صحيفة الأخبار
«النضال هو جهد في سبيل التغيير. التغيير هو انتقال من حال إلى حال. من المرجو أن الانتقال يكون من سيء إلى جيد. لا يأتي التغيير من دون جهد. لذلك فإن الإنسان الذي يجهد في العمل على التغيير هو إنسان مناضل. وهنا أصر على أن التغيير شرط للنضال، ولا أعني إطلاقاً، أن التكيُف مع الظروف هو نضال. إن التكيف مع الظروف هو خضوع لما هو حاصل، ولا يكون هذا الخضوع أمراً مفرحاً إنما يأتي لأنه ليس في اليد حيلة». هكذا كتب المسرحي زياد أبو عبسي (1956 ــ 2018) في مجلة «النداء» في شباط (فبراير) 2016 في مقالة تحت عنوان «نضال».
المناضل الطويل النفس استسلم أمس لموته المفاجئ، بعد مشوار فكري وثقافي وإبداعي متشعب في الفلسفة والكتابة والتمثيل، وعمر على الخشبة وفي كواليسها. انطفأ ابن بلدة راشيا الفخّار، مخلّفاً مراثي مواقع التواصل تستذكر أدواره وشخصياته التي طبعت وجداناً ومرحلة في تاريخ لبنان من «أبو الزلف» إلى «ادوار». صحيح أنّ ابو عبسي خاض تجارب مسرحية كثيرة منفردة (تأليفه وإخراجه) أو مع مخرجين بارزين أسهموا في المحترف المسرحي اللبناني مثل الراحل يعقوب الشدراوي (جبران والقاعدة ــ 1981)، إلا أنّ محطته مع زياد الرحباني ستظل الأكثر حضوراً وانتشاراً في مسيرته، هو الذي شارك في جميع أعمال الرحباني منذ عام 1978.
ولد زياد أبو عبسي في صيدا عام 1956، لعائلة من بلدة راشيا الفخار. حبّ المطالعة، خصوصاً الفلسفة، وشغف المسرح رافقه مذ كان ابن الـ 14 ينزل بالباص من صيدا الى ساحة رياض الصلح حيث يشتري الكتب من بائع يراعيه في السعر بسبب صغر سنّه وفق ما قال في مقابلة مع «الأخبار» عام 2011. في عام 1974، التحق بقسم المحاسبة والإدارة في «الجامعة اللبنانية الأميركية» من باب ضرورة تأمين مصدر رزق في بلد اللامان الدائم. إلا أنّ ذلك لن يدوم طويلاً قبل ان ينجرف أبو عبسي إلى حبه الأول. نشاطه المسرحي في الجامعة، جعله يشارك في مسرحية «فينيانوس بالضيعة» (تأليف الراحلة روز غريب)، قبل أن يلتقي بزياد الرحباني عام 1977 ويصبح نجم تلك المرحلة.
هو «مستر هارولد» في «بالنسبة لبكرا شو» (1978)، و«ادوار» الخائف من «المحمودات» في «فيلم أميركي طويل» (1980) «أبو الزلف» في «شي فاشل» (1983)، إضافة إلى «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» (1993)، و«لولا فسحة الأمل» (1994) وغيرها. أعمال شكّلت مرآة لمرحلة تاريخية حبلى بالتقلبات والاقتتال الأهلي والعبث! في موازاة ذلك، تعمّق أبو عبسي في دراسة الفلسفة والمسرح، والتخصص في أعمال شكسبير في الولايات المتحدة وتقديم أعماله على الخشبات الجامعية. إلى جانب تدريس المسرح في جامعات بيروت من بينها «الجامعة الأميركية اللبنانية»، شغل فترة منصب مدير البرامج الإذاعية في «صوت الشعب»، وكتب إسهامات في الصفحات الثقافية في الصحف اللبنانية. أما آخر إطلالاته فكانت في مسلسل «بيروت واو» في رمضان الماضي… ولم يعرف حتى لحظة كتابة هذه السطور موعد التشييع ووداع الراحل.