خبر

سلّة أفكار باسيل فارغة من الحلول.. وتحذيرات من التوتير..

صحيفة الجمهورية

 

 

ألقى وزير الخارجية جبران باسيل سلّة أفكار لحل العقدة الحكومية، وغادر الى صربيا ليومين، ومعنى ذلك انّ تسويقها انتقل الى الاسبوع المقبل، الذي يفترض أن يختبر مدى قدرتها على كسر عقدة تمثيل «سنّة 8 آذار» في الحكومة، وإلزام الاطراف بتخفيض سقوفهم العالية والتجاوب مع محاولة فتح باب الحلول والمخارج. علماً انّ الساعات الماضية حملت تطورات انّ هذه السلّة تبدو فارغة من أي حلول، خصوصاً انّ مقاربة الرئيس المكلف سعد الحريري لها كانت سلبية ورافضة.
على الرغم من انّ سلّة الافكار، المُتكتّم عليها قصداً لتركها في دائرة المقاربة الهادئة لها، قد أصبحت في متناول المعنيين الأساسيين بالملف الحكومي، الّا انّ الأجواء الحاكمة لهذه العقدة ما زالت مأسورة في جوّ تشاؤمي لا ينسجم مع الاشارات الايجابية التي حرص صاحب هذه الافكار على إطلاقها في مستهلّ حركته المتجددة، وأمل من خلالها ان تتم ولادة الحكومة قبل عيد الميلاد. ما يعني انّ الحكومة وسط هذه الأجواء ما زالت بعيدة.

وبمعزل عن أمل الوزير باسيل عبور أفكاره حقل الألغام المزروعة في طريق التأليف الحكومي، فإنّ جملة أسئلة تصاحب هذا التحرك:
– كيف سيتم هذا العبور؟

– هل في إقناع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التخلّي عن وزير من الحصة الرئاسية بما يحلّ عقدة تمثيل النواب الستة؟ علماً انّ اوساطاً سياسية مختلفة ترى انّ الحل في يد الرئيس حصراً، عبر تَخلّيه عن الوزير السنّي، فيما سبق للرئيس أن أكد ان لا مَسّ بالحصة الرئاسية.

– هل في إقناع الرئيس المكلف سعد الحريري بتليين موقفه لصالح حل هذه العقدة؟ مع انّ الحريري سبق له أن أكد موقفه بشكل حازم بأنه لن يقبل بتمثيل كتلة نيابية مُفتعلة، فضلاً عن انّ تراجعه أمام مطلب تمثيلهم التعطيلي والرضوخ له، يشكّل ضربة كبرى وكَسرة معنوية قاسية له، لن يُقدم عليها تحت أي ظرف ومهما كانت الاسباب. وبالتالي، سبق للرئيس المكلف أن اكد انّ الحل جاهز ويقوم على انّ التشكيلة الحكومية جاهزة ووضعت بعد جهود مضنية استغرقت نحو 5 أشهر، ولا ينقصها سوى ان يقدّم «حزب الله» أسماء وزرائه. علماً انّ الحريري، وبحسب معلومات موثوقة، رفض فكرتين من سلة أفكار باسيل، أي توسيع الحكومة الى 32 وزيراً، والعودة الى مقايَضة الوزير السنّي بالوزير المسيحي ضمن الحصة الرئاسية. كما أنه أبلغ رئيس الجمهورية في الساعات الماضية انّ قراره بعدم استقبال النواب الستة هو نهائي.

– هل في إقناع «حزب الله» بتليين موقفه؟ علماً انّ «الحزب» سبق وأكد انه ليس معنياً بالحوار المباشر حول هذه العقدة. فضلاً عن ان لا مجال في «الحزب» للنزول تحت السقف الذي حدّده أمينه العام السيد حسن نصرالله، وعاد وأكد عليه بالأمس رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بقوله انّ «حزب الله» ليس من مُفتعلي أزمة تشكيل الحكومة. وبالتالي، فإنّ الحل هو في التحاور مع النواب السنّة الستة، فالعناد والمكابرة لا يعالجان المشكلة، ومن ينتظر أن نغيّر موقفنا طالما انّ هؤلاء النواب يريدون الاصرار على تمثيلهم في الحكومة بوزير سينتظر السماء، ونحن أهل الانتظار فمنذ 1300 سنة ننتظر ظهور إمامنا المهدي، وجَرّبوا معنا في استحقاق رئيس الجمهورية».

– هل في إقناع «سنّة 8 آذار» بالتراجع عن مطلبهم، أو القبول بمَن ينوب عنهم في الحكومة، فيما هم مصرون على تمثيلهم وبواحد منهم حصراً، فضلاً عن انهم حتى الآن لا يعرفون ما هي الافكار التي بدأ الوزير باسيل بتسويقها لحل قضيتهم؟

– هل في اعتماد مبدأ المقايضة بين هذا الطرف وذاك، ولكن كيف؟ وبين من ومن؟ وهل ثمة من يقبل أصلاً بالمقايضة؟ وهل ثمة من يقبل بمقايضة يمكن ان تُخسّره ويدفع من كيسه لحساب الآخرين؟ ثم من يقبل بمقايضة يُراد لها أن تتم بين أطراف وتكون بعيدة عن طرف معين سبق له أن نأى بنفسه عنها؟

حماية الداخل
وإذا كان الدافع لحركة الوزير باسيل، هو إحداث ثغرة في جدار التأليف، ووقَف المنحى التعطيلي، واحتواء السلبيات التي ترتّبَت عليه على مدى الاشهر الستة الماضية، فإنها تلاقي الدعوة الرئاسية الى الانعقاد الاستثنئائي لمجلس الدفاع الأعلى في القصر الجمهوري في بعبدا أمس. وبحسب مصادر معنية لـ«الجمهورية» فإنّ مجموعة اسباب أملَت هذا الانعقاد، ولعلّ أبرزها استشعار المخاطر الجدية التي تُحدق بالوضع اللبناني من مختلف الجوانب، والتي توجِب استنفاراً فورياً لتداركها واحتوائها.

وتشير المصادر الى انّ بحث موضوع اتخاذ الخطوات الاحترازية في كل المناطق اللبنانية، وخصوصاً على الصعيد الامني في شهر الاعياد، أمر بديهي في مثل هذه المناسبة، الّا انّ الاساس هو ما استجَدّ خلال الاشهر الاخيرة من تطورات، خصوصاً انّ تقارير الاجهزة الامنية على اختلافها سجّلت مجموعة من الحوادث، إضافة الى بعض المظاهر التي تدعو الى الريبة والقلق في هذه المرحلة، بالتوازي مع التأكيد على انّ الاجهزة الامنية على اختلافها تقوم بما يلزم، وعلى وجه الخصوص في مجال ضبط الوضع الامني وحماية الاستقرار الداخلي، وملاحقة الخلايا الارهابية، وهو الأمر الذي شهد تقدماً نوعياً عمّا كان عليه في مراحل سابقة.

وبحسب المصادر فإنّ تطورات الأيام الاخيرة، ولاسيما الحملة القاسية على الرئيس المكلف سعد الحريري، والتي ترافقت مع شحن سياسي وغير سياسي عَبّر عن نفسه في تصاعد لهجة الخطاب الهجومي وبلوغه حدّ الشتائم والإهانات، وكذلك في التحرّكات الاحتجاجية في الشارع في بيروت والمناطق احتجاجاً على هذه الحملة، وترافقت ايضاً مع بروز شائعات عن أعمال خطيرة، كلّ ذلك شَكّل الدافع الأقوى لانعقاد مجلس الدفاع الأعلى لِما انطوت عليه الأمور من مخاطر كبرى على الاستقرار الداخلي، ودفعت بالمجلس، بعد استعراض ما جرى، الى التأكيد على القوى الامنية كلها للتيقّظ أكثر وضرورة رفع جهوزيتها الى أعلى درجاتها لحماية الداخل، وإحباط اي محاولة للعبث بالسلم الاهلي، والتشدد مع العابثين وضربهم، ومنع أي مظاهر من شأنها ان تؤدي الى إشاعة توترات وانقسامات وخلق اجواء يصعب احتواؤها فيما لو تطورت وأفلتت من اليد.

الى ذلك، وفيما أعرب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن أمله في أن تؤدي آليّات الحل الجديدة (التي عرضها مع باسيل أمس الاول في عين التينة) الى النتائج المرجوّة، مُحذّراً من انّ البلاد لا يمكن ان تستمر على هذا الوضع»، برزت خشية كبرى عَبّرت عنها مستويات سياسية ورسمية وحزبية، حذّرت من انّ البلد في أكثر مراحله خطورة، وما يثير القلق هو انّ تشكيل الحكومة الصعب على البارد حالياً، فيمكن ان يصبح تشكيلها أكثر صعوبة على الساخن لاحقاً اذا ما أدى سبب ما الى رفع حرارة الوقائع الداخلية السياسية وغير السياسية ووضع لبنان في دائرة الاحتمالات الخطيرة، ما يعني انّ الحكومة المعطّلة بطريقة مُفتعلة حالياً، قد يصلون الى وقت لا يستطيعون تشكيلها حتى ولو تراجعوا عن شروطهم التي يرفعونها الآن.

مخاطر
وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: أجواء البلد اليوم أشبه بأجواء العام 1974 السابق لاندلاع الحرب الاهلية، بفارق خطير، أنه في العام 1975 دمّرت الحرب الدولة، أمّا الآن فإنّ كل المفاصل مُهترئة في البلد، وتحديداً في المجال الاقتصادي الذي يُشارف على الانهيار الكامل. لذلك، وعلى الرغم من انّ الوقائع المحيطة بملف التأليف لا تبشّر بقرب حصوله، الّا انني أميلُ الى افتراض العكس، إذ انّ أحداً من اطراف هذا التعطيل، وفي ظل هذه الأجواء، لا يستطيع ان يتجاهل الخطر المُحدق بنا، ولا يستطيع ان ينتظر اكثر، أو يستمر في هذا التعطيل طويلاً، او يتحمل مسؤولية ما قد يحصل، او بالأحرى لا يستطيعون ان يتحمّلوا ذهاب البلد الى الخراب. لذلك، انا أرى انّ الحكومة ستتشكّل، ولا أرى ذلك في وقت بعيد.

ولفتَ المرجع الى انّ المستويات الرسمية اللبنانية، تلقّت في الفترة الاخيرة نصائح متجددة من بعض العواصم الاوروبية وكذلك من بعض المستويات والمحافل الاممية، تَحثّ لبنان على الاستعجال في تشكيل حكومته.

ومن هنا يقول المرجع انه «لا يَتّفق مع القائلين بوجود عامل خارجي لتعطيل الحكومة، واتهام إيران من جهة بأنها أوحّت الى «حزب الله» بهذا التعطيل، او اتهام الرئيس المكلف بتلقّي إيحاءات سعودية لتأخير تشكيل الحكومة. ومع ذلك فإنّ الاتهامات والشائعات مستمرة، من دون ان يبرز من اطراف الاتهامات دليل واحد يؤكّد بوضوح وجود مثل هذه الايحاءات. ومن هنا، فإنّ كل هذا الذي يجري ما هو سوى جزء من لعبة التوتير الداخلي، وهناك أطراف همّها الاول هو المزايدة وصبّ الزيت على النار، كل الخلاف الحاصل هو على جبنة الحكومة. ونقطة على السطر».

ونقل المرجع عن سفير دولة اوروبية كبرى، قوله انّ ما عبّر عنه وزير خارجية الفاتيكان قبل ايام أمام بعض الشخصيات اللبنانية، يجب أن يعتبر جرس إنذار ينبغي أن يسمعه جميع السياسيين في لبنان، بأنّ بلدهم في خطر كبير وعليهم إنقاذه بتشكيل حكومته لتقوم بالعمل الضخم الذي ينتظرها على طريق إنعاشه. لكن مع الأسف، يبدو انّ اللبنانيين لا يريدون أن يساعدوا أنفسهم، هذه هي مشكلتهم. وعليهم الّا ينتظروا ان يتلقى لبنان مساعدة من أي دولة، خصوصاً في ظل التطورات التي تتسارَع على غير صعيد إقليمي ودولي، والتي تشكل أولوية الاهتمام لدى الدول المعنية بها.