خبر

«المفتي» برّي لا يتدخّل «بين سنّة هنا وسنّة هناك»

نقولا ناصيف – الأخبار

بات من الضروري ان ينتظر اللبنانيون وقتاً اضافياً، ربما يكون طويلاً، قبل ان يبصروا ثانية حكومات العهد. في الاشهر الستة المنصرمة كمن التعثر في التناحر على الحصص والحقائب. في التمديد الجديد للتعثر اشتباك سنّي ــــ شيعي لم يعد خافياً

بعدما رفع الرئيس المكلف سعد الحريري نبرته، بقوله انه لن يُوزّر احد النواب السنّة الستة المعارضين له، مصرّاً على تجاهله اي حيثية سياسية يمكن ان يمثلوها، ردّ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله السبت التحية بمثلها، بالقول ان لا حكومة من دون اي منهم، الا اذا هم رغبوا في التخلي. كلا الرجلين رفعا النبرة الى الذروة، كي يقول كل منهما ان لا حكومة يضع الآخر مواصفاتها. الحصيلة الحتمية ان لا حكومة في مدى قريب. وليس ثمة ما يشير الى استعداد احدهما للتراجع عن تصلّبه حيال الآخر.

مع ان البعض يتوقع ان يرفع الحريري النبرة مجدداً اليوم، بيد ان بعضاً آخر يرجّحها هادئة مخفوضة. اقل بكثير مما قاله نصرالله، من غير ان يتخلى عن وجهة نظره، وتشبّثه برفض وجود اي من النواب السنّة الستة، من حصته في حد ادنى ومن كل مقاعد الحكومة في حد اقصى.
ابعد من ذلك، سواء ارادا أم إستدرجا الى التصلّب المتبادل، رسمت مشكلة الرجلين ملامح اشتباك سنّي ــــ شيعي حادّ، بات من الضرورة من الآن لكل منهما تبريده وخفض سقفه، بعدما ادليا بدلوهما، وكرّسا على قدم المساواة تهاوي الآمال في ولادة وشيكة للحكومة الجديدة.
يشير هذا التصعيد الى بضع ملاحظات:
اولاها، ان لا مرجعية احتكام دستورية او سياسية تتيح فتح كوة في المأزق الحكومي الحالي. مع ان نصرالله حيّد رئيس الجمهورية ميشال عون عن اشتباكه بالحريري وحصر المواجهة به وحده، لا يعفي ذلك موقع الرئيس من الاحراج لسببين متنافرين، احدهما انه الشريك الدستوري للرئيس المكلف في تأليف الحكومة ويلاقيه في موقفه من عدم توزير احد اولئك، وفي الوقت نفسه هو اقوى حلفاء حزب الله وكلاهما يشكل ظهيراً للآخر في لعبة التوازن السياسي الداخلي.

كذلك فإن «المفتي»، رئيس المجلس نبيه برّي، ليس في موقع المحايد بين الحريري ونصرالله، بل هو في صلب الاصرار الشيعي على توزير نائب سنّي معارض. لم يكن برّي اقل إلحاحاً من الحزب في تذكير الحريري، منذ اليوم الاول للتكليف وعلى مرّ الاشهر الستة المنصرمة، بحتمية توزير احد النواب السنّة الستة. فلم يُصغَ اليه. ليس ادلّ على ذلك من قول رئيس المجلس اخيراً اكثر من مرة، كلما سئل عن احتمال توسّطه لحل مشكلة النواب السنّة الستة والحريري، ان الازمة «سياسية وليست طائفية»، «بين سنّة هنا وسنّة هناك»، لا يسعه هو التدخل بينهما كي لا يساء فهم دوره. ما قاله ان ما يسعه فعله في عقدة درزية او مسيحية اسهل بكثير من عقدة سنّية. ناهيك بوقوفه وحزب الله في المقلب نفسه حيال دعم اولئك وتأكيد حيثيتهم السياسية.
ثانيها، تسليم الحريري بتوزير احد السنّة الستة ثمن ابصار حكومته النور، قد يكون مكلفاً سياسياً، وربما اكثر من ترؤسه الحكومة حتى. بالتأكيد وجود وزير سنّي سادس معارض، مناوىء شخصي له كأي من الستة اولئك، لا يخلّ في مجلس الوزراء بقوة استئثار الحريري بالمقاعد السنّية الخمسة، وبتحالفه المعلن مع رئيس الجمهورية، ناهيك بزعامته الشارع السنّي. لن يكون ذاك الوزير، حسابياً، سوى صوت ليس الا. بيد ان الحساب سياسي ايضاً: هو وزير ثان لكتلة سليمان فرنجيه اذا كان المرشح فيصل كرامي او جهاد الصمد، ووزير رابع لبرّي او لحزب الله واستطراداً وزير سابع للثنائي الشيعي اذا كان قاسم هاشم او الوليد سكرية.
في كل من الحالات تلك، لن يتحمس رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لتقديم هدية كهذه. كذلك لا يسهل على الحريري هضم توزير عبدالرحيم مراد الذي انتزع منه المقعد السنّي الثاني في البقاع بأصوات سنّية، بعدما استأثر به الحريري منذ عام 2005، وقد لا يكون هيّناً القول ان الوزير البيروتي بعد رئيس الحكومة هو عدنان طرابلسي. بمثل ما تبدو قراءة كهذه مبسطة، بيد ان دلالاتها السنّية، على الطريقة اللبنانية، اثقل وزراً.
اضف الطامة الكبرى التي يعنيها تسليم الحريري بتوزير اي من معارضيه الستة، وهو تكريسه الثنائية السنّية التي لا يزال يرفضها، وينكر واقع حصولها حتى. في صلب تفاهمه مع رئيس الجمهورية، منذ ما قبل الانتخابات النيابية الاخيرة، ويمكن الصعود بهذا التفاهم الى ما قبل تسوية 2016، حصر المقاعد السنّية الستة في الحكومة الثلاثينية بالحريري وحده. احد مؤشراته استمرار هذا التفاهم، بعد انتخابات ايار الفائت، ان الحريري قَبِلَ بالتخلي عن مقعد سنّي واحد يذهب الى حصة عون، في مقابل حصوله هو على مقعد مسيحي، مارونياً بادىء بدء ثم استبدله بأرثوذكسي. حصل ذلك ايضاً في حكومة 2016، عندما قايض الحريري المقعد السنّي السادس في حصته الحصرية بماروني لديه (غطاس خوري)، فأحل الرئيس وزيراً لا يثير حفيظة حليفه رئيس الحكومة (طارق الخطيب). عندما كان رئيس الجمهورية في صدد مقعد سنّي في حصته، كان المرشح له تباعاً لا ينفّر الحريري (فادي عسلي ثم احمد عويدات). ليست هذه حال توزير اي من النواب السنّة الستة.

وحده توزير احد النواب السنّة الستة يصدر مراسيم الحكومة الجديدة

ثالثها، يذكر الجميع ان الحريري قال غداة موافقته على قانون الانتخاب انه يرضى به، رغم انه يخسّره مقاعد. غداة اعلان نتائج الانتخابات النيابية اقرّ بخسارته عشرة مقاعد سنّية، خصوصاً في بيروت وطرابلس والبقاع الغربي والضنية، وعزا السبب الى قانون النسبية مرة، والى سوء اداء الماكنة الانتخابية لتيار المستقبل طوراً، ناهيك بعدم اقبال الناخبين الذين افتقدوا زعيمهم معظم سنوات ما بين عامي 2011 و2017 لوجوده خارج البلاد. على ان الرئيس المكلف، بعد الاعترافين الاولين، لم يسلّم بأن خسارته المقاعد العشرة يقتضي ترجمتها في الحكومة الجديدة. لم يسلّم حتماً، ولا يزال، بأن هؤلاء، ثلث المقاعد السنّية في البرلمان (10/27)، من شأنهم يفتحوا الباب امام ثنائية سنّية على الاقل ــــ والاصح انها اكثر من ثنائية ــــ للمرة الاولى منذ عام 2005. ما يقال عن النواب الستة لا يقل اهمية عن حيثية طرابلسية ليست جديدة كالرئيس نجيب ميقاتي، وصيداوية ليست جديدة ايضاً كأسامة سعد، وبيروتية جديدة سبق ان نافست والده الراحل رفيق الحريري عام 2000 كفؤاد مخزومي.

الواضح ان تأليف الحكومة يقتضي ان يتوقف على قبول الرئيس المكلف، على مضض، بتوزير احد اولئك اذا كان يتوقع، في وقت قريب، اصدار مراسيم حكومة يستعجلها اكثر من سواه.
لعل المفارقة ان النائب السنّي السادس هو الذي بات يصدر مراسيمها.