خبر

فتح معبريّ الجنوب: سوريا تحصد انتصاراتها… ولبنان والأردن يتنفّسان

فراس الشوفي – الأخبار

 

يوم سوري بامتياز، مع افتتاح معبر نصيب الحدودي مع الأردن ومعبر القنيطرة مع الجولان السوري المحتل، ونتائج زيارة وزير الخارجية العراقي لدمشق وإعلان قرب افتتاح المعابر مع العراق. خطوات متسارعة نحو عودة سوريا إلى أداء دورها الإقليمي اقتصادياً وسياسياً بعد صمود لسبع سنوات من الحرب

قبل أربعة أشهر، كان الوصول من مدينة السويداء إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن من المستحيلات. الحدود الوهميّة في الجنوب السوري رسمتها لسنوات خطوط التماس بين الجيش السوري والمجموعات المسلّحة، داخل الحدود الوهميّة أصلاً التي شطرت سهل حوران بين سوريا والأردن منذ لعنة سايكس ــ بيكو.

صباح أمس، لم تحتج الرحلة أكثر من أربعين دقيقة للوصول إلى نصيب على الطريق الأسفلتي الأملس في قلب سهل حوران نحو الغرب أوّلاً، عبر بلدات أم ولد ــ المسفيرة ــ كحيل ــ صيدا، قبل التوجّه جنوباً على الأوتوستراد الدولي دمشق ــ درعا نحو المعبر. وعلى الطريق الرئيسي، ورشات التأهيل لم تهدأ منذ أيام، وأعمال التزفيت وصيانة الطرقات الرئيسية والإنارة قائمة من دمشق إلى درعا ومن دمشق إلى السويداء.
الساعة 12 إلّا ربعاً تقريباً على نصيب، يستعدّ الوفد السوري للانتقال إلى الجانب الأردني (معبر جابر)، وعلى متن الحافلة الكبيرة رسميون ورجال أعمال ودبلوماسيون وضباط الجمارك السوريون، في إعلان عملي كبير لعودة المعبر بين الكيانين إلى الحياة. وفي الوقت نفسه، كان أول مسافر آتٍ من الأردن إلى سوريا يمرّ على الطريق شمالاً من تحت القوس الحجري الضخم الذي لا تزال آثار المعارك ظاهرةً عليه.
هنا، قبل أربعة أعوام، استسلم الأردنيون للضغط الخليجي والأميركي ولضباط الاستخبارات في غرفة «الموك» التي شُكّلت لتدير الحرب على الدولة السورية في الجنوب، فسلّموا المعبر لعصابات «جبهة النصرة» المتفرعة عن تنظيم «القاعدة». أمس استسلم الأردنيون أيضاً، حكومةً ونظاماً، للنصر السوري، وللتاريخ والجغرافيا ولمصلحة الأردن بالعودة إلى سوريا.
ومع أن المعبر من الجانب السوري، وبفعل سيطرة الجماعات الإرهابية عليه وعمليات النهب المنظّم التي أدارتها لممتلكات الدولة ومستودعات البضائع ثم المعارك الأخيرة قبل استعادة الجيش السيطرة عليه، يحتاج إلى بعض الوقت لانتهاء أعمال التأهيل، تأتي خطوة الافتتاح ورفع الأعلام السورية في لحظة سياسية حسّاسة بالنسبة إلى مسار الأزمة السورية، ولواقع الأردن الاقتصادي والسياسي مستقبلاً.
في السنوات الماضية، انخرط النظام الأردني في حرب علنية ضد سوريا. بعض الموقف جاء تحت الضغط الغربي والخليجي، والجزء الآخر نتيجة الحسابات الخاطئة بإمكان سقوط الدولة السورية وإسقاط دمشق من الجنوب في خطّة بندر بن سلطان الفاشلة. دفع الأردن ثمناً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً جراء فقدان المليار ونصف المليار دولار التي كانت تؤمّنها الطريق من موانئ سوريا ولبنان إلى الداخل العربي سنويّاً، واكتفت السعودية بإذلال الأردن وتقديم المساعدات المشروطة بـ«القطارة»… فضلاً عن نحو مليون نازح سوري يضافون إلى أزمة الهويّة المركّبة التي يعيشها الكيان الأردني. وفي الأمن، لا يزال الأردن يعاني من الخلايا الإرهابية التي دربّتها وغذّتها الاستخبارات الأردنية وحلفاؤها الأميركيون والخليجيون وإسرائيل طبعاً، خصوصاً في مدن الشمال ومدينة معان.

منذ أكثر من عام، بدأ التبدّل يصيب أصحاب القرار في الأردن، مع مراكمة الفشل. وما إن بدأت عناصر القوّة السورية تكتمل، حتى اتجه الأردنيون نحو فتح قنوات التواصل مع الدولة السورية بغية استرجاع العلاقات وعودة المعبر الحدودي بين البلدين. لكنّ الضغوط الخليجية والأميركية والإسرائيلية تحديداً، كانت تكبر وتضع أمام الحكم الأردني أوهام الدعم المالي من جهة، ومن جهة ثانية التهم الجاهزة بأن التعاون مع سوريا يعني التعاون مع إيران ضد الخليج.
أكثر من مصدر متابع للعلاقات الأردنية ــ السورية، يؤكّد أن الخيار الأردني منذ نصف عام على الأقل، كان السعي لإعادة جابر ــ نصيب إلى العمل. إلّا أن القرار جوبه بتعنّت إسرائيلي كبير، سببه حرص تل أبيب على قطع طريق دمشق ـ عمان، والاستعاضة عن هذا الطريق الحيوي للبنان وسوريا والأردن إلى الخليج بميناء حيفا. وبحسب المعلومات، فإن العمل بميناء حيفا بعد إغلاق نصيب ارتفع ثلاثة أضعاف عمّا كان عليه في السابق، وباتت 25% من حاجيات الدول الخليجية، ولا سيّما السعودية تمرّ عبر ميناء حيفا الذي يعوّل عليه العدو الإسرائيلي أيضاً ليكون مركزاً مهمّاً على خطوط الحرير الصينية الجديدة في مبادرة «حزام وطريق».
وتشير المعلومات إلى أنه في غياب الملك عبد الله عن الأردن وزيارته لأكثر من شهرين للولايات المتحدة الأميركية، ناقش المعنيون بشؤون البلاد مع السعودية خيار فتح نصيب والتعاون مع العراق الذي وعد الأردن بتقديم الدعم النفطي، في ظلّ سقوط الوعود الخليجية بالدعم المالي المباشر، وليس على شكل الودائع التي وضعها الخليجيون بطلب من السعودية في المصارف الأردنية بعيد أزمة التظاهرات الأخيرة.
وما إن عاد الملك عبد الله، حتى اتخذ القرار بالحوار الجاد مع السوريين، الذي أدى المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم دوراً فيه، في الوقت الذي كان فيه السوريون قد استعادوا السيطرة الكاملة على الجنوب السوري. اليوم، صار بإمكان المواطنين الأردنيين أن يعودوا إلى حوران ودمشق، المدينة/ القلب، التي أُبعدوا عنها لسنوات، وأن يعود لعمّان ظهر وسند، متى قرّرت السعودية وإسرائيل الانقضاض على «جائزة الترضية»، بعد الهزائم في سوريا والعراق!
عودة لبنان إلى «الداخل»
مثل الأردن، تشكّل عودة العمل بالمعبر بالنسبة إلى لبنان حاجة قصوى، في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد. مرّةً جديدة يعود ميناءا بيروت وطرابلس إلى العمل واستقبال البضائع المخصصة للنقل إلى الخليج بعد سنوات القحط الأربع الماضية. وفيما تؤدي موانئ لبنان أهميّة كبيرة بالنسبة إلى الدولة السورية بإدخال «العملة الصعبة» التي تحتاجها سوريا في هذا الوقت، تؤمّن عودة لبنان لأداء دور مركز «الترانزيت» عوائد كبيرة يحتاجها لبنان لتسديد جزء من عجزه. غير أن الإجراءات اللبنانية الحدودية في السنوات الماضية، تشكّل هاجساً بالنسبة إلى السوريين. إذ إن لبنان قرّر، من جانب واحد، اتخاذ إجراءات حدودية تتعلّق بدخول الأفراد والبضائع السورية، خلافاً للاتفاقيات الموقّعة بين البلدين. يدخل اللبنانيون إلى سوريا من دون أي إجراء أو حجز فندقي أو مبالغ مالية محددة، فيما يحتاج السوريون إلى كل ذلك، بذريعة وجود النازحين وارتفاع العدد. غير أن هذه الإجراءات تزيد من أزمة النزوح السوري في لبنان، فهي تضع أمام السوريين في لبنان خيار البقاء خوفاً من عدم القدرة على العودة والتنقل بحرية.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى البضائع السورية، ولا سيّما الرخام ومواد البناء، التي يقول بعض الرسميين اللبنانيين إنها تنافس الإنتاج الوطني، بينما هي تنافس الإنتاج الإسباني والأوروبي عموماً.
ولا تقتصر انعكاسات افتتاح نصيب على لبنان والأردن فحسب، بل تعوّل تركيا أيضاً على أهمية هذا الطريق الحيوي لإعادة وصل تركيا بالخليج العربي برّاً من الطريق الأقصر والأقرب عبر الأراضي السورية. إلّا أن مسألة عودة العلاقات التركية ــ السورية مرهونة بعوامل كثيرة، أبرزها الانسحاب التركي من الأراضي السورية المحتلة ووقف دعم الجماعات المسلّحة، والظروف الدولية المواتية لمثل هذه الخطوة، بعد سنوات من التخريب التركي والتآمر على سوريا.