خبر

الحريري يحاصر الأزمة: لي صلاحيّاتي ولكم «سُـــنّتكم»

كلير شكر – الجمهورية

 

أكثر من 45 دقيقة استغرقها المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، خَصّصها للرد على خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله في مناسبة «يوم الشهيد».
تَقصّد الحريري استخدام اللغة المحكية لتصِل سريعاً إلى أذهان اللبنانيين. إختار تعابير مبسّطة غير متكلّفة لشرح حيثيّات موقعه الراهن والمستقبلي.

حَشدٌ «أزرق» تداعى، أو بالأحرى استُدعي، الى «الشهادة» على مواقف كان يُتوقّع أن تكون مفصلية، على «قدر» مضمون خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» الذي وصف بالأهمّ في مسيرة مُقاربة «الحزب» للشؤون المحلية.

كل المعطيات كانت تشير إلى أنّ الرئيس المكلّف جُرّ عُنوة إلى مربّع التصعيد، وسيردّ على النبرة العالية بنبرة مماثلة بعدما حُشر في خياراته بين «سيئ» التنازل مجدداً، بعد مسلسل تنازلاته منذ دخوله شريكاً في التسوية الرئاسية، وبين «أسوأ» الاعتذار.

وضعَ نصرالله النقاط على الحروف. بعد خطابه لا عودة إلى الوراء. لا تراجع عن مطلب توزير «سنّة الثامن من آذار»، والكرة صارت في ملعب رئيسَي الجمهورية والحكومة.

هكذا كان ينتظر أن يتركّز ردّ الحريري على المعادلة التي كَرّسها «حزب الله»: لا حكومة من دون حلفائه السنّة. بهذا المعنى بَدا «بيت الوسط» عند الثالثة بعد ظهر أمس في حال استنفار استثنائية: إجراءات أمنية فوق العادة، إزدحام قلّ نظيره، وعدسات مصوّرين «على سلاحها».

الصالة الكبيرة داخل البيت، والتي تخصّص عادة لمناسبات مماثلة، تجاوزت قدرتها الاستيعابية. أكثر من 250 شخصية من وزراء تيار «المستقبل» ونوابه وقيادييه انتشروا في الأرجاء وتوزّعوا على الكراسي المرصوصة رصّاً «عسكرياً». وحده الصف الأول بقي شاغراً في انتظار ضيوفه الذين توافَدوا تِباعاً.

النائب بهية الحريري صافحت كلّ من وَقعت عيناها عليه، وزراء «المستقبل» دخلوا الصالة تباعاً لأخذ مطارحهم. النائب السابق باسم السبع «يظهر» من «ظلّه». أحمد الحريري يدخل متأبطاً «جاكيتته». الرئيس تمام سلام يخترق الصفوف سريعاً للجلوس إلى كرسيه. نائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري آخر الواصلين. أما وزير الداخلية نهاد المشنوق فلمشاركته أكثر من معنى مُعَبّر.

هذا في الشكل، أما في المضمون فثمة قراءة مختلفة.

عملياً، نجح الحريري في اللعب على وتر العصب الجماهيري. إستثمر المناسبة لكي يعيد شدّ أواصر بيته الصغير والكبير، مذكّراً أنه «بَيّ السنّة، وأعرف أين مصلحتهم»، وهو المدعو إلى تقديم تنازل جديد قد يجعله أضعف حلقات الحكومة.

إذ بعدما كشفَ أنه تفاهمَ مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على تسمية وزير، تصبح الحصة «المستقبلية» محصورة بـ3 وزراء سنّة إلى جانبه ووزير مسيحي. وفي حال استسلم لمشيئة «سنّة الثامن من آذار» فلن يبقى له سوى سنيّين.

إلّا أنه اعترف بوجود سنّة خارج تيار «المستقبل»، واشتكى من اعتلال في الشكل مُتبنياً كلام رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في توصيف الأزمة، مؤكداً أنّه «لو أتَوا كتلة واحدة لكنتُ «مَجبوراً» على تمثيلهم».

لكنّ الحريري، في المقابل، لم يُسقط «ورقة التين» عن تفاهم ربط النزاع مع «حزب الله»، والذي تحوّل مع الوقت تنسيقاً مباشراً بينهما. وعلى رغم أنه اتهم «الحزب»، من دون مواربة، بتعطيل تأليف الحكومة، إلّا أنّه برّأه من تهمة الربط بين قرار التعطيل والأجندة الاقليمية، وترك ورقة الاعتبارات الخارجية مستورة.

الأهمّ من ذلك أنّ الحريري لم يتهم «حزب الله» بالانقلاب على «اتفاق الطائف»، على رغم أنّ رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط قالها بالفم الملآن.

وهناك أيضاً من يشارك زعيم المختارة قراءته أبعاد خطاب نصرالله وما بين سطوره في «يوم الشهيد». لكنّ الحريري أدار الأذن الطرشاء، لا بل تقاسَم «حِمل» الهجوم الذي قاده نصرالله تحت عنوان «توزير النواب السنّة»، مع رئاسة الجمهورية.

هنا قال الحريري ما رفض «التيار الوطني الحر» الاعتراف به، وهو أنّ كلام الأمين العام لـ«حزب الله» يستهدِف الفريقين معاً، حيث قال الرجل: «ما كنتُ أتصوّر أن تُدار الأمور بهذه الطريقة، وأن تُرمى الأمور في وجه رئيس الجمهورية قبل أن تُرمى في وجهي».

في النتيجة، لم يقترب الحريري من خطّ الاعتذار الأحمر، ولم يرفع سقف مواقفه إلى درجة بلوغ مكان اللاعودة. لقد ترك الباب مفتوحاً أمام معالجات، لا يزال حتى الساعة يرفض أن تكون من كيسه.

عبارتان تلخّصان كلام رئيس الحكومة المكلف: الأولى تكمن في تأكيده أنّ «المشكلة الجوهرية هي في طريقة إدارة الحكومة»، وبالتالي حصر أزمته بصلاحياته حيث عَبّر عن رفضه «خَلق أعراف جديدة والإعتداء على الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية». ما يعني حرصه على محاصرة بقعة الزيت وعدم تَفشّيها لتطاوِل أساس النظام ومرتكزاته.

أمّا العبارة الثانية فتظهر في كلامه عن أنّ «قانون الإنتخاب سمح لـ«سنّة 8 آذار» بالتمثيل، وأنا كنتُ أعلم أنّني سأخسر في هذه الإنتخابات، ولكن لن أدفع الفاتورة مرّتين». وهنا رسالته الأهم لسامعيه.