خبر

الاستحقاق الرئاسي عقــــدة الحكومة الأبرز

جوني منيّر – الجمهورية

 

 

تبدّد، أو يكاد، التفاؤلُ الذي عوّل عليه الرئيس نبيه بري. فحين غادر الرئيس سعد الحريري الى باريس في غيابٍ هو أشبه باعتكاف، ترك وراءه تلويحَه بالاعتذار قائلاً «روحوا فتشوا عن غيري».
وفي العاصمة الفرنسية كاشف الحريري احد المسؤولين الفرنسيين المعنيّين بالملف اللبناني في أنه يفكر جدّياً بالاعتذار عن تأليف الحكومة من خلال بيان يعدّد فيه العقبات التي تعترضه، ومحمِّلاً الأطراف مسؤولياتها.

وجاءت النصيحة الفرنسية بعدم التفكير حتى بهذا الخيار. ذلك أنّ عودة الحريري الى رئاسة الحكومة استلزمت سنواتٍ طويلة، كما أنها اقترنت بصفقة وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، ما يعني أنّ إعادة تكليفه مجدداً غيرُ مضمونة وأنّ تغييبَه مجدداً قد يطول أكثر هذه المرة.

كذلك فإنّ النصيحة الفرنسية حذّرته من أنه باعتذاره قد يكون أسدى خدمة لـ»حزب الله» الذي سيعمد عندها لوضع معايير حكومية جديدة، وربما أسس مختلفة.

عاد الحريري الى بيروت ورد على الخطاب العالي السقف والنبرة للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، بكلام وفق سقف معقول ليطلق بعده حركة مشاورات ناشطة ولكن سرّية مع الرئيس نبيه بري.

قال الحريري لبري إنّ تبنّيه توزير أحد النواب السنة الستة هو بمثابة انتحار سياسي له وإنّ من الأفضل البحث عن صيغة أُخرى.

في المقابل كان رئيس المجلس النيابي يعمل على تدوير الزوايا. وظهر اقتراح أن يتمّ توزير شخصية سنية يسمّيها النواب الستة وأن تكون من حصة رئيس الجمهورية.

وتمّ استعراض بعض هذه الأسماء، لكنّ هذا الاقتراح سرعان ما سقط نتيجة إصرار النواب الستة على توزير أحدهم وتجديد «حزب الله» تمسّكه بالقرار الصادر عن هؤلاء.

وفي نهاية المطاف أبلغ الحريري أنه لا علاقة له بمَن يختاره رئيس الجمهورية عن المقعد السنّي من حصته. وفهم الرئيس بري أنّ عقدة تمثيل هؤلاء النواب من حصة عون لم يعد الحريري يعارضها ولو أنه قد يسجّل ملاحظات إعلامية لا أكثر.

وفي تواصل بري مع الوزير جبران باسيل تمّ طرحُ توزير النائب قاسم هاشم ولكن جاء مَن يقول إنّ هذا الامر يزيد حصة بري ما يستدعي تنازله عن مقعد شيعي يسميه رئيس الجمهورية.

وبات ثابتاً أنّ باسيل متمسّك بحصة الـ 11 وزيراً، أي «الثلث المعطل». وتعزّز هذا الإقتناع مع إعلانه بعد لقائه النواب السنة الستة سحب عرض التبادل الذي كان قائماً بين الوزيرَين المسيحي والسني. وهذا يعني عملياً قطع الطريق على أيّ احتمال لحلّ العقدة السنية، وعاد بري ليغرق في التشاؤم.

وفي مرحلة سابقة كان جرى حلّ العقدة الدرزية بعد تسليم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بمبدأ تأمين الثلث المعطل.

لذلك آثر ترتيب «صفقة» جانبية مقابل الوزير الدرزي الثالث في فلك رئيس الجمهورية على أن لا يكون طلال أرسلان أو شخص آخر حزبي.

وخلال لقائه برئيس الجمهورية حمل جنبلاط ورقة كتب عليها خمسة بنود.

في البند الأول طرح خمسة أسماء للتوزير وهي: غسان عساف، نبيل ابو ضرغم، عدنان العريضي، رياض شديد وفايز رسامني.

وانتقل جنبلاط الى البند الثاني والمتعلق بضرورة إيجاد حلّ قضائي عادل لحادثة الشويفات. أومأ عون موافقاً.

وجاء دور البند الثالث والمتعلق برئاسة الأركان في الجيش اللبناني، وتمّ التفاهم.

وفي البند الرابع جاء دور الموظفَين اللذين تمّ إقصاؤهما في وزارة البيئة رداً على قرار وزير التربية.

أما البند الخامس والأخير فكان مخصّصاً لترتيب وضع الضابط في شعبة المعلومات وائل ملاعب.

ثم قدّم جنبلاط ورقته التي دوّن عليها بنودَه الخمسة لرئيس الجمهورية الذي لفته الى أن لا وجود لإسم مشترَك بين لائحتي جنبلاط وأرسلان. وكان جواب جنبلاط أنه يقبل بالتسمية التي يختارها رئيس الجمهورية.

لذلك بدا واضحاً أنّ الدفع في اتّجاه حلّ العقدة السنية على حساب «الثلث المعطل» طريق غير سالك ولو أنّ أحداً لم يتبنَ في وضوح التمسك بـ»الثلث المعطل» خياراً.

وفي وقت يتردّد أنّ عتباً يجرى تبادله بين عون وقيادة «حزب الله»، فإنّ هنالك مَن يرى صعوبة ولادة الحكومة طالما أنّ الحلّ الوحيد هو عبر تبنّي رئيس الجمهورية وزير سنة 8 آذار، ما سيؤدّي الى خفض حصة «التيار الوطني الحر» من الثلث المعطل الى الثلث العادي.

فبالنسبة الى البعض فإنّ الثلث زائداً واحداً أو «الثلث المعطل» يمنح باسيل ورقة قوية داخل مجلس الوزراء تجعله قادراً بمفرده على التأثير بقوة في مسار جلسات المجلس التي ستكون حافلةً بالملفات الدسمة.

لكنّ الأهم هي الحسابات غير المعلنة والموجودة لدى الجميع حول احتمال أن تتولّى الحكومة إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي. والمقصود هنا أنّ صاحب الكلمة الحاسمة داخل الحكومة سيعزّز من فرصه الرئاسية والمقصود هنا جبران باسيل. ومن هذه الزاوية يمكن تفسيرُ برودة «القوات اللبنانية».

وخلافاً لما يجرى إعلانه فإنّ الحسابات الفعلية في التشكيلة الحكومية تأخذ في الاعتبار بدء المعركة الرئاسية منذ الآن، والتي يتنافس فيها حتى الآن باسيل وسليمان فرنجية.

وفي الآونة الاخيرة رصدت مصادر ديبلوماسية اميركية تشكيل باسيل فريق عمل مهمّته التسويق لترشيحه لدى مراكز القرار في واشنطن، ويضمّ في جانب منه ضباطاً متقاعدين سبق لهم أن عملوا لمصلحة عون، ولديهم علاقات قوية بوزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الاميركية.

لكنّ الدوائر الأميركية تساءلت عن سبب استعجال باسيل إن لجهة موعد الاستحقاق الرئاسي بعد أربع سنوات، أو لجهة عمره والذي ما يزال مبكراً عليه.
وانطلاقاً ممّا سبق جاء مَن يربط الحركة في واشنطن بالرسائل في لبنان معطوفاً عليها العتب الحاصل بين عون و«حزب الله».

ففي احتفال نهر الكلب بدا أنّ باسيل أراد توجيه رسائل بالجملة، خصوصاً وأنها المرة الأولى التي يتحدث فيها أمام لوحة الجلاء. لكنّ رسالته الاقوى قد تكون الى الفريق الذي لا يساعده على حيازة «الثلث المعطل» ومفادها أنّ خياراته كلها مفتوحة.

في المقابل يستعد «حزب الله» جدّياً لطرح إعادة تأليف الحكومة على اساس معايير جديدة وواضحة ووفق ارقام مجلس النواب. مثلاً أنه وحلفاءه من النواة الصلبة يشكلون 45 نائباً ما يعطيهم حقّ تسمية ثلث الحكومة على الاقل. وهو سيتقدّم بطرحه عندما يتأكد من إقفال أبواب الحلول نهائياً. عندها تكون البلاد قد دخلت مرحلة مجهولة كلياً.