عماد مرمل – الجمهورية
لم تهزّ حادثة الجاهلية الاستقرار الميداني فقط، بل هدّدت أيضاً الأمن السياسي، بعدما تجاوزت مفاعيلها وتداعياتها نطاق هذه البلدة الشوفية وشخص الوزير السابق وئام وهّاب، مع دخول «حزب الله» على الخط لتحقيق نوع من «توازن الردع» في مقابل اندفاعة الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط. فماذا فعل «الحزب» وكيف تصرّف؟
من الأساس، لم يكن «حزب الله» مرتاحاً الى المنحى الذي سَلكه الخطاب السياسي والاعلامي أخيراً – وفق ما تؤكد أوساطه – وهو أبدى انزعاجه من الانحدار في طريقة التخاطب، مشدداً على أنّ أيّ «أمر عمليات» لم يصدر عنه لشَنّ حملات منظّمة ضد الحريري. أكثر من ذلك، تدخّل «الحزب» لدى وهّاب لخفض سقف خطابه وتهدئة نبرته بعد تفاقم الامور، ما انعكس اعتذاراً من وهّاب بعد تسريب كلامه القاسي في شريط الفيديو المسجّل.
وعليه، لا يدافع «الحزب» عن بعض المفردات التي استخدمها وهّاب في سجاله مع الحريري، لكنه يعتبر في الوقت نفسه انّ هناك أصولاً لمساءلته قانونياً، وتحديداً تحت سقف قانون المطبوعات والاجرءات المترتبة على القدح والذم، وليس بالتأكيد من خلال حملة أمنية مؤللة ضده في بلدة الجاهلية.
وأمام ما حصل، يطرح «حزب الله» الملاحظات الآتية:
– أين كان القضاء و»فرع المعلومات» عندما أقدمَ مناصرو تيار «المستقبل» على قطع الطرق في مناطق عدة وتهديد السلم الاهلي؟ ولماذا لم تتم ملاحقة هؤلاء؟
– لماذا لم تتحرك الاجهزة القضائية والامنية ضد شخصيات معروفة وجّهت إساءات حادة وعلنية الى «حزب الله»، عبر اتهامه تارة بتنفيذ اغتيالات وطوراً بالإتجار بالمخدرات، إلّا إذا كانت هناك معايير مزدوجة في تطبيق القانون؟
– كيف يمكن تفسير التهاون والميوعة الرسميين في التعاطي مع ظاهرة أحمد الأسير، نحو سنتين تقريباً، مع أنه لجأ الى تحريك النعرات المذهبية وإيقاظ مكامن الفتنة وإقفال طريق الجنوب الحيوية والعبَث بالأمن، في حين انّ هناك مَن استعجل حرق المراحل في دعوى قضائية ضد وهّاب، ولأسباب هي أقلّ وطأة بكثير ممّا فعله غيره.
– ما سبب إرسال قوة ضاربة وجرّارة لتبليغ وهّاب بوجوب مثوله أمام القضاء، بينما آلية التبليغ المتعارَف عليها مغايرة تماماً ولا تستوجب كل هذا الاستنفار الأمني؟
تحت سقف هذه الاسئلة – الاجوبة، حاول «الحزب» مع بدء ظهور مؤشّرات التصعيد أن يُقنع «فرع المعلومات» ومن يغطيه بضرورة تَجنّب الانفعال في التعاطي مع قضية وهّاب، لكن يبدو أنّ قراراً كان قد صدر على أعلى المستويات بـ«الزَحف» نحو الجاهلية في محاولة لفرض أمر واقع، تُحاكي طريقة توقيف الوزير السابق ميشال سماحة. وبالتالي، لم تتم الاستجابة لنصيحة «حزب الله».
ووفق التصوّر الموجود لدى «الحزب»، كان السيناريو المخطّط له يقضي بتحقيق أحد هدفين:
إمّا اعتقال وهّاب وإذلاله عبر توقيفه وإيداعه السجن خلال فترة العطلة يومي السبت والأحد، في انتظار البَت في مصيره مطلع الاسبوع، وبذلك تكون الرسالة قد وصلت إليه والى «الحزب». وإمّا استدراج وهّاب الى مواجهة واسعة في عقر داره، تنتهي بنتائج وخيمة.
لاحقاً، وبعد احتدام الموقف على الأرض مُنذراً بالأسوأ والأخطر، تدخّل «حزب الله» لدى المعنيين بوتيرة تصاعدية، على قاعدة انه لن يسمح بتاتاً باستفراد وهّاب وكَشفه أمنياً، خصوصاً انه كان قد اعتذر عمّا بَدرَ منه في الشريط المسجّل، وأبدى استعداده للمثول أمام القضاء.
وانطلق «الحزب» في اتصالاته مع الجهات المختصة من وجوب التنَبّه الى مخاطر استبدال الحكمة بالبطش، والقانون بالثأر، متوجّهاً إليها بما معناه: الى أين أنتم ذاهبون؟ وماذا تفعلون؟ أين التعَقّل؟ وما هذه الخفّة في اللعب بمصير الأمن؟ إنتبهوا كثيراً…
وتعتقد قيادة «الحزب» أنّ مَن اتخذ القرار باقتحام الجاهلية لم يحسب جيداً ما قد يَترتّب عليه، لافتة الى أنّ تداعياته كان يمكن أن تَجرّ الى صدام درزي – درزي، ودرزي – سنّي، وربما سنّي – شيعي، لولا تَدارك الوضع في اللحظة الاخيرة، قبل تَفلّتِه من السيطرة.
وفي ما يبدو أنها رسالة الى الحريري، تعتبر قيادة «الحزب» انه لا يجوز لمَن يواجه أزمة في تشكيل الحكومة أن يهرب منها الى افتعال أزمة في الأمن.
وماذا عن موقف جنبلاط الذي منحَ غطاء درزياً للقرار بملاحقة وهاب؟
يتساءل «الحزب»، هنا، عمّا إذا كان رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» قد اعتقد أنّ الأوان حان للثأر من وهّاب بعد النتائج المتقدمة التي نالها في الانتخابات النيابية، وكادت تصل به الى مجلس النواب لو لم يحصل خَلل في التقدير لدى الحلفاء، «لكنّ ما جرى، وخلافاً لحسابات البعض، سيؤدي الى تعزيز قوة وهّاب وحضوره في الطائفة الدرزية».