خبر

أهالي المفقودين «يطمئنون» النواب: لا نريد أن نحاسب!

آمال خليل – الأخبار

مجدداً، تتعلق آمال أهالي المفقودين بالجلسة التشريعية اليوم وغداً لإقرار اقتراح قانون المخفيين قسراً الذي ضاع في مهب الخلافات السياسية التي علقت الجلسة التشريعية السابقة في أيلول الماضي. في الشكل، سحب الاقتراح من آخر جدول الأعمال إلى وسطه. لكن في المضمون، المخاوف باقية من تطيير النصاب، أو من إعادة القانون الى اللجان النيابية لإعادة درسه

الصورة الفوتوغرافية التي نشرها المصور الصحافي نبيل اسماعيل، الأسبوع الماضي، لقتيل ممدّد قرب سيارته خلال معارك ما سمّي حرب الإلغاء أواخر الثمانينيات، قلّبت مواجع أهالي المفقودين والمخفيين قسراً. لكنها أعادت إليهم بعض الأمل في إمكان معرفة مصير أحبائهم بعدما كشفت الصورة «لغز» فقدان أثر صاحبها، الدكتور سليم طياح، على مدى 27 عاماً.

مجدداً، عيون الأهالي مصوّبة اليوم على مجلس النواب، على أمل أن ينهي دوامة عذابهم، بعد طول مماطلة، بإقرار اقتراح قانون المخفيين قسراً في الجلسة التشريعية التي تبدأ اليوم. لجنة أهالي المفقودين التي ناشدت النواب إقرار الاقتراح، أكّدت في بيان أن الأهالي «لا يشاؤون المحاسبة على ارتكابات الماضي، ولا المطالبة بإلغاء قانون العفو ولا بتعديله. فقط نريد معرفة مصير ذوينا أحياء كانوا أو أمواتاً». ولفتت إلى أن المادة 37 من الاقتراح حول العقاب «أضيفت إلى المسودة التي كنا تقدمنا بها»، وإذا كانت «تثير التباساً في التفسير (مع أنه لا مفعول رجعياً لها)، نأمل حذفها».
رئيسة لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين وداد حلواني عبّرت لـ«الأخبار» عن تخوفها على مصير القانون في الجلسة التشريعية. ورغم أنها تلقّت «وعوداً من معظم الكتل النيابية والنواب المستقلين بالتصويت لمصلحة القانون»، إلا أن تجربة الأهالي مع الدولة منذ 36 عاماً «لا تطمئن. ولن نصدق بعد التجربة المريرة إلا عندما نرى بأعيننا أنه أقر». شبح تعطيل الجلسة وتطيير القانون، كما حصل في أيلول الماضي، لا يزال ماثلاً. لكن «الخوف الأكبر من أن يحوّل إلى اللجان النيابية المشتركة لإعادة درسه»، بحسب حلواني.
وينصّ اقتراح القانون في المادة 2 على أن «لأفراد الأسر والمقربين الحق في معرفة مصير أفرادها وذويها المفقودين أو المخفيين قسراً وأمكنة وجودهم أو مكان احتجازهم أو اختطافهم، وفي معرفة مكان وجود الرفات وتسلّمها وتحديد مواقع أماكن الدفن وجمع الرفات ونبشها وإجراء الكشف عليها والتعرف الى هوياتها». ويشير الفصل الرابع الى «التنقيب عن أماكن الدفن واستخراج الرفات المدفونة فيها»، فيما تنص المادة 31 على «حق الأسر أن تطلب وضع إشارة علامة على مواقع أماكن دفنهم (المفقودين) فردية كانت أو جماعية، وبغضّ النظر عن عدد الضحايا. وعلى الجهات المحلية المختصة بعمليات البحث عن المفقودين والمخفيين قسراً وضع علامة على موقع مكان الدفن أو موقع انتشال الجثث (…)».
وكانت الحكومة قد رفضت نبش القبور منذ انتهاء الحرب الأهلية، رغم اعترافها ببعض المقابر الجماعية لضحايا الحرب. وخلصت لجنة حكومية شُكّلت عام 2000 «للاستقصاء عن مصير المخطوفين والمفقودين» إلى أنه «لم يتبيّن وجود أي مخطوف أو مفقود على قيد الحياة على الأراضي اللبنانية (…) حيث إن التنظيمات والميليشيات المسلحة قامت بعمليات تصفية جسدية متبادلة خلال الحرب، وقد ألقيت الجثث في أماكن مختلفة من بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب، ودُفن البعض منها في مقابر جماعية داخل مدافن الشهداء في منطقة حرج بيروت ومدافن مار متر في الأشرفية ومدافن الإنكليز في التحويطة، وأُلقي البعض منها في البحر». وأعلنت عن توفية كل من مضى على فقدانه ما يزيد على أربع سنوات.

تمنى أهالي المفقودين حذف المادة التي تتحدث عن العقاب حتى لا تؤثر على إقرار القانون

لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين تقدمت بطعن في عمل اللجنة أمام شورى الدولة. واعتبرت أن إعلان وفاة المفقودين لا يلغي حق عائلاتهم بمعرفة مصيرهم. فيما تقدم عدد من الأهالي بدعاوى أمام القضاء يطلبون نبش بعض المدافن. جزء من القبور المجهولة في مدافن مار متر نبشت قبل أن يعاد طمرها مجدداً، فيما لم تجر مقارنة الرفات بعيّنات الحمض النووي التي أخذت من الأهالي. أما مقابر الحرج والتحويطة والشبانية (جبل لبنان) فلم يسمح بالنبش فيها.
إقرار اقتراح القانون يعطي سنداً قانونياً لهذه الدعاوى كونه يقرّ بحق الأهالي بمعرفة مصير أبنائهم، ويدعم طلباتهم بإعادة نبش المقابر الجماعية.
على خلفية الضجة التي أثارها نشر صورة طيّاح، أكّد النائب زياد أسود لـ«الأخبار» أنه عمل، عندما كان مسعفاً في الصليب الأحمر في نهاية الثمانينيات، مع زملاء له على سحب عشرات الجثث المجهولة الهوية والمشوّهة من الشوارع. «وبعضها نقلناه إلى المستشفيات ولم أعرف عنها شيئاً لاحقاً. أما البعض الآخر، فقد كنا نوضّبه في أكياس نايلون ونلصق على ناحية الوجه إشارات من نوع مجهول ذكر أو أنثى شابة أو غير ذلك، ثم ندفنها في مدفني مار نهرا والمعونة في فرن الشباك».
ينحشر مدفن مار نهرا التابع لمطرانية مار نهرا المارونية بين البيوت في الأحياء المكتظة. أحد جيران المدفن أكّد لـ«الأخبار» أنه خلال الحرب دفنت بعض الجثث بشكل مؤقت. فيما ينقل أحد الكهنة في رعية المعونة الكاثوليكية في فرن الشباك، عن زملاء له عايشوا مرحلة الحرب، أن عدداً من المجهولين دفنوا في المدفن: «في كثير من الأيام، كان الخوري يفتح بابه صباحاً ليجد جثة موضبة ألصقت بشارة مجهول. يصلّي عليها ويدفنها».