خبر

التأليف على إيقاع التيار الوطني الحر: القوات ترضى بالحد الأدنى

صحيفة الأخبار

 

مع نهاية اليوم، يُفترض أن يبدأ الرئيس سعد الحريري بتسلّم أسماء وزراء كل فريق، على أن يحمل التشكيلة إلى رئيس الجمهورية بين غد وبعد غد. أما العقدة القواتية، فقد صار واضحاً أنها لن تعرقل التشكيلة، حتى لو أتت حصة معراب بأقل مما يتوقع القواتيون، من دون أن يعني ذلك أن «القوات» يمكن أن تكون خارج الحكومة

هي 48 ساعة حاسمة تلك التي تنتهي مساء اليوم، حيث يفترض أن يبلغ الرئيس سعد الحريري سمير جعجع بما تتضمنه التشكيلة الحكومية المنتظرة من حصة قواتية. تقول مصادر القوات، إن هذه المهلة مرتبطة بإجابة الحريري على تعديلات طلبها الحزب على العرض الذي قدمه له الحريري. هل هذا يعني أن الرد السلبي على التعديلات سيؤدي إلى خروج القوات من الحكومة؟ ذلك ليس مطروحاً، تجزم المصادر. وهذا يعني عملياً أن القوات عادت وخفضت سقف تهديداتها، في مقابل تعهّد الحريري بالسعي إلى تحصيل جزء من مطالبها. وبناءً على ذلك، ستتشكل الحكومة قبل نهاية الأسبوع، على ما تتقاطع المعلومات، وعلى ما يشير إليه تفاؤل الحريري في أن تتشكل خلال ما تبقى من أيام هذا الأسبوع.

يدرك حزب القوات أن بقاءه خارج الحكومة سيعني خسارته لكل الأحصنة التي راهن عليها، وبالتالي تخليه طوعاً عن مكاسب السلطة التي خبرها في الحكومة الحالية. ولأجل ذلك، لم يمانع في إعطاء التيار الوطني الحر ما يريده، فطلب جعجع من الوزير ملحم رياشي أن يقوم بزيارة جبران باسيل، بناء على موعد أخذته دوائر معراب، بما يثبّت أمرين، وإن أعلن جعجع أن الزيارة عنوانها التهدئة وليس الحكومة: أولاً إن جبران باسيل شريك أول في التأليف، وثانياً إن نيابة رئاسة الحكومة هي من حصة رئيس الجمهورية، وهو مَن وافق على التنازل عنها طوعاً لمصلحة تشكيل الحكومة.
وبذلك، يكون التيار الوطني الحر، قد فرض إيقاعه على التشكيلة الوزارية، انطلاقاً من أن هذه الحكومة ستكون حكومة العهد الأولى، وبالتالي فإنها يفترض أن تعبر عن تطلعات هذا العهد للسنوات الأربع المقبلة، وأن تملك أدوات تنفيذ هذه التطلعات، أي الأغلبية الحكومية الصريحة.
منذ تكليف رئيس الحكومة سعد الحريري تشكيل الحكومة، تبدّت سريعاً المشكلة التي يمكن أن تعيق الآمال بتأليف سريع. الصراع بين القوات والتيار الوطني رفع الأسوار عالية بوجه الحريري. لكل منهما مطلبه الذي لا يتنازل عنه. الأول يتسلّح بالعهد القوي وتوقيع رئاسة الجمهورية ليحصل على حصة وازنة في حكومة العهد، والثاني يتسلح بدعم سعودي عنوانه لا حكومة بلا حصة قواتية يوافق عليها سمير جعجع.
سقف القوات كان عالياً، تماماً كسقف العونيين، لكن الحريري بدا مستعداً للتعامل مع السقفين كجزء من عدة التأليف. هو لا يستطيع تخطي السعودية وما تطلبه، خصوصاً بعدما تمت تسوية وضعه المالي هناك، كما لا يستطيع تخطي ميشال عون شريكه في التسوية الرئاسية وفي انعكاساتها على العمل الحكومي الذي أثبت «فعاليته» في كثير من الملفات.
نامت الحكومة في جارور المطالب الكبيرة للطرفين. القوات برّر مطالبه بإبراز وثيقة ظلت محروسة بالكتمان، منذ التفاهم الرئاسي بين الطرفين، وتنص على المناصفة في المقاعد الوزارية المسيحية، بعد أن يأخذ رئيس الجمهورية حصة من ثلاثة وزراء (6 وزراء لكل فريق). خرج منها العونيون بحجة أن القوات لم تلتزم بها أيضاً وانتهى ملف المناصفة، من دون أن ينتهي ملف المطالب القواتية الكبيرة. «نريد خمسة وزراء من بينهم وزير بحقيبة سيادية». ذلك مطلب كان ليعني تخلي فريق رئيس الجمهورية عن الخارجية أو الدفاع، وهما حقيبتان تخضعان لمعايير متداخلة، تجعل حصول القوات على إحداهما أمراً بالغ التعقيد.

حسم القواتيون الأمر، ووصلوا إلى السقف الأدنى أربعة وزراء مع حقائب وازنة، وبلا وزارة دولة. وهذه تحديداً كانت الحصة القواتية التي تضمنتها المسودة الحكومية الأولى التي أطلع الحريري رئيس الجمهورية عليها، ورفضت في لحظتها، «لأنها لا تراعي المعايير التي تم الاتفاق عليها».
بعد انهيار الاتفاق والعودة إلى الصفر، لم يحصل أي تقدم في المسار الحكومي، إلا عندما وافق رئيس الجمهورية على التخلي عن نيابة رئاسة الحكومة لمصلحة القوات. ذلك التنازل، والضغوط الفرنسية، جعلا الرئيس الحريري، يعلن في مقابلته التلفزيونية مع الزميل مارسيل غانم، أن التشكيلة ستكون جاهزة خلال عشرة أيام.
حينها فقط بدأ العد العكسي للتشكيل. أما الخلاف العوني – القواتي المستجد، على خلفية رفض القوات للمنصب إذا لم يكن مقروناً بحقيبة، فلم يؤد عملياً سوى إلى تأخير التشكيل لا عرقلته. ما ساعد في ذلك، كان مجموعة عوامل خارجية تضافرت لتفرض أمراً واقعاً على جميع الأطراف: الضغط الفرنسي والتهديد الجدي بإمكانية خسارة «مكتسبات» مؤتمر «باريس 4» (سيدر)، اقتراب العقوبات الأميركية على إيران وحزب الله، التطورات العراقية، وأخيراً قضية اختفاء الصحافي جمال خاشقجي، التي وضعت السعودية تحت ضغط لم تعهده.
هذا الضغط كان يعني داخلياً أنه صارت للسعودية أولويات تجعلها تغض الطرف عن لبنان. وفي تلك الفترة تماماً، وتحديداً يوم الثلاثاء الماضي، حصل اجتماع في معراب ضم بعض مسؤولي الحزب. كان القلق بادياً على الحاضرين. سمير جعجع ليس مرتاحاً للتطورات التي تحصل وللضغوط التي تزداد على السعودية. داخلياً، زاد الضغط أيضاً. هل تبقى القوات مصرة على مطلبها، فلا تتشكّل الحكومة أو تشكّل بعد أوان من دون أن يضمن أحد إمكانية الحفاظ على المكتسبات الحالية، أم يتم خرق جدار المراوحة بتنازل أخير؟ عندها تحديداً كان القرار بالموافقة على الحصول على أربع وزارات، ثلاثة بحقيبة، إضافة إلى نيابة رئيس الحكومة من دون حقيبة، فكان ذلك كافياً ليعم التفاؤل باقتراب تشكيل الحكومة، على رغم سعي الجميع، لا سيما القوات، إلى تحصيل مكاسب اللحظات الأخيرة. وتأكيداً على ثقة القوات بأنها ستحصل على ما تريده، أشار جعجع إلى أنه «يضحك كثيراً من يضحك أخيراً»، ناقلاً عن الحريري قوله لرياشي إن «القوات هي زينة الحكومة».

وعلى رغم أن التركيز كان في الساعات الأخيرة على معالجة حصة القوات، إلا أن ذلك لم يحجب وجود عقبات أخرى، أبرزها مسألة تمثيل الأقليات وتمثيل النواب السنة من خارج تيار المستقبل. وقد أكّد رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، عبر برنامج «صار الوقت» الذي يقدمه الزميل غانم، أن تمثيل النواب السنة هو مطلب حق يتمسك به «التكتل الوطني». كما كان فرنجية حاسماً في الإشارة إلى أن التكتل لن يشارك في الحكومة إذا لم يحصل على حقيبة الأشغال.