ليا القزي – الأخبار
فيما يُعاني الاقتصاد من أزمةٍ خطيرة، انتشرت نُسخة عن المرسوم رقم 3729، المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 11 تشرين الأول الحالي، ويتضمن نقل اعتماد من احتياطي الموازنة إلى موازنة وزارة الخارجية والمغتربين. المبلغ كبير: 325 مليون ليرة، والهدف منه شراء ثلاث سيارات من نوع BMW 530 I، موديل 2018، سعرها الأدنى 52 ألف دولار. حصل ذلك في آخر جلسة لمجلس الوزراء، بتاريخ 21 أيار 2018، أي الجلسة التي وُضعت فيها الخلافات السياسية جانباً، ولُبّيت خلالها طلبات كلّ الوزارات. يُبرّر ذلك عدم اعتراض أي فريق سياسي على إتمام صفقة تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليون ليرة بموجب عقد اتفاق بالتراضي بين «الخارجية» وشركة BMW، عوض أن يكون من خلال إدارة المناقصات، كما يُحتّم القانون. وحتّى لو وافق مجلس الوزراء مُجتمعاً على هذا القرار، يُعتبر ذلك خرقاً للقانون الذي يوجب أن تمرّ كلّ صفقات إدارات الدولة على إدارة المناقصات، إلا في حالات «محددة وغير مطلقة، كأن يكون الطلب غير متوافر إلا عند عارض وحيد، أو بسبب وجود ظرف أمني أو صحّي»، بحسب مسؤول معني بالمناقصات.
أثار المرسوم ضجّة لأنّه يتزامن مع «شِبه حالة طوارئ» يواجهها الوضع الاقتصادي في البلد. التحذيرات من الأزمة ليست مُجرّد تهويل، بل واقعٌ تُثبته كلّ المؤشرات النقدية والمالية والجهات المعنية. المفترض في هذه الظروف، أن لا تلجأ مؤسسات الدولة إلى مصاريف غير طارئة أو استثنائية. التبرير الذي لجأت إليه وزارة الخارجية، من خلال بيانٍ، هو بما أنّه «قد مضى أكثر من 16 عاماً على آخر عملية شراء لسيارتين حيث أصبحت حالتهما غير لائقة ومتهالكة لتأدية المهام الرسمية المتوخاة، تقدّمت الوزارة بطلب شراء السيارات المذكورة، وقد وافق مجلس الوزراء على طلبها نظراً للأسباب المعروضة». ولكن في ظلّ «اللاترف» الذي نعيش فيه، كان يُمكن للدبلوماسية اللبنانية أن تسدّ حاجتها من خلال شراء سيارات جديدة بسعرٍ أرخص، عوض التباهي بسيارات يبلغ سعرها 325 مليون ليرة (عدا عن الصيانة). والحلّ الثاني، هو باستئجار سيارات لاستقبال الوفود الأجنبية، تماماً كما يحصل مع الوفود الوزارية اللبنانية في الخارج، فتؤمّن الدولة المضيفة سيارة للوزير، لتتولى البعثات اللبنانية الإنفاق على تنقلات الوفد المرافق. وحدها دول الخليج تُخصّص سيارات فخمة لكامل أعضاء الوفود، إلا أن لبنان أعجز من أن يدخل في منافسة كهذه.
تبدأ مصادر إدارية في وزارة الخارجية حديثها بالعودة إلى مرسوم التشريفات الذي «يُنظّم كلّ الأمور البروتوكولية، ونصّ على توفير الوسائل اللازمة لتقوم مديرية المراسم بمهامها». وعام 2002، «اشترينا سيارتي مرسيدس لوضعهما في تصرف مديرية المراسم»، ولاستخدامهما أساساً لنقل الوفود الأجنبية. «لكنّ الآليتين استُهلِكتا، وتكاليف تصليحهما كبيرة»، علماً بأن إحداهما بتصرف الأمين العام لـ«الخارجية»، والثانية بقيت للمراسم. تضيف المصادر: «خلاف ذلك، كنا نستفيد من هبات، ولكن نوعية السيارات لم تكن جيدة وتتعطّل سريعاً». أخيراً، وصلت هبة جديدة 4 سيارات من الصين، «لونها أبيض، فيما المرسوم يُحدّد لون المركبات بالداكن»! بالمناسبة، يمكن تغيير لون أي سيارة، وبكلفة بسيطة، وتثبيت ذلك في مصلحة تسجيل السيارات في وزارة الداخلية.
تُبرّر المصادر اللجوء إلى العقد بالتراضي بدل المناقصة بأنّ «السيارات الدبلوماسية معروفة، إما بي أم دبليو أو مرسيديس. وقد وجدنا بعد مفاوضات أنّ النوع الأول أرخص من الثاني، وبما أنّ الأسعار دولياً معروفة لجأنا إلى خيار العقد الرضائي». تُقرّ بوجود وضع اقتصادي صعب، وإمكانية شراء سيارات أرخص، «ولكن كانت ستتعطل بعد سنتين. نحن نعتمد سياسة توفير في الكثير من المجالات، وشراء السيارات ليس نوعاً من التباهي، بل هو حاجة بعد أن ارتفع عدد الوفود التي تزور لبنان»!