صحيفة الأخبار
لا سياق زمنياً أو سياسياً واضحاً لمصالحة بكركي أمس بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. فرنجية سيبقى حليفاً للمقاومة، وسوريا وجعجع ذراعاً سعوديةً في لبنان. لم يجمعهما شيء سوى النكاية برئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل
كان لا بدّ لرئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، من أن يحصل على عفو من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، لكي تكتمل فصول «تطهيره»، ولن تكتمل. فلا العفو العام الصادر عام 2005 في ظرف سياسي معين، ولا «إعلان النيات» بين التيار الوطني الحر والقوات في معراب نكاية بسليمان فرنجية وقتها، تمكّنا من مسح الدم عن يدي جعجع، وطي صفحة جرائم كانت جزءاً لا يتجزأ من نهج إسرائيلي في لبنان.
سليمان فرنجية سامح أمس، لكنّه لم يبرِّئ. فجريمة إهدن، وإن كان أولياء الدم قد صفحوا عن حقّهم الشخصي، وهذا موقف أخلاقي وإنساني كبير، فإنها أتت في سياق سياسي تاريخي، هدفه تصفية المسيحيين المشرقيين الوطنيين في لبنان، لحساب تفرّد فئة تدعمها إسرائيل في الساحة المسيحية. وكان مقدّراً لهذا المشروع أن يكون الحجر الأساس لإسرائيل الكبرى على شرق المتوسط.
يتوق اللبنانيون إلى المصالحات، أي مصالحة، تطمر صفحة الحرب وتضع فاصلاً بين الذاكرة بمعناها الوجداني، والتاريخ بمعناه السياسي. لكنّ هذه المصالحة وغيرها، مهما اكتملت ظروفها وعناصرها، تبقى منقوصة. فهي ليست نتاج حرب أهلية فحسب، يضطر معها المجتمع المتضرر إلى طمر الذاكرة على عللها حرصاً على المستقبل. بل هي نتاج صراع بين نظرتين لمستقبل لبنان ودوره، واحدة انتصرت وأخرى سقطت سقوطاً مدوياً، أولاً مع موت بشير الجميل وبعده إسقاط 17 أيار، ثمّ في الطائف الذي حسم الصديق من العدو، لتكتمل الصورة في عام 2000، مع تحرير الجنوب اللبناني.
أمّا لماذا الآن؟ في المصالحة الوجدانية وفي السياسة، فلا جواب حاسماً. المصالحة على مجزرة إهدن، حصلت مع آل الجميل، المسؤولين المباشرين عن القرار الذي نفّذه جعجع. كما سبق أن اجتمع جعجع وفرنجية على طاولة بكركي مرتين في لقاء الأقطاب الأربعة الشهير. ولا ثأر يتهدّد الشمال بين أنصار الفريقين، فالأبواب بين أهالي زغرتا وأهالي بشري ليست موصدة، باستثناء باب واحد، هو باب بيت فرنجية على جعجع، الذي يفتح بابه للجميع، لتجميع أوراق القوة وتدعيم العفو القضائي ــــ السياسي بصفحٍ إضافي.
أمّا في السياسة، فجعجع بعدما أخرجه عون في اتفاق معراب، لغاية في نفس الرئاسة، من وحل ذاكرة الحرب وقتل ضباط الجيش وقصف المدنيين، والخوات وممارسات القوات في الساحة المسيحية، عاد وأوقع نفسه في وحل محمد بن سلمان، الساقط عالمياً في الإعلام والسياسة. أي يد تمتد لتنشل جعجع يد مقدّسة بالنسبة إليه، فكيف إذا كانت يد سليمان فرنجية. لا يمكن لفرنجية أن يصدّق، أن جعجع، الذي ذهب إلى حضن ميشال عون نكاية فيه، قد يؤيّده، يوماً ما، رئيساً للجمهورية. لكن بإمكان جعجع، أن يجيّر عفو آل فرنجية عنه، لحساب إسقاط الفيتوات التي قد تعترض طريقه إلى الرئاسة، أو هكذا يظنّ.
سليمان فرنجية صالَحَ جعجع، لكنه لم يبرئه من دم شهداء مجزرة إهدن
يبدو الجواب الأقرب إلى المنطق، عن التوقيت والشكل، هو أن فرنجية، الذي باعدت بينه وبين الرئيس ميشال عون محاولات الأخير توريث الوزير جبران باسيل كرسي رئاسة الجمهورية باكراً، لم يجد غير جعجع لتشكيل توازن على الساحة المسيحية مع الحالة العونية. ربّما، يطمح فرنجية بعد سنوات، حين سيحاول باسيل القول إنه وحيداً يمثّل المسيحيين، أن يضع في وجهه نصف المسيحيين الموارنة، في الشمال تحديداً وامتداداتهم إلى جبل لبنان، ضد هذا الخيار. لا شيء محسوماً سوى أن جعجع سيبقى ذراع السعودية في لبنان، وفرنجية حليف المقاومة وسوريا. هذا ليس تحالفاً، بل «صلحة»، عرّابها جبران باسيل، الذي من دون أن يصير قديساً، كانت صلحة بكركي أمس أولى عجائبه.
وكانت بكركي، أمس، قد رعت لقاءً بين فرنجية، وجعجع الذي حضر إلى الصرح البطريركي مع نواب القوات الشماليين، والنائب الكسرواني شوقي الدكاش (ربطاً بحصول اللقاء في بكركي، ولأن فرنجية ضمّ إلى وفده النائب فريد الخازن)، وانتظر وصول فرنجية مع وفد تيار المردة، قبل أن تعقد خلوة بين الزعيمين بحضور البطريرك الراعي. وبعد الخلوة، قرأ المطران جوزف نفاع بيان اللقاء، ذكر فيه بنود وثيقة المصالحة بين الطرفين، أبرزها أن «اللقاء ينطلق من قاعدة تمسك كل طرف بقناعاته وبثوابته السياسية».