خبر

الأمن يهتز والتأليف يتجمد… واسبوع أمنــــي وقضائي وسياسي

صحيفة الجمهورية

 

 

شهدت عطلة نهاية الاسبوع اختلاطاً عنيفاً بين حابل الأمن الذي اهتزّ من البقاع حيث أعمال الدهم وما يليها من ردود فعل ضد الجيش، إلى الشوف وعاليه، بفعل محاولة جلب رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب من منزله في بلدة الجاهلية الشوفية الى التحقيق في دعوى قدح وذم وتحقير، رفعها تيار «المستقبل» ضده، وبين نابل الاستحقاق الحكومي الذي ظلّ على حاله من التعقيد ولم يسجّل أي تطور إيجابي في شأنه يبعث على التفاؤل بتذليل العِقد التي تعوق إنجازه وأبرزها، عقدة تمثيل النواب الستة التي غابت عنها افكار الوزير جبران باسيل الهادفة الى حلّها.
ُيُنتظر ان يكون هذا الاسبوع سياسياً وقضائياً وأمنياً بامتياز، تغطيه حادثة الجاهلية والمضاعفات التي تثيرها، وقد انصّبت الاهتمامات امس عليها على وقع تشييع مرافق رئيس حزب «التوحيد العربي» محمد بوذياب، الذي كان توفى ليل السبت ـ الاحد متأثراً بجروح أُصيب بها لدى دخول قوة «شعبة المعلومات» الى البلدة لتبليغ وهاب دعوة للمثول امام القضاء.

ويُنتظر ان تشهد هذه القضية اليوم مزيداً من الاهتمام على مختلف المستويات السياسية والامنية والقضائية، مع ما يمكن أن يرافقها من ردود الفعل ومضاعفات في ضوء التحقيقات الامنية والقضائية الناشطة لكشف كل الملابسات المحيطة بها.

وأطلّ وهاب مساء أمس عبر قناة «الجديد»، وقال: «لم اخرج من منزلي اثناء المداهمة، وكنت على مأدبة الغداء مع عدد من الأصدقاء ولَم أصدّق ان مجنوناً سيقوم بهذه الفعلة». معتبراً «أنّ الدم برقبة عماد عثمان وعلى جبين سعد الحريري». وأضاف: «قوة المعلومات كانت تدخل الى مصيدة في الجاهلية، والشباب كانوا قد اتفقوا على أن لا تدخل القوة إلا على جثثهم، وفعلاً دخلوا وخرجوا على جثة محمد بوذياب».

ورأى «أنّ لملمة الدماء تتطلب إجراءات كبيرة ومحاسبة القاتل عماد عثمان، لأنّ هذا الرجل لا يستحق أن يؤتمن على أمن اللبنانيين».

وسأل وهّاب: «متى تكلّمت عن أهل السنّة؟ قلت إنّ الحريري ليس أب السنّة وإلّا لما ترك (جمعية) المقاصد تذهب نحو الإفلاس، ولما حلّ شركات وموظفين، السنّة أصبحوا في عرمون وبشامون لا يملكون مقبرة حتى».

واضاف: «علاء الخواجة طلب شخصياً رأسي من سعد الحريري او يوقف التمويل عنه، ولم اكن اعرف انّه بالنسبة لسعد الحريري أهم من كل الذين هاجموا رفيق الحريري بعد استشهاده».

المشنوق

وقبل ساعات على إطلالة وهاب، أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق في بيان أنّ «كل عسكري ورتيب وضابط في قوى الأمن الداخلي هو بطل في دفاعه عن الدولة والقانون، واللواء عماد عثمان أول هذه العناصر، والعقيد خالد حمود هو الأول في امتحان المسؤولية الوطنية. وصغائر الكلام لم ولن تنتقص من هؤلاء الأبطال. أما الرئيس سمير حمود فلا يحتاج الى شهادة في نزاهته واستقامته، وهو تصرّف بناءً على دعوى قضائية موجودة على طاولته تهدّد السلم الأهلي». واعتبر انّ «وفاة الفقيد محمد بوذياب تخضع لتحقيق قضائي يحدّد المسؤولية عنها ولا يُترك الأمر لاجتهادات سياسية فتنوية. وإنّ بيان قوى الأمن الداخلي يستند إلى تدقيق مسؤول في مهمة محدّدة قانوناً وواضحة لجهة أنّ إطلاق النار العشوائي من قبل مسلحين في الجاهلية هو الذي أدّى إلى إصابة بوذياب في خاصرته ومن ثمّ وفاته في المستشفى».

ورأى المشنوق، أنّ «حفظ الكرامات ليس حقاً حصرياً لأحد لا فرداً ولا طائفة. الشهيد رفيق الحريري هو ضميرنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، ومَن يتعرّض له يتعرّض لكرامة كل أهل السنّة وكل الشرفاء اللبنانيين. وليطمئن الجميع، لن يتراجع الرئيس سعد الحريري عن صلابته الدستورية في تشكيل الحكومة ولن يعتذر عن مهماته ولو وصلت الضغوط إلى قمم الجبال».

في الجاهلية

وكانت وقائع الساعات العصيبة التي عاشتها بلدة الجاهلية أمس الاول وأمس، ترافقت مع إجراءات أمنية إستثنائية في محيط مديرية قوى الامن الداخلي و«بيت الوسط» ومحيط منزل المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، وقد أفضت الى جملة معطيات ووقائع لعلّ أهمّها وقوع وهاب لأكثر من مرّة في خطأ التأكيد، أنّ تقرير الطبيب الشرعي يشير الى «نوع» الرصاصة التي اخترقت جسد بوذياب، في وقت أنّ تقارير الأطباء الشرعيين لا تتطرّق في قضايا مماثلة الى الجوانب التقنية لنوع السلاح المُستخدم، بل أنّ ذلك يدخل ضمن صلاحيات الأدلة الجنائية.

وفيما سطّرت «المعلومات» محضراً بالحادث بعد الاستماع في فصيلة بعقلين الى إفادة المختار أجود بوذياب، الذي أكّد أنّ القوة الأمنية التي كانت موجودة لم تطلق النار، وبأنّه شاهد محمد بوذياب وهو يطلق النار من الطبقة الثانية من منزل وهاب، إضافة الى إشارته الى إحتمال أن يكون بوذياب قد أصيب من جرّاء إطلاق النار الكثيف جداً الذي أطلقه حرّاس وهاب، وأنّه أبلغ الى الضابط أنّ وهاب سيتوجّه برفقة محاميه أو قد يرسل محاميه الى «شعبة المعلومات» اليوم الاثنين، فإن تقرير الطبيب الشرعي في المقابل الذي حصلت «الجمهورية» على نسخة منه، يؤكّد أنّ «حالة الوفاة ناتجة من الإصابة بعيار ناري دخل من يسار الصدر ومن مسافة غير قريبة واستقر في الخاصرة اليمنى»، وهذا يعني أنّ الرصاصة أتت من الأعلى الى الأسفل، وبالتالي هناك استحالة أن يكون العيار الناري قد انطلق من أمام منزل وهاب حيث كانت العناصر الامنية، مع العلم أنّ محمد بوذياب كان موجوداً في الطبقة الثانية من المنزل، فيما بقية المسلّحين يطلقون العيارات النارية في الهواء ومن أبنية مجاورة أعلى من منزل وهاب.

وافادت أوساط مطلعة، أنّه لو حصل إطلاق النار على عناصر «شعبة المعلومات» لكان أدّى حتماً الى مجزرة وكارثة كبيرة، لأنّهم كانوا سيضطرون للردّ على مصادر النيران. وأكّدت «انّ مجرّد عدم إطلاق مرافقي وهاب النار في اتجاه العناصر الامنية يعني أنّ هؤلاء لم يبادروا بطبيعة الحال الى إستهداف المسلحين المنتشرين في محيط منزله لا عند الوصول ولا عند الانسحاب».

وفيما جزم وهاب، وفق «تقرير الطبيب الشرعي» كما قال، أنّ الرصاصة التي أصابت بوذياب هي من نوع M16 أو M4، وأطلقت من سلاح أميري، تؤكّد مصادر أمنية أنّ الـ M4 هي من عيار 5,56 وان مرافقي وهاب يملكون هذا السلاح، وقد رُصدت صورة لأحد مرافقيه على «فايسبوك»، ممن كانوا يشاركون في إطلاق النار أول من أمس، ويدعى سماح حسام الدين، حاملاً بندقية M4!

«الحزب» يتدخل

وبعد احتدام الموقف على الارض منذراً بالأسوأ والأخطر، تدخّل «حزب الله» لدى المعنيين بوتيرة تصاعدية، على قاعدة عدم السماح بتاتاً باستفراد وهّاب وكشفه امنياً، خصوصاً انّه كان قد اعتذر عمّا بدر منه في الشريط المسجّل، وابدى استعداده للمثول أمام القضاء.

وانطلق «الحزب» في اتصالاته مع الجهات المختصة من وجوب التنبّه الى مخاطر استبدال الحكمة بالبطش، والقانون بالثأر، متوجهاً اليها بما معناه: الى اين انتم ذاهبون، وماذا تفعلون؟ أين التعقّل، وما هذه الخفة في اللعب بمصير الامن؟ انتبهوا كثيرا»..

وعبّرت قيادة «الحزب» عن اعتقادها بأنّ من اتخذ القرار باقتحام الجاهلية «لم يحسب جيداً ما قد يترتب عليه»، لافتة الى انّ تداعياته كان يمكن ان تجرّ الى صدام درزي- درزي، ودرزي- سنّي، وربما سنّي- شيعي، لولا تدارك الوضع في اللحظة الاخيرة، قبل تفلّته من السيطرة.

وفيما بدا انّها رسالة الى الحريري، إعتبرت قيادة «الحزب» انّه «لا يجوز لمن يواجه أزمة في تشكيل الحكومة أن يهرب منها الى افتعال أزمة في الامن».

وتساءل «حزب الله» تعليقاً على مواقف النائب السابق وليد جنبلاط، عمّا إذا كان جنبلاط قد اعتقد أنّ الأوان حان للثأر من وهاب، بعد النتائج المتقدمة التي نالها في الانتخابات النيابية، وكادت تصل به الى مجلس النواب لو لم يحصل لدى الحلفاء خلل في التقدير «لكن ما جرى، وخلافاً لحسابات البعض، سيؤدي الى تعزيز قوة وهّاب وحضوره في الطائفة الدرزية».

من جعجع الى الحريري

على الصعيد الحكومي، لم يُسجّل في عطلة الاسبوع اي مواقف او تحرّكات سياسية بارزة، باستثناء زيارة وزير الاعلام ملحم الرياشي الحريري في بيت الوسط، ناقلًا رسالة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أفادت معلومات، انّها «تؤكّد حرص «القوات» على الاستقرار وعلى تأليف الحكومة في اسرع وقت ممكن لضمان هذا الاستقرار واعادة إنعاش البلد وتحريكه، شرط ان يكون الجميع تحت سقف القانون بلا استثناء».

الراعي لحكومة مصغّرة

الى ذلك، وفي جديد المواقف السياسية من الأزمة الحكومية، برزت دعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى تأليف «حكومة حيادية مصغّرة» قوامها شخصيات معروفة ومحترمة وقادرة.

وقال الراعي: «يكفي أن نفكّر بفشل الأفرقاء السياسيين وعجزهم عن الاتفاق على تأليف الحكومة الجديدة منذ ما يزيد على الستة أشهر، وليس في الأفق بصيص أمل، طالما أنّ كل فريق ما زال أسيرَ مطلبه وموقفه على حساب هذه المؤسسة الدستورية، وعلى حساب الاقتصاد الذي يتراجع، والشعب الحائر والقَلق والفقير، والوحدة الداخلية التي تتفكّك».

وأضاف: «لسنا نفهم لماذا لا يُصار إلى تشكيل حكومة حيادية مصغّرة قوامها شخصيات معروفة ومحترمة وقادرة، تعمل على توطيد الاستقرار السياسي الذي هو أساس كل استقرار اقتصادي واجتماعي وأمني. هذا الاستقرار يقتضي قيام دولة القانون والعدالة والمساواة».

الفاتيكان والنازحون

من جهة ثانية، تركّز البحث بين وزير الخارجية جبران باسيل وأمين سرّ دولة الفاتيكان وزير الخارجية الكاردينال بول ريتشارد كالاغر، خلال لقائهما في الفاتيكان، على مسألة النازحين السوريين، بعد الكلام الذي أدلى به كالاغر أمام نواب لبنانيين حول تعليق عودة النازحين في انتظار الحل السياسي النهائي في سوريا.

اذ تبيّن، وفق متابعي اللقاء، أنّ المسؤولين الفاتيكانيين يعبّرون عن وجهة نظر غربية، وتحديداً أميركية، تفيد أنّ عودة النازحين غير متوافرة في المرحلة الحالية كونها مرتبطة بالحل الساسي.

ولذا سعى باسيل الى شرح الوضع اللبناني وتأثير النزوح، مع التأكيد أنّ لبنان يشجّع العودة الآمنة والطوعية، خصوصاً وأنّ الوضع في سوريا صار آمناً في معظم المناطق. كما أنّ أعداداً كبيرة من النازحين السوريين ترغب في العودة إلى قراها وبلداتها. والأهم من ذلك هو أنّ الأمم المتحدة تعمل وكأنها تدير أوضاع النازحين في أماكن نزوحهم ولا تعمل على إعادتهم، بمعنى أنّها تدير «الأزمة» ولا تعالجها.

ولذا يطالب لبنان، وفق متابعي اللقاء، الأمم المتحدة بالإبقاء على عملها في سوريا وتفعيله وعدم تعليق مساعداتها لتشجيع كل من يرغب في العودة، على القيام بهذه الخطوة، وتساعد العائدين على الصمود وتحسين ظروفهم.

ولفت باسيل أمام مضيفه، الى أنّ لبنان تحوّل الى بلد نزوح اقتصادي ولم يعد بلد نزوح سياسي، لأن غالبية السوريين الموجودين في لبنان، موجودون لأسباب اقتصادية.

ويقول المتابعون، إنّ وزير خارجية الفاتيكان استمع بدقة إلى وجهة النظر اللبنانية ووعد القيام بجولة مشاورات مع القوى المعنية لنقل الموقف اللبناني، خصوصاً وأنّ لبنان يسعى جاهداً الى تخفيف عبء النزوح ويرفض ربط مصير العودة بالحل النهائي أو بورشة إعادة الاعمار، لأنّه لم يعد يحمل أكثر.

التحالف والجيش السوري

على جبهة سوريا، ذكرت «الوكالة العربية السورية للأنباء» (سانا) الرسمية أن قوات التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة الولايات المتحدة قصفت مساء أمس مواقع تابعة للجيش السوري في منطقة السخنة في ريف حمص وسط البلاد.

ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري قوله: «إعتدت قوات التحالف الأميركية في الساعة الثامنة ليلاً بصواريخ عدة على بعض مواقع تشكيلاتنا في جبل الغراب جنوب السخنة». وأشار إلى أن الأضرار جراء هذا الهجوم «اقتصرت على الماديات».