَحّب به في «الحصة الحريرية»، وفق أحد النواب السنة المستقلين، «لا إمكانية، بعد ما شهدناه في الجاهلية، سوى التشدد في موقفنا: لا وزير إلّا من بيننا… وبحقيبة».
هكذا سقط احتمال أي طرح وسطي كان يمكن أن تتعزّز حظوظه فيما لو لم تقع أحداث الجبل، كما يرى متابعون للشأن الحكومي. وفي السياق عينه يمكن القول إنّ مشروع حكومة الـ32 ولد ميتاً، لأنّ الحريري رفض هذه الصيغة من لحظة طرحها في المرة الأولى، كما يؤكد مطّلعون على موقفه.
وقد أبلغ الى باسيل هذا الرفض بشكل واضح لا لبس فيه، فور وضع المشروع على طاولة النقاش، لسبب يرتبط بالوزير العلوي، كما يقول المطلعون.
وفق اعتبارات الحريري، فهو لن يكرّس سابقة حجز مقعد لوزير علوي، يفترض أن يكون في الحكومة العتيدة من حصته، لكنه سيكون حكماً في أي حكومة مقبلة من حصّة خصومه. يقول الحريري في مجالسه: لن أوقّع مرسوم منح الشيعة 7 وزراء، في إشارة الى تصنيفه الوزير العلوي بالشيعي سياسياً.