خبر

«المستقبل» ضاقت بها السبل

ميسم رزق – الأخبار

تحتَ أكثر من ظرف، تسير صحيفة «المُستقبل» التابعة لرئيس الحكومة سعد الحريري في اتجاه الموت ورقياً. العاملون فيها، بدأوا يسمعون «تلطيشات». الأمور ليسَت واضحة، لكن الأهم بالنسبة إليهم «أن لا يضطروا إلى الاعتصام للمطالبة بحقوقهم»

دائماً قبلَ الحديث عن إغلاق صحيفة جديدة، رُبما يجِب الحديث عن أزمة الصحافة اللبنانية بشكل عام. عن صعود المواقِع الإلكترونية، تقلّص حجم الموازنات الإعلانية… وغياب المال السياسي. ينعكِس ذلك كله، تراجعاً في مستوى مادتها الإخبارية وأقلامها، فلا تُعد مادة جاذبة للقراء… ومن ثم العدد الأخير لصفحاتها. لم تكُن «السفير» الأولى ولن تكون «دار الصياد» بئس خواتيم الصحافة الورقية في هذا البلد. بعد عمرٍ ناهز الـ 19 عاماً في عالم الصحافة المكتوبة، تتحضر صحيفة «المُستقبل» للخروج من «الساحة الورقية» نهاية العام الجاري.

منذ أشهر بدأ الخبر بالتداول بين الموظفين من دون أي نفي أو تأكيد رسمي من المعنيين. تزامن ذلك مع التأخر في الرواتب عدة مرات وتراكم الديون المستحقة. وقد أثار هذا الخبر بلبلة في أروقة الصحيفة، خصوصاً أن الموظفين لا يعرفون ماذا سيكون مصيرهم في ظل الحديث عن قرار بالصرف سيطاول عدداً كبيراً منهم، واتجاه إلى تحويل الصحيفة إلى موقع إلكتروني.

مرحلتان أساسيتان عاشتهما صحيفة «المُستقبل». ما قبل اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وما بعده. يروي عاملون من الطاقم الأول للصحيفة كيف كلّف الحريري (الأب) عام 1999 الكاتب الفضل شلق بإعداد جريدة ورقية. يقول العارفون أن اختياره تمّ وفقَ مبدأ «أنه ينفّذ أي فكرة بشكل جيد». لم يتأخر «الباحث في الفكر السياسي» فجمّع حوله أسماء كثيرة ليكونوا مدراء تحرير إلى جانبه: عبد الستار اللاز، سعد محيو، عارف العبد ونصير الأسعد. من اللحظة الأولى لم تكُن الأمور لتسير وفقَ ما كان مُخطّطاً لها. بكلام آخر «لا ينفع وجود خمسة ضباط على كتيبة واحدة». آنذاك انسحب الجميع تكتيكياً من المسؤولية التي تولاها اللاز وحده. ويذكُر هؤلاء كيفَ أدى قرار الحريري تنفيذ هذا المشروع إلى خصومة بينه وبين كل من غسان تويني وطلال سلمان، إذ اعتبرا بأن «الحريري يريد أن ينافسهما في حقلهما». سريعاً تبيّن أن لا شيء يستوجِب القلق. فلم تكُن صحيفة «المستقبل» سوى أعداد ترويجية لأعمال الرئيس الحريري، سبقتها حملة إعلانات أهمها أنها «تمثّل خطّ رفيق الحريري وسياساته». على هذا الأساس، كانت تُكتب المقالات وتُصاغ الأخبار فيها، فكانت صحيفة سلطة بامتياز، إلا في عهد رئيس الحكومة السابق سليم الحصّ.
استمرت «المستقبل» وفقَ هذا النهج مع وراثة الرئيس سعد الحريري والده. لكن مساراً تراجعياً بدأت تشهده الصحيفة منذ العام 2009. استمر ذلك مع مغادرة الحريري البلاد، فبلغَ ذروته حينَ قررت المملكة العربية السعودية بداية العام 2012 رفع الغطاء السياسي والمالي عن حليفها. صحافياً، خرجت «المستقبل» من ساحة المنافسة مع بقية الجرائد، نسبة إلى مضمون صفحاتها التي باتت أخبارها في غالبيتها «نسخ ولصق» عن الوكالات، وتفاقمت الأزمة مع توقف دفع الرواتب وصرف الموظفين منها. إذ بلغ عدد هؤلاء عام 2016 حوالي 50 أجيراً وعاملاً لديها، بينهم صحافيون ومحررون وموظفون إداريون. وأتى هذا الصرف بعد تخلّف إدارة الجريدة عن دفع رواتب الموظفين لأكثر من تسعة أشهر حينها. ومنذ ذلك العام، لم تتوقّف المعلومات التي تشير إلى إمكان إقفال صحيفة «المُستقبل» بضغط من المسؤول المالي للحريري وليد السبع أعين، لكن المستشار الإعلامي هاني حمّود كان ولا يزال من أشدّ المعارضين لذلك. أكثر من إجراء إداري لجأ إليه المعنيون لتأخير موت الصحيفة ورقياً، بعدما انسحبت الأزمة المالية للرئيس الحريري على الموظفين فيها، وأدت إلى تأخير في صرف الرواتب، ومن ثمّ الاستغناء عن عدد من العاملين. اليوم عاد الحديث عن إقفال الصحيفة إلى الواجهة. فقد علمت «الأخبار» أن الحريري عقد اجتماعات في الأشهر الأخيرة للبحث في هذا القرار، وقد أبلغ المعنيين أنه «يعتزم إنهاء إصدار النسخة الورقية، والاكتفاء بتحويل الصحيفة إلى موقع إلكتروني». وبحسب مصادر مستقبلية، «جرى بحث واستدراج عروض لتطوير البرنامج المعتمد للتحرير على أن يتوافق مع الموقع الإلكتروني الجديد». وقد أشار موظفون من داخل الصحيفة إلى أن «الأمور فيها تتجه نحو الأسوأ، ومن غير المعروف ما إذا كان بالإمكان الحصول على تعويضات في حال تقرر صرفهم». وعبّر هؤلاء عن «امتعاضهم نتيجة عدم الاستقرار في دفع الرواتب»، إذ لا يعلمون «ما إذا كان العرض الذي أعطي لزملائهم سابقاً بصرف 12 شهراً كتعويض بالإضافة إلى دفع المتأخرات لا يزال ساري المفعول». ولفت هؤلاء إلى أن «مدير تحرير الصحيفة وعضو المكتب السياسي جورج بكاسيني يُحاول لعب دور إيجابي»، حيث «يسعى إلى عدم تنفيذ هذا القرار قبل تأمين التعويضات، لا سيما أن الكلام عن الصرف يطاول أكثر من 60 موظفاً بين محررّين وإداريين» (العدد الموجود حالياً حوالي 90 موظفاً). وبرأي بكاسيني كما يُنقل عنه، فإنه «من الأفضل أن نعطي كل ذي حق حقه»، بمعنى «تأمين الأموال اللازمة قبل تنفيذ القرار»، لأن «صرف هذا العدد الكبير من الموظفين من دون دفع المستحقات سوف يؤدّي إلى بلبلة كبيرة داخل التيار».

العمل جارٍ على تطوير الموقع الإلكتروني ليحلّ مكان الصحيفة الورقية

إلى جانب الأزمة المالية والظروف السياسية التي عصفت بالرئيس الحريري، يُعيد بعض العاملين داخل الصحيفة مصيرها المهدد بالإقفال إلى أسباب عدّة، أبرزها «الإدارة الفاشلة للأزمة». بحسب هؤلاء «قرارات الصرف الماضية التي نفذت بحق موظفين كانت في غالبيتها استنسابية ومجحفة». إذ «أوكل المعنيون رؤساء الأقسام باختيار الأسماء للاستغناء عن عملها». فكانوا «يتخذون القرارات من منطلق شخصي، فيحافظون على وجود عاملين لمجرّد أنّ علاقات صداقة تربطهم بهم». والدليل أنّ «عدداً كبيراً من الموظفين الذين صُرفوا هم من أصحاب الرواتب الصغيرة، فيما تمّ إبقاء عدد كبير من أصحاب الرواتب الكبيرة الذين يتقاضون ما فوق الـ 2000 دولار شهرياً». كما لعبت «المحسوبيات» وفق العاملين دوراً كبيراً في ضرب هيكلية الصحيفة، لا سيما أنها أدت إلى الاستغناء عن صحافيين يعملون بدوامات كاملة مقابل ترك آخرين هم شبه غائبين عن الحضور، لا بل أكثر من ذلك، تمّ «التعاقد مع بعضهم حيث باتوا يتقاضون على القطعة». ومشكلة صحيفة «المستقبل» الأساسية وفق ما يسمع هؤلاء من الإدارة أن «ميزانيتها محدودة منذ البداية على عكس المؤسسات الأخرى في التيار». في الأشهر الماضية، بدا واضحاً بأن كل الاهتمام ينصبّ على الموقع الإلكتروني الخاص بالصحيفة. وعلى رغم أن من يدير هذا الموقع هم أربعة موظفين ثابتين حصراً بدوام كامل ورواتب منخفضة، فقد ازدادت وتيرة عملهم في شكل ملحوظ، فأصبحت إنتاجية الموقع تفوق ما تنشره الصحيفة يومياً. ويؤكد المتابعون أن العمل جارٍ على تطويره ليحلّ مكان الصحيفة الورقية، ومن المفترض أن ينضمّ إليه عدد قليل جداً من الموظفين في الصحيفة لاحقاً.