صحيفة الجمهورية
بداية اسبوع مفتوحة على أكثر من سؤال برسم السلطة السياسية: ماذا بعد؟ والى أين يؤخذ البلد؟ على الرغم من الهدوء الذي ساد في أعقاب الحوادث الاخيرة، فإنه يبقى هشاً ومشكوكاً برسوخه وبعدم تكراره في اي وقت، في صور مقيتة أخرى وفي مناطق أخرى، طالما انّ اسباب مثل هذه الحوادث لم تنتفِ. وهذا يعني، انّ هيبة الدولة بقواها السياسية وسلطاتها الرسمية وأجهزتها القضائية والأمنية ستبقى مهدّدة في اي وقت، بالكسر والاهانة والتطاول عليها، على نحو ما حصل في الأيام الاخيرة.
تلك الحوادث هي النتاج الطبيعي للفلتان السياسي الذي تتفرّع عنه كل الموبقات والأزمات التي يعاني منها البلد. وهو الأمر الذي ضخّم مخزون القلق لدى اللبنانيين، الى حدّ الشعور بانعدام الامان وفقدان الثقة بالمسؤولين، فيما السلطة السياسية غارقة في سباتها العميق، تغمض عيونها على كل ما يهدّد استقرار البلد، وعلى كل المستويات، وإن فتحتها فلا ترى سوى مصالحها وحدها، دون اي اعتبار لما لصراخ الناس وخوفهم على مصيرهم.
اللافت للانتباه، انّ ما حصل قبل ايام، والتوترات المتنقلة بين منطقة واخرى، لم يحمّس أصحاب الشأن والقرار السياسي، على الشروع في مبادرة احتوائية لما جرى، تتجّه نحو لملمة أجزاء البلد المشتتة، خصوصاً انّ ما جرى قرّب البلد من لحظة مصيرية ووضعه امام منعطف خطير يؤدي في أحسن حالاته الى «خراب البصرة»، على حدّ ما انتهت اليه بعض القراءات السياسية لما حصل.
واذا كان أهل السلطة، من رسميين وسياسيين وحزبيين، قد رفعوا الصوت في عزّ أزمة تعطيل الحكومة بالتحذير والنصح، بأنّ قيامة لبنان مهدّدة، وانّ البلد لم يعد يملك ترف إهدار الوقت، فإنّ الاحداث الاخيرة، وإن كانت قد اكّدت خطر هذا المنحى، فإنّها في الوقت ذاته، وكما يقول مرجع كبير، يجب ان تُعتبر جرس إنذار مما يمكن ان يصل إليه البلد في حال استمر الفلتان السياسي على ما هو قائم عليه في هذه الايام. فالوضع الداخلي بكل مفاصله بات يتطلب مقاربات جذرية لإعادة بناء الهيكل، الذي يشكّل الملف الحكومي احد أعمدته الاساسية، علماً انّ هذه المقاربات ينبغي ان تكون مختلفة عن السياق الذي جرى اتباعه خلال أشهر التعطيل الستة، بل ينبغي ان تكون قائمة على مبادرات جدّية أساسها التنازلات المتبادلة.
وقال المرجع لـ«الجمهورية»: «ينتابني القرف مما يجري، أردنا البقاع آمناً ومستقراً لفتح الباب امام إنماء هذه المنطقة، فإذا ببعض الحالات الشاذة تُمعن في تصرفات وتحدّيات للجيش اللبناني ومحاولات إعاقة مهماته في المنطقة والاعتداء على عناصره، والغاية واضحة، إبقاء هذه المنطقة في موقع المتّهمة والمشوّهة هي واهلها جرّاء ما يرتكبه بعض الخارجين على القانون فيها».
أضاف المرجع: «وينتابني القرف من الانحدار المريع في مستوى التخاطب بين القوى السياسية، لم يعد تخاطباً سياسياً، بل صار اهانات وشتائم تنعدم فيها الاخلاق، ثمة انحدار واضح، والشعور بالمسؤولية منعدم وكل طرف يصيح ويتلطى براعيه السياسي والطائفي، ناهيك عن الارتكابات المتمادية في كل مفاصل الدولة، وليس من يسأل وليس من يُحاسب، كيف يمكن ان تخرج من هذه الدوامة؟ لا اعرف. لقد اوصلوا الدولة الى وضع معطّل الى حدّ التعفّن، ومع الأسف ما زالوا مستمرين في هذا المنحى».
وقال: «ما جرى يوجب اكثر من اي وقت مضى، ان يدرك اللبنانيون معنى الفوضى. السفارات الغربية بدأت تسألنا ما الذي يجري عندكم، ويعبّرون عن قلق على بلدنا، ونحن من جهتنا نصاب بالخجل أمامهم، ولا نعرف ماذا نقول لهم ، ولا نستطيع ان نبرّر، فكيف لا ونحن نتلهى بوزير بالزايد ووزير بالناقص، فيما الفتنة والفوضى كالماء، تجري من تحت أقدامنا ونحن لسنا عابئين بذلك».
وحذّر المرجع من أنّ «ما حصل، وإن لم يتم تداركه، سيتسبب حتماً بما هو اسوأ، وكل ذلك مؤشر خطير على عمق الأزمة السياسية في البلد، والتي تتفرّع عنها كل الأزمات الاخرى، وخصوصاً الأزمة الاقتصادية، وكذلك غياب الدولة. في الدول المحترمة أدنى حادث يؤدي الى سقوط حكومة وعهود، اما عندنا فلا سقوط الّا للدولة والوطن مع الاسف».
وبحسب المرجع، فإنّ «الفرصة متاحة اليوم لأن يعيد كل طرف حساباته، والدخول جدياً في مرحلة حسم تأليف الحكومة، واذا كانت الكرة هنا في ملعب رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف وكذلك النواب السنّة الستة ومن خلفهم «حزب الله»، فأعتقد انّ مبادرة الحل الأولى والاخيرة تبقى لدى رئيس الجمهورية. المسألة لم تعد تحتمل، صرنا في سباق خطير مع الأزمة، واقل الواجب والمسؤولية هو ان نسبقها قبل ان تسبقنا وتُسقطنا جميعاً».
العقدة الحكومية
سياسياً، يُنتظر ان تشكّل التطورات الاخيرة محور الكلمة التي يلقيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال افتتاحه عصر اليوم، المبنى الجديد للمكتبة الوطنية في الصنائع. وفيما لم يطرأ تبدّل في مواقف الأطراف المعنية بعقدة تمثيل سنّة 8 آذار في الحكومة، بل ظلت خلف التصلّب المُتبادل، استعجل «اللقاء الديمقراطي» تشكيل الحكومة. وفي الاطار، أكّدت اوساط الرئيس المكلّف سعد الحريري لـ«الجمهورية» ثباته على موقفه في ما خصّ هذه العقدة، مقابل تأكيد اوساط سنّة 8 آذار بأنّهم غير معنيين بأي مخرج حل للحكومة خارج تمثيلهم وبحقيبة.
وفي السياق ذاته، شدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري على انّ الضرورات صارت تحتّم التعجيل بتشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، وكلما عجّلنا بذلك تمكنّا من المعالجة المبكرة للخطر الداهم.
ولا جزم في عين التينة ما اذا كانت الحكومة ستولد قبل عيد الميلاد، وإن كان الرئيس بري يتمنى ذلك، لكنه ما زال ينتظر ما ستؤول اليه حركة وزير الخارجية جبران باسيل، حيث هناك افكار مطروحة للحل، والوزير نفسه ما زال يقول إنّ مبادرته لم تنتهِ بعد.
وأكمل وزير المال علي حسن خليل موقف الرئيس بري بقوله: «انّ الحوادث الأخيرة التي حصلت، تقتضي وتفرض منا أن نسارع إلى إكمال عقدنا الدستوري، عبر تشكيل الحكومة، ووضع كل الملفات المرتبطة بالاستقرار الأمني والسياسي، ومعالجة الشأن الاقتصادي والمالي على الطاولة، حتى نتجاوز القطوع الكبير الذي يهدّد البلد واستقراره وحياة الناس فيه ومصالحها، لانها هي الأساس».
الجاهلية
سلكت أحداث الجاهلية مسارها القضائي، وفيما امتنع الوزير وهاب عن الحضور الى قصر العدل في بيروت للإدلاء بإفادته بشأن الدعوى المقامة ضده بجرم القدح والذمّ بعد تعرّضه للرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس المكلّف سعد الحريري، حضر وكيله معن الأسعد، الذي تقدّم بثلاثة طلبات أمام غرفة التفتيش، من ابرزها طلب تنحية مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود وتحويل القضية الى محكمة المطبوعات.
مجلس القضاء
وأكّد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد أنّ «القضاء الجزائي في لبنان بذل ويبذل الكثير من الجهد ليؤدي الدور المنوط به»، مشيرًا إلى أنّ «المصلحة العليا تقتضي من كلّ حريص معاضدة القضاء في سعيه الى أداء دوره كسلطةٍ مولجةٍ دستورياً بأمر إحقاق الحق وتثبيت حكم القانون وفي سعيه المنصبّ على الحفاظ على صورته الحيادية». وقال إنّ «القضاء عموماً في لبنان، بدعمٍ من رئيس الجمهورية، يؤدي دوره على أكمل وجه بكلّ حيادية ووفق الأحكام القانونية المرعية الإجراء عبر مسار قضائي صرف منزّه عن أيّ خلفيات أخرى».
مسعى «التيار»
في هذا الوقت، تحرّك»التيار الوطني الحر» على خط التهدئة، فزار وفد منه برئاسة الوزير طارق الخطيب بلدة الجاهلية للتعزية. على ان يزور اليوم الامين العام لتيار «المستقبل» احمد الحريري ثم النائب تيمور جنبلاط ، وعصر الخميس النائب طلال ارسلان.
وقال الخطيب لـ«الجمهورية»: «بتوجيه من رئيس «التيار»، نحمل رسائل الى الاطراف التي نزورها بالدعوة الى اعمال العقل والتهدئة وتخفيف التشنج وخفض مستوى الخطاب الاعلامي الذي يزيد الوضع توتراً».
وهل يستفز مسعى «التيار» الرئيس الحريري أجاب: «عند وقوع اي نزاع سياسي بين اطراف لبنانيين، نشعر انّ علينا واجب التحرّك لتهدئة الخواطر منعاً لوقوع الاسوأ، فالجميع يدرك خطورة الوضع ودقته، ولا اعتقد انّ تحرّكنا يستفز الرئيس الحريري ولا يجب ان يستفزه ابداً، فهو ايضاً خطابه هادىء ويدعو الى التهدئة».
وفود
الى ذلك، امّت وفود سياسية وحزبية بلدة الجاهلية معزية بمقتل محمد بوذياب. وبرزت في السياق تغريدة لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط تقدّم فيها بالتعازي «بالشهيد محمد بوذياب، وكلنا في خدمة أمن الجبل أيّاً كانت الخلافات». وتوجّه فيها الى «الرفاق والمناصرين» قائلاً: «هناك كالعادة سلسلة من الاخبار الغريبة والمحرّضة، وأوضح أنّ التنسيق مع «حزب الله» منتظم كالعادة بالرغم من تفاوت في وجهات النظر في بعض الأمور».
اشتباك
في غضون ذلك، إرتفعت وتيرة الاشتباك السياسي على خط احداث الجاهلية، بين الوزير السابق وئام وهاب وتيار «المستقبل»، الذي اكّد عبر محطته التلفزيونية «انّ لا مفرّ من العدالة، ولن يعبر مرور الكرام خروج المطلوب من العدالة، وئام وهاب، عن منطق الدولة وخروجه عن القانون عبر تحضير مجموعات مسلحة لمواجهة قوة أمنية رسمية مكلّفة تنفيذ قرار قضائي صادر عن سلطة رسمية». وكذلك بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، وشرارة الأمس تولّدت على خلفية ما قاله مصدر رفيع المستوى في «حزب الله» لإحدى القنوات المحلية بأنّ «الحزب الذي رفض ما حصل في موضوع تدني الخطاب السياسي، بغض النظر عن مُطلِق هذا الخطاب، رفض إرسال القوة الأمنية الكبيرة من قبل فرع المعلومات إلى الجاهلية، لاقتناعه بأنّ ما كان يُحضَّر هو أكبر بكثير من قضية اعتقال أو إحضار وئام وهاب».
وبحسب المصدر، فإنّ «الوضع السياسي في لبنان كان سيؤدي، نتيجة الخطوة غير المدروسة في الجاهلية، الى فتنة في الجبل، وفتنة طائفية في البلد، وصولًا حتى وضع لبنان على حافة الحرب الأهلية».
وإذ حمَّل المصدر السلطة السياسية وتحديدًا الجهة المسؤولة عن إصدار الأوامر بعملية الجاهلية، اي رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، مسؤولية ما حصل، أكّد أنّ الحزب وحده ومن دون أي جهة أخرى، منع البلد من الإنزلاق إلى الحرب الأهلية عبر الضغط الذي مارسه على الأطراف المعنية.
وردّ مصدر رفيع المستوى في تيار «المستقبل» على كلام المصدر الرفيع في «حزب الله» بقوله: «إنّ التهويل على اللبنانيين بممارسة التدخّل لمنع وقوع حرب اهلية، هو تهويل في غير مكانه، هدفه التغطية على اساس الجرم الذي ارتكبه المدعو وئام وهاب بالتعدّي على الكرامات، وكذلك التغطية على جرم العصيان وتصدّي السلاح غير الشرعي للقوى الامنية الشرعية، ما تسبب بمقتل الشاب المرحوم محمد بو ذياب» .
واضاف المصدر: «إنّ المسؤولية اولاً واخيراً تقع على السلاح المتفلت والخارجين على القانون، وليس على القوى الامنية التي كانت على اعلى درجات التحلّي بالمسؤولية وضبط النفس».