خبر

معمل نفايات بلاط: محرقة أم «كبش محرقة»؟

ليا القزي – الأخبار

 

عام 2016، وافقت بلدية بلاط (قضاء جبيل) على الترخيص لشركة «أوفراج» بإنشاء معمل نفايات في البلدة. أشغال المشروع بدأت قبل أشهر، إلا أنّ البلدية وبعض أهالي البلدة «استفاقوا»، قبل أسابيع، على «ضرر» سينجم عن المعمل. الشركة المُنفذة تؤكد «قانونية» معملها، وخبراء بيئيون يؤكدون أنّ لا علامات استفهام حول المشروع

وادٍ محاط بمنطقة حرشية في بلدة بلاط (قضاء جبيل)، في عقار تابع لوقف المطرانية المارونية، تحوّل إلى مدينة صناعية أُطلق عليها ــــ تلطيفاً ــــ وصف «بيئية»، رغم اقتلاع مساحات من الصخور والأشجار. المشروع يملكه عضو المجلس البلدي عبدو العتيّق الذي استأجر الأرض من وقف مار مارون ــــ عمشيت، وبدأ العمل عليه منذ أكثر من سنتين، من دون أن يبالي أحد بالتشوهات التي لحقت بالعقار المُصنّف قسمٌ منه «منطقة غابات».
فجأة، احتدّ النقاش، قبل أسابيع، حول معمل للنفايات تنوي شركة «أوفراج» إنشاءه في «المنطقة الصناعية». ولأن ملف النفايات في لبنان غالباً ما ارتبط بصفقات وسمسرات، سادت «قناعة» بين أهالي البلدة بأن ما يُبنى بين بيوتهم هو «محرقة»، ستُنقل إليها نفايات جبيل وأقضية أخرى، وستتسبّب بأضرار بيئية وصحّية.
العمل على المشروع بدأ منذ أشهر، بعدما كلّف المجلس البلدي الشركة، في 11 تموز 2016، إنشاء المعمل من دون أن يبدي احد اعتراضاً. فما سرّ الاعتراض المستجدّ؟ «لم نعرف بالمشروع إلا بعد أن اختلفوا في البلدية بين بعضهم»، يقول المحامي موسى ابراهيم أحد سكّان بلاط. وهو ما يتسق مع معلومات بأنّ المعمل تحوّل «كبش محرقة» في الصراع بين العتيّق ورئيس البلدية أندره القصيفي حول انتقال رئاسة البلدية من الثاني الى الأول مع بلوغ ولاية المجلس البلدي منتصفها بعد 7 أشهر من الآن، وفق اتفاق سابق بينهما.
«في 2016، طلبت وزارة الداخلية، بسبب أزمة النفايات، من كلّ بلدية حلّ مشكلة نفاياتها»، يقول القصيفي لـ«الأخبار». رسا الخيار على «أوفراج» بعدما عرضت التقنيات التي تملكها وتفاصيل المشروع. في 4 آب 2016، أعلنت البلدية إعداد دراسة تقييم أثر بيئي، ودعت الأهالي إلى اجتماع في صالة الكنيسة. وكان يُفترض أن يتم التنسيق في كلّ المراحل مع رئيس البلدية، ولكنّ «مرّت سنة ونصف سنة، بعد إرسال تقييم الأثر البيئي إلى وزارة البيئة، من دون أن يُتابع أحد الأمر معي»، بحسب رئيس البلدية.
استأجرت «أوفراج» 10 آلاف متر مربع من العقار 756 (تبلغ مساحته نحو 50 ألف متر مربع)، المصنف إلى ثلاث مناطق: E3 وE4 ومنطقة غابات. يقول القصيفي إن الأرض المستأجرة تقع في منطقة غابات، «ونصّت الموافقة المبدئية من وزارة البيئة على أن تستحصل الشركة على تصنيف جديد». هنا، تقع «القطبة المخفية». إذ يتردّد أنّ نائب رئيس البلدية فادي أوبة، بناء على تفويض يملكه من رئيس البلدية، وقّع للشركة تعديلاً على الترخيص يفيد بأنّ الشركة ستبني مستودعاً وليس معملاً. وقد أحال رئيس البلدية المعاملة على التفتيش المركزي بحجة انه سحب التفويض من نائبه قبل أن يوقع الأخير تعديل الرخصة.

في المقابل، يتسلّح رئيس مجلس إدارة الشركة ريمون متري برخصة بناء صادرة عن البلدية في 16 شباط 2017، وترخيص من وزارة الصناعة صادر في 6 أيار 2017، وموافقة مبدئية من وزارة البيئة صادرة في 28 شباط 2017. ويؤكّد أنّ القصيفي «سحب التفويض من نائبه بعد أن وقّع الأخير تعديل ترخيص البناء المُتعلّق بكلّ المنطقة الصناعية، ولا علاقة لمعمل النفايات بالموضوع».
في التاسع من الشهر الجاري، أرسل القصيفي كتاباً إلى رئيس دائرة التنظيم المدني في جبيل بوجود «تعديات ومخالفات وردميات ضمن العقار 756 بلاط ومنه على الأملاك العامة النهرية. إضافة إلى أنّ هذا العقار لم يستحصل على أمرٍ مباشرة عمل من المراجع المختصة. ولم يُسمح لشرطة البلدية القيام بالكشف الميداني على الأعمال الجارية عليه»، طالباً وقف الأعمال. الخميس الماضي، تبلّغ متري، من مخفر جبيل، وقف الأعمال، «احترازياً وإلى حين القيام ببعض التعديلات». يلفت متري الى أنّ القرار «يشمل كلّ المنطقة الصناعية وليس معمل النفايات فقط لأنّ العقار غير مفروز», مُتحدياً «من يقول إنّنا نُنشئ محرقة أن يُقدّم أدلته».
معمل معالجة النفايات الصلبة المنزلية عبر الفرز والإنحلال الحراري (pyrolysis and gasification»)، بحسب توصيف «أوفراج»، بحاجة إلى 200 طن كي يعمل، فيما تُنتج بلاط بين 25 و30 طناً يومياً، ولا يتعدى حجم نفايات كلّ قضاء جبيل 165 طناً في اليوم. متري يؤكد أن «المعمل قائم على الفرز من المصدر، والتزمنا البدء بـ100 طن، من بلاط والبلدات المحيطة»، نافياً أن تكون هناك أي اتفاقات لاستقبال نفايات أقضية أخرى. كما نفى تسبّب شركته بأي أضرار بيئية، «فنحن مستأجرون من عبدو العتيق، وكلّ الأشغال كانت موجودة من قبل… كانت هناك مُهل للاعتراضات، وقامت البلدية بتقييم الأثر البيئي، فلماذا لم يعترض أحد حينها؟». يردّ القصيفي: «طلبت من الدرك وقف الأشغال، فقيل لي إنّ الشركة تملك كلّ التراخيص، وإنّ القوى الأمنية راسلت في الشهرين الماضيين وزارات الصناعة والبيئة والطاقة والصحة والزراعة والتنظيم المدني من دون أي جواب».
من يُغطّي أعمال الشركة إذاً؟ «أصابع الاتهام» تُشير إلى العتيق الذي يؤكد في اتصال مع «الأخبار» أنّ «رئيس البلدية هو من أتى بالمشروع». وأوضح أنّ العقار 756 منطقة صناعية «وتوجد عليه 6 أو 7 مشاريع، غير معمل النفايات».
النقمة الشعبية ضدّ المشروع تتصاعد. يقول موسى ابراهيم إن وجهة نظر الشركة غير مقنعة للأهالي: «سُمّي المشروع بالتفكك الحراري، فقلنا لهم هذا اسمه حرق، ردّوا بأنّ لن تنتج عنه رائحة. المشكلة هي غياب الثقة. الناس مقتنعون بالانعكاسات السلبية للمشروع كتدّني أسعار العقارات المحيطة، وأزمة المرور التي سيتسبب بها على الطريق الضيقة، والتلوث».
في المقابل، يؤكد ثلاثة خبراء بيئيين تحدثت إليهم «الأخبار» أنّ معمل بلاط هو «فرز ومعالجة صناعية للنفايات، باستخدام تقنية متقدمة. المعمل لن يكون له داخون، والحرارة تُستخدم للتسخين». ويسأل الخبراء البيئيون «لماذا لم يعترض أي من البيئيين لو كان هناك محرقة؟ ولماذا لم يحصل تحرّك ضدّ المعمل فور البدء بالأعمال؟ ولماذا لم يتم الدفاع عن البيئة لدى افتتاح مدينة صناعية؟».

توسيع مركز حبالين
رفض اتحاد بلديات جبيل، عام 2016، أن يكون جزءاً من خطة وزارة الداخلية والبلديات لحلّ أزمة النفايات. والسبب «اكتفاؤه الذاتي» بمركز حبالين لمعالجة النفايات المنزلية الصلبة، الموجود منذ 1983، وتُرسل إليه كلّ نفايات بلدات قضاء جبيل مجاناً.
حالياً، حضّر الاتحاد دفتر شروط لتلزيم أعمال تطوير وتشغيل مركز حبالين، بطريقة المناقصة العمومية. وستتضمن المعالجة: الفرز اليدوي والميكانيكي، تسبيخ المواد العضوية، والطمر الصحي. يوضح رئيس الجهاز الهندسي في اتحاد بلديات جبيل، ميشال خليفة، أنّ المركز الجديد سيشمل «منطقة استقبال النفايات، معمل الفرز اليدوي والميكانيكي، معمل التسبيخ للمواد العضوية، المطمر الصحي ومناطق لتخزين المواد القابلة للتدوير والكومبوست». المركز الذي يفرز حالياً 40% من النفايات، «سيُصبح قادراً على فرز 100% من النفايات، ومدة استخدامه 15 سنة».
المشاكل التي كان يُعاني منها مركز حبالين حتّمت تطويره. يشير خليفة الى أنّه «بسبب إخلال شركة Sanitec بالعقد، شبّت حرائق بالمركز وأُقفل مجرى المياه ولم يُنشئوا معمل فرز نفايات. فُضّ العرض مع الشركة، ورُفعت دعاوى قضائية ضدها ، قبل أن نُسلّم شركة باتكو مُتابعة الأعمال». العقد مع «باتكو» ينتهي بعد 5 أشهر، «ونحن بحاجة إلى مجلس وزراء لإقرار دفتر الشروط».